فارق الصحفي “حسين خطاب” المعروف باسم “كارة السفراني” الحياة ظهر اليوم السبت، بعد أن أقدم مجهولون يستقلون دراجة نارية على إطلاق النار عليه، أثناء إعداده تقريراً إعلامياً متعلق بفيروس “كورونا” بمدينة “الباب” في ريف حلب الشرقي.
وأفاد مراسل تلفزيون سوريا أن شخصين ملثمين كانا يستقلان دراجة نارية، أطلقا 5 رصاصات من مسدس، على “خطاب” داخل مخيم ضيوف الشرقية، عند مدخل مدينة الباب الشمالي، واستقرت رصاصة واحدة في رأسه والبقية في صدره، ما أدى لوفاته بشكل مباشر.
وكان زميل وصديق خطاب قد فراقه قبل دقائق قليلة من الاغتيال لإحضار بعض مستلزمات التصوير، وحاول مدنيون من الحي اللحاق بالمجهولين الذين تمكنوا من الفرار.
وعمل “خطاب” المنحدر من مدينة السفيرة بريف حلب الشرقي، في مجال الإعلام خلال الثورة السورية لصالح عدد من الوكالات المحلية، وعمل مؤخراً في إعداد التقارير المرئية لصالح قناة TRT التركية.
ونعى العشرات من الإعلاميين والكيانات الثورية والإعلامية “حسين خطاب”، من ضمنها اتحاد إعلاميي حلب وريفها الذي يشغل عضوية مكتبه التنفيذي، ورابطة الصحفيين السوريين، واتحاد الإعلاميين السوريين، وطالب الأخير قوات الشرطة والأمن العام بمعرفة خلفية حادثة الاغتيال التي تمت في وضح النهار، وإنزال أقصى درجات العقوبة على الفاعلين.
اغتيال “حسين خطاب” يحدث غضباً
أحدث اغتيال “حسين خطاب” حالة من الغضب لدى الصحفيين والإعلاميين، إزاء ضعف القبضة الأمنية، وتكرار محاولات الاغتيال في منطقة ريف حلب الشمالي والشرقي، دون رادع.
وأطلق عدد من الناشطين نداءً طالبوا فيه بتعليق العمل الصحفي والإعلامي في الشمال السوري، تنديداً بحادثة الاغتيال، وتنظيم وقفات احتجاجية للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن تردي الواقع الأمني.
وندد الإعلامي “هادي العبد الله” بسوء الأوضاع الأمنية في شمال سوريا، إذ قال في منشور على صفحته في موقع فيسبوك “ما بعرف ايمتى ممكن نخلص من اللي مستلمين الملف الأمني، ونخلص معهم من عبارة مجهولين يغتالون.. أو انفجار مفخخة في سوق أو شارع!”.
بدورها قالت الصحفية كريمة السعيد “لا لوم على كل من يغادر سوريا، لا مكان في سوريا للعمل الصحفي، لا مكان لمنشور على الفيسبوك، اغتيال الزميل اغتيال للكلمة الحرة للرأي الصادق للقلم الذي يكتب ما يراه”.
وأضافت “اغتيال حسين هو رسالة خطرة لكل صحفي حر ولكل سوري مفادها أن لا مكان في سوريا وحتى في المناطق المحررة لصوت الحقيقة، لا صوت يعلو فوق أصوات النشاز والرصاص”.
كلمات لـ”خطاب” قبل شهرين تعود للواجهة
قبل نحو شهرين أعلن “حسين خطاب” عن تعرضه لمحاولة اغتيال في منطقة “ترحين” شرقي حلب، وذكر في منشور على صفحته الشخصية في فيسبوك بعد مرور أربعة أيام على محاولة اغتياله، أنه تقدّم بشكوى لقيادة الشرطة في بلدة “قباسين” بحق عدد من الأشخاص الذين حاولوا قتله، من ضمنهم شخص يدعى “أحمد المحمود العبد الله” الملقب بـ “الصوص”.
وأشار حينئذ إلى أن قيادة الشرطة لم تحرك ساكناً حيال القضية، حيث ذكر أن ما وصفهم بالمجرمين ما زالوا في منازلهم بمنطقة ترحين “ينعمون بالأمن والأمان”.
وفي الوقت ذاته أعلن “خطاب” عن مغادرته للمنطقة اضطرارياً وترك منزله خوفاً على حياته، محمّلاً قوات الشرطة كامل المسؤولية في حال تعرض لأي خطر.
وبعد أيام نشر “خطاب” منشوراً آخر، بعنوان “تنبيه لا بد منه”، قال فيه “إلى أهالي مدينة السفيرة جميعا وخاصة أهلي القاطنين في منطقة ترحين، يحاول أحمد العبد الله (الصوص) والذي حاول قتلي منذ أيام أن يصور لأهلنا في ترحين أنني أعمل ضدهم وأنني أجلب لهم المشاكل، وهو ما زال يحاول تجييش الناس ضدي، وهذا الكلام عار عن الصحة جملةً وتفصيلاً”.
وتابع “أنا من أبناء مدينة السفيرة وأهل ترحين هم أهلي ووجعهم وجعي وألمهم ألمي وجميعهم أهلي وأفضل مني، من صغيرهم إلى كبيرهم وهم على العين والرأس، وأنا وخلال سنوات لم أدخر جهداً في تقديم ما أستطيع لخدمتهم ويعلم الله أنني لا أكن لهم إلا كل ود وحب واحترام، ومعاذ الله أن أتحدث عنهم بسوء أو أجلب لهم المشاكل أو أن أكون سبباً لضرر يقع عليهم، بل دائماً ما كنت أسعى لجلب المنفعة لهم من مساعدات وإغاثات، وعشرات التقارير التلفزيونية التي صورناها في منطقة ترحين من خلال قنوات ووكالات إعلامية نقلنا من خلالها معاناة أهلنا في ترحين ومخيماتها وهذا والله واجب علي تجاه أهلنا في ترحين وليس لي منة فيه على أحد”.
وقال أيضاً “لأجلكم أبناء مدينتي وخاصة أهلنا في منطقة ترحين وكرمى لجميع من تواصل معي وأراد الإصلاح سأقوم بحذف المنشورات السابقة وأنا أسامح جميع من أخطأ بحقي في التعليقات على المنشورات السابقة لأن حقيقة الأمر غائبة عنهم ولا يعلمون ما حصل بالضبط”.
مصدر مطلع على تفاصيل المشكلة بين “خطاب” و “أحمد العبد الله” (الصوص)، طلب عدم الكشف عن هويته، أكد لموقع تلفزيون سوريا أن أصل الخلاف بينهما بسيط، حيث قال إن “الصوص هو شخص ينحدر من السفيرة ويدعي أنه إعلامي أيضاً ويقطن في ترحين، وعنده عدد من الخيول. لكن حسين خطاب المهتم بالخيول بحسب ما يظهره حسابه في فيسبوك، كان قد ذكر أن الصوص ليس لديه خيول أصيلة، إنما بغال، وهو ما دفع الصوص لتهديد خطاب بالضرب في حال التقيا، وهو ما حصل فعلاً بعد أيام، حيث انهال عليه مع عدد من الأشخاص بالضرب، وحينذاك أطلق أحد المهاجمين رصاصة في الهواء، وبعدها ذكر حسين أنه تعرض لمحاولة اغتيال”.
ووصف المصدر ذاته بأن المشكلة بين الطرفين في منطقة ترحين بسيطة جداً، إذ انطوت بعد أيام، واستبعد أن تكون تلك الحادثة وراء اغتياله، وذكر أن خطاب كان كثير الانتقاد للجهات المحلية في المنطقة، وهو ما يفتح باب الاحتمالات على مصراعيه بشأن القضية.
واللافت أن “الصوص” ذاته نعى “حسين” بعد وفاته، حيث قال عبر صفحته في فيسبوك “استشهد اليوم صديق الطفولة والمدرسة والجار ورفيق الدرب في سنوات الثورة الناشط والصحفي حسين خطاب أبو إبراهيم برصاص الغدر في مدينة الباب”.
ماذا قالت الشرطة بشأن القضية؟
تواصل موقع تلفزيون سوريا مع “إبراهيم الحاج عبدو” رئيس مخفر الشرطة في بلدة قباسين لمعرفة كامل التفاصيل المتعلقة بمحاولة اغتيال الصحفي “حسين خطاب”، وأوضح “الحاج عبدو” أن خلافاً نشب بين “حسين” وعدة أشخاص في مخيم ترحين أثناء إعداده تقريراً مصوراً، ليقوم بتقديم شكوى في المخفر ضد الأشخاص الذين اعتدوا عليه.
وأكد أن المخفر حرّك قواته أكثر من ثلاث مرات لإلقاء القبض على المعتدين، إلا أن قوى الشرطة لم تستطع إلقاء القبض عليهم، كونهم غادروا المكان في وقت سابق.
وبعد مرور نحو أسبوع تمكنت الشرطة من إلقاء القبض على كل الأشخاص الذين ادعى عليهم “حسين”، ومصادرة أسلحتهم، إلا أن “حسين” قام بعد ذلك بالحضور إلى المخفر وإسقاط دعوته عنهم، والتصالح معهم، ليتم الإفراج عنهم بموجب الضبط، وبموجب أمر من النائب العام.
وبحسب رئيس المخفر فهناك وثائق تثبت عملية الصلح وإسقاط الحق عن المدعى عليهم، وأشار إلى أن قيادة الشرطة ستصدر بياناً توضيحياً حول القضية، كما ذكر أن الباب مفتوح للتأكد من الوثائق من خلال مراجعة النائب العام في قضاء بلدة قباسين.
الجيش الوطني يرغب بإدراة الملف الأمني من جديد
أفاد قائد الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري “أبو أحمد نور” خلال تغريدة على حسابه في تويتر -بإطار تعليقه على حادثة الاغتيال- بأن عدم قدرة أجهزة الشرطة والأمن على حماية الناس وضبط الأمن في المدن، قد “توجب علينا (الجيش الوطني) العودة من جديد لإدارة الملف الأمني وضبط المحرر وخاصة مدينة الباب التي أصبحت مسرحاً للتفجيرات والاغتيالات من قبل الخونة والعملاء”.
ووصف رئيس المكتب السياسي في فرقة المعتصم في الجيش الوطني السوري “مصطفى سيجري” عملية الاغتيال بـ “جريمة قذرة ومحاولة بائسة لتكميم الأفواه وتصفية الكوادر الإعلامية والصحفية الثورية”، مضيفاً أن “الصحفيين السوريين الأحرار شكلوا أكبر عائق وحجر عثرة أمام نظام الأسد وأدواته من التنظيمات الإرهابية طيلة السنوات السابقة، ومنعوا كل محاولات إخفاء الحقيقة عن العالم”.
وأما إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني فنشرت بيان تعزية، واستنكرت ما وصفته “العمل الإجرامي الذي يستهدف الصوت الحر”، كما أعلنت دعمها للأجهزة الأمنية والسلطات المختصة “لتعقّب المجرمين وقطع دابرهم”.
وأوعزت الحكومة السورية المؤقتة، وفقاً لرئيسها “عبد الرحمن مصطفى” إلى مديري الأمن في الباب وقباسين بتشكيل مفرزة خاصة لتعقب الجناة، الذين اغتالوا “حسين”، وقال رئيس الحكومة في تغريدة “نعاهد الله وأهلنا والإعلاميين بأننا سنبذل ما بوسعنا لإلقاء القبض على المجرمين وتقديمهم للعدالة لينالوا العقاب الذي يستحقونه”.
جدير بالذكر أن منطقة شمال وشرق حلب تشهد عمليات اغتيال دورية، تطول في معظم الأحيان قادة وعناصر في الجيش الوطني السوري، وقوات الشرطة، ذلك فضلاً عن عمليات التفجير بواسطة السيارات والدراجات النارية الملغمة داخل المدن، الأمر الذي دفع السكان والكوادر الثورية أكثر من مرة للمطالبة بتفعيل المحاسبة -من ضمنها إعدام الجناة- وتشديد القبضة الأمنية، وسدّ الثغرات قدر الإمكان.e