التغيرات الحاصلة بعد مقتل رئيسي.. هل تنسحب إيران من سوريا؟

سيريا مونيتور

دراسات

أدى مقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي -في حادث تحطم المروحية الرئاسية يوم 19 مايو/أيار 2024- إلى إطلاق عملية معقدة لانتقال السلطة في البلاد. ويتطلب هذا الوضع فهم الآليات الدستورية، والسوابق التاريخية لمثل هذا التحول.

وفي التقرير التالي ملخص لورقة أعدها الباحث المختص بالشؤون الإيرانية محمود البازي تحت عنوان “الفراغ المفاجئ: تحليل تحولات السلطة والعلاقات الخارجية لإيران ما بعد رئيسي”، وهي لا تقيّم الآثار المباشرة لهذه الأزمة فحسب بل تتنبأ أيضا بالاتجاهات المحتملة لسياسات إيران الداخلية والخارجية في حقبة ما بعد رئيسي.

السوابق التاريخية في انتقال السلطة

شهدت إيران خلال حقبة ما بعد الثورة أحداثا محورية ومهمة فيها العديد من الاغتيالات والتحولات السياسية. ولعل أكثر الأحداث مفصلية في تاريخ هذه الجمهورية كان وفاة مؤسسها الخميني عام 1989. وبعد وفاته انعقد مجلس الخبراء لاختيار المرشد الأعلى الجديد، وتم اختيار علي خامنئي الذي كان يشغل منصب رئيس الجمهورية آنذاك، حيث ظل محتفظاً بمنصبه لمدة شهرين كانا متبقيين على نهاية ولايته.

وأما في تجربة شغور منصب الرئيس، فقد كان أبو الحسن بني صدر أول رئيس لإيران بعد ثورة 1979. لكنه عزل من قبل البرلمان في يونيو/حزيران 1981، وتم إنشاء مجلس رئاسي مؤقت.

وفي أغسطس/آب 1981، تعرض رئيس الجمهورية -آنذاك- محمد رضا رجائي للاغتيال، وتم تشكيل مجلس رئاسي مؤقت إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة والتي انتهت بفوز خامنئي.

الآليات الدستورية لانتقال السلطة

يتم التعامل مع الفراغ الرئاسي في إيران وفق المادة 131 من الدستور التي تنص على أنه “في حالة وفاة الرئيس أو عزله أو استقالته أو غيابه أو مرضه لمدة تزيد على شهرين، أو في حالة انتهاء مدة الرئاسة وعدم تولي الرئيس الجديد مهامه بسبب بعض العقبات أو غير ذلك من الأمور، فإن النائب الأول لرئيس الجمهورية يتولى صلاحيات الرئيس ومسؤولياته بموافقة القائد الأعلى.

ويتم تشكيل مجلس يتكون من رئيس مجلس الشورى، ورئيس السلطة القضائية، والنائب الأول للرئيس. ويتعين على هذا المجلس اتخاذ الترتيبات اللازمة لانتخاب رئيس جديد للبلاد خلال مدة أقصاها 50 يومًا.

وفي حالة وفاة النائب الأول أو غير ذلك من الأمور التي تمنعه ​​من أداء مهامه، وفي حالة لم يكن للرئيس نائب أول، يُعيّن القائد الأعلى شخصًا آخر بدلا منه”.

وطبقاً للدستور الإيراني، فقد أصدر خامنئي أمراً بتولي محمد مخبر، النائب الأول لرئيسي، مهام الرئيس، وكلفه بالتعاون مع رئيسي السلطتين، التشريعية والقضائية، بالتحضير لانتخابات رئاسية جديدة خلال مدة أقصاها 50 يوما.

بعد الإعلان الرسمي عن وفاة رئيسي وتولي مخبر مهام الرئيس، تم عقد اجتماع لرؤساء السلطات الثلاث وتحديد 28 يونيو/حزيران ليكون يوم الانتخابات الرئاسية المبكرة الـ14.

النظام الإداري والمؤسساتي المتجذر

النظم الإدارية التاريخية في إيران، وغياب النظام المؤسسي أو التنظيمي للمعارضة، بالإضافة إلى التفاعل المعقد بين الهياكل الرسمية وغير الرسمية للجمهورية، كلها عوامل مكّنت من انتقالات السلطة السلسة.

وتظهر الاستجابة الأخيرة لوفاة رئيسي فعالية هذه المؤسسات في ضمان الاستمرارية والاستقرار بالحكم. ولذلك فقد سارع خامنئي حتى قبل معرفة مصير رئيسي إلى طمأنة الشارع بأنه لا فوضى ولا خلل في البلاد.

ومن الممكن أن يُعزى الانتقال السلس والسلمي للسلطة في إيران إلى المؤسسات عميقة الجذور التي تشكلت هياكلها الإدارية على مدى قرون.

ولا تتوقف هذه الظاهرة على الطبيعة الديمقراطية لهذه المؤسسات، بل على قوتها التنظيمية وقدرتها على التكيف منذ فترة طويلة.

ويتضمن هيكل السلطة الرسمي في إيران، كما هو منصوص عليه في دستورها، مؤسسات رئيسية مثل:

  • المرشد الأعلى
  • مجلس الخبراء
  • الرئاسة
  • البرلمان

وتُستكمل هذه المؤسسات بهياكل السلطة غير الرسمية، بما في ذلك رجال الدين المؤثرون، والموظفون الحكوميون، والمنظمات الثورية، وقوات الباسيج.

وتضمن هذه الطبقات معا درجة من الاستقرار والنظام، حتى أثناء الأزمات.

صياغة السياسة الخارجية في حقبة ما بعد رئيسي

أولاً: الملفات الإقليمية وسياسة الجوار

تعد صياغة السياسات الخارجية في إيران عملية معقدة ومتعددة الطبقات، وتتضمن مجموعة من الهيئات المؤثرة. وفي قلب هذا التنسيق يكمن “بيت المرشد” الذي يعمل جنبا إلى جنب الحرس الثوري، والمجلس الأعلى للأمن القومي، ووزارة الخارجية، والمؤسسات التشريعية الرئيسية مثل لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، وبدرجة أقل مجمع تشخيص مصلحة النظام.

ويلعب المرشد الأعلى (خامنئي) دورا حاسما، وإن كان غير مباشر في كثير من الأحيان، في هذه العملية. ورغم أنه يمنح الحكومات المتعاقبة قدرا معينا من الحرية لإدارة السياسات الخارجية، فإنه يتدخل بشكل حاسم عندما يرى ذلك ضروريا.

ومن الواضح أن إيران تعطي أولوية لتعزيز العلاقات مع دول الجوار بدلا من التوافق مع الغرب والولايات المتحدة، وهي سياسة تم وضعها قبل وصول إدارة رئيسي إلى السلطة، ومن المتوقع أن تظل ثابتة مستقبلا.

ومن جهة أخرى، يعتبر دعم فصائل المقاومة الفلسطينية من أصول السياسة الخارجية الإيرانية المستدامة والتي استمرت منذ وصول الثورة الإسلامية إلى الحكم.

وأما بالنسبة لسوريا، فإن الاستمرار في الوجود هناك بوصفها مساحة وعمقا استراتيجيا لن يتغير لأن الملف السوري يخضع لإدارة تامة من قبل الحرس الثوري وفيلق القدس.

 

ثانياً: العلاقة مع الولايات المتحدة والاتفاق النووي

إن أبرز الأسماء المرشحة لاستلام منصب وزير الخارجية القادم هو باقري كني، وهو المسؤول عن ملف المفاوضات النووية مع أوروبا والولايات المتحدة وروسيا والصين.

ومن الأحداث الأخيرة المثيرة للاهتمام: اعتراف إيران والولايات المتحدة بوجود محادثات غير مباشرة بينهما في عُمان خلال الأيام التي سبقت مصرع رئيسي.

ويبدو أن مسارها سيستمر إلا إذا ظهرت عوامل أمريكية  أخرى مثل فوز الرئيس السابق دونالد ترامب مرة أخرى بالانتخابات الرئاسية المزمع عقدها أواخر 2024 وعودته إلى سياسة الضغط بالحد الأقصى وفرض العقوبات.

وترسل طهران بصورة منهجية ومتعمدة رسائل متضاربة إلى الولايات المتحدة، فهي تُجري مفاوضات غير مباشرة، وفي نفس الوقت تلمح بين الفينة والأخرى إلى إمكانية التغيير في إستراتيجيتها النووية والتوجه نحو صناعة السلاح النووي في حال تعرضت لخطر يمس أمنها القومي. وهي سياسة مزدوجة سوف تتبعها الحكومة القادمة على الأغلب.

 

ثالثاً: المواجهة مع إسرائيل نحو مزيد من التصعيد

إن المعادلة الرئيسية التي تحكم طبيعة المواجهة بين إيران وإسرائيل -المرحلة المقبلة- يجري ترسيمها عبر اعتقاد إيراني بالنصر في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ضمن عملية طوفان الأقصى حتى ولو كان هذا النصر عبر حركة المقاومة الإسلامية (حماس).

وبناء على كل هذه المتغيرات تستمر طهران في السعي لتحقيق إستراتيجيتها الكبرى في عزل إسرائيل وإخراج القوات الأميركية من المنطقة بشكل كامل.

باختصار، ستتسم طبيعة المواجهة بين إسرائيل وإيران بالعدوان المتزايد، وإعادة المعايرة الإستراتيجية، وتداعيات إقليمية وعالمية كبيرة.

إن خطر نشوب صراع شامل يلوح في الأفق بشكل أكبر، حيث ينخرط اللاعبان الإقليميان في لعبة حافة الهاوية عالية المخاطر.

التحديات الاقتصادية والسياسات المستقبلية للحكومة الإيرانية المقبلة

في الأشهر الأخيرة من ولاية رئيسي، أظهر الاقتصاد الإيراني اتجاهات إيجابية. فقد انخفض معدل التضخم من 55% إلى 31% خلال الفترة من أبريل/نيسان 2023، إلى الشهر ذاته عام 2024، كما توسع الاقتصاد الإيراني بنسبة 5% خريف 2023. وتشير هذه الإحصائيات إلى فترة من الاستقرار الاقتصادي النسبي، وتتنبأ بآفاق اقتصادية مستقرة خلال فترة الانتخابات المبكرة.

كما وصلت صادرات النفط الإيرانية إلى أعلى مستوياتها السنوات الأخيرة، ووصل دخل البلاد منها إلى 35 مليار دولار سنويا.

ومن ثم، فإن المؤشرات الاقتصادية الرئيسية مثل النمو والسيولة والتضخم لم تشهد أزمات بعد وفاة رئيسي، ولا يتوقع وجود تهديدات اقتصادية فورية على المدى القصير إلى المتوسط.

على الجانب الآخر، تعتبر مؤشرات عدم الكفاءة والفساد وسوء الإدارة عوائق رئيسية هيكلية بالاقتصاد الإيراني لا تتغير بتغير الحكومات.

ولعل أبرز ما ستواجهه الحكومة القادمة هو:

  • استمرار تأثير العقوبات الغربية: مما يحد من قدرة إيران على الانخراط في الأنظمة المالية والتجارة العالمية.
  • الاعتماد على النفط: مما يجعله عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية والتوترات الجيوسياسية.
  • التوظيف والأجور: سيشكل ضمان الدفع المنتظم لرواتب الموظفين والإعانات في بيئة اقتصادية متوترة تحديا مستمرا.
  • استقرار صرف العملات الأجنبية: إن إدارة تقلبات العملة ستكون ضرورية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.

من يحل محل رئيسي؟

تعتبر الانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة مهمة. فإذا ما تم استثناء الحالات الاستثنائية للرؤساء السابقين الذين لم يكملوا مدتهم بسبب الموت أو العزل، فإن أغلب من شغلوا هذا المنصب استمروا لمدة 8 سنوات لولايتين متتاليتين.

وهذا يؤكد أهمية الشخصية التي ستحكم إيران السنوات الثماني القادمة وخصوصا دور هذا الرئيس في الاختيار المحتمل للمرشد القادم بعد خامنئي الذي بلغ 85 عاما، وتنسيقه الكامل مع الحرس الثوري القوة الأكثر نفوذا في السياسة الخارجية والاقتصاد الداخلي ودوره في إدارة الصراع والتفاوض مع الولايات المتحدة وإسرائيل، خصوصا بعد حرب غزة وانتقال حرب الظل بين إيران وإسرائيل إلى الردود المباشرة.

واليوم، أعلن مجلس صيانة الدستور قائمة المرشحين النهائية للانتخابات الرئاسية. وضمت القائمة النهائية -التي نشرتها الداخلية- 5 مرشحين محافظين هم: رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي سعيد جليلي، ووزير الداخلية السابق مصطفى بورمحمدي، ورئيس وقف الشهيد والمحاربين القدامى أمير حسين قاضي زاده هاشمي، ورئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني، إضافة إلى المرشح الإصلاحي الوحيد وزير الصحة السابق مسعود بيزشكيان.​​​​​​​

وبحسب القائمة النهائية للمرشحين، اعترض مجلس صيانة الدستور على ترشح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، وإسحاق جهانغيري نائب الرئيس السابق.

السيناريو المستبعد أو ضعيف الاحتمال

أثبتت السنوات الماضية أن اللجوء للإصلاحيين وحتى المعتدلين الذين يميلون للمعسكر الإصلاحي سيناريو مستبعد وضعيف الاحتمال. كما أنه لن يتمكن من خوض غمار المنافسة من الأسماء الإصلاحية التي أعلنت عزمها الترشح سوى وزير الصحة السابق مسعود بزشكيان.

ويُمثّل بزشكيان حاليا مدينة تبريز في البرلمان، وسبق أن مثّلها لعدة دورات، كان نائبا أول لرئيس المجلس في إحداها.

المحافظون

لعل التوجهات الأخيرة للنظام السياسي الإيراني تشير إلى الرغبة في إدارة أزمات البلاد بطريقة محافظة، ولذلك فإن المحافظين التكنوقراط الذي خدموا في المؤسسات العسكرية أو المؤسسات التشريعية والقضائية هم الخيار الأنسب للنظام للعبور من معضلة الفراغ الرئاسي التي خلّفتها وفاة رئيسي.

وفيما يلي تعريف بالمرشحين المحافظين:

  1. محمد باقر قاليباف: سياسي محافظ، أعيد انتخابه قبل أيام رئيسا لمجلس الشورى، وشغل سابقا عمدة طهران، ومنصبا قياديا في الحرس الثوري. وستعتمد فرصه في الفوز على عوامل مختلفة أهمها مستوى الدعم من السياسيين الأصوليين ورجال الدين المتنفذين، وستنخفض حظوظه في الفوز بمنصب الرئاسة إذا ما قرر الأصوليون دعم أسماء أخرى في السباق الانتخابي.
  2. سعيد جليلي: سياسي ودبلوماسي محافظ بارز. شغل منصب كبير المفاوضين النوويين، وكان أمينا لمجلس الأمن القومي. معروف بمواقفه المتشددة في السياسة الخارجية ومعارضته القوية للغرب، وهو ما يلقى تأييدا لدى القاعدة المحافظة، إلا أن خسائره الانتخابية السابقة ورؤيته للعلاقات الخارجية لإيران تجعل ترشيحه وفوزه المحتمل بالانتخابات موضعا للشك داخل الأوساط السياسية.
  3. علي رضا زاكاني: هو شخصية محافظة مؤثرة، يشغل حاليا منصب عمدة طهران، وكان عضوا في البرلمان لعدة فترات. ويُعرف زاكاني بشخصيته المثيرة للجدل والمستقطبة في بعض الأحيان والتي ربما تمثل عقبة أمامه للفوز.
  4. أمير حسين قاضي زاده: طبيب وسياسي أصولي، انتخب نائبا في البرلمان عن مدينة مشهد عدة دورات، وهو عضو في “جبهة ثبات الثورة الإسلامية” والمتحدث الرسمي باسمها. وسبق أن ترشّح لانتخابات الرئاسة الماضية التي فاز بها رئيسي.
  5. مصطفى بورمحمدي: هو رجل دين ومحامٍ وسياسي، وكان وزيرا للعدل في حكومة الرئيس حسن روحاني بين عامي 2013 و2017.

الخلاصة:

إن الجمهور الأصولي -الذي من المتوقع أن يشارك بقوة أكبر من الطبقات الاجتماعية الأخرى- سيشكل القوة الحاسمة في تحديد الرئيس الإيراني المقبل. ورغم ذلك، فمن المتوقع أن تظل معدلات مشاركة الناخبين الإجمالية أقل مما كانت عليه بالانتخابات السابقة.

Read Previous

وسائل إعلام إسرائيلية: أنظمة الدفاع الجوي تُحاول اعتراض مسيّرات في أجواء الجولان

Read Next

مجلس التعاون الخليجي يُطالب بتطبيق الحل السياسي في سوريا ويؤيد عودة اللاجئين “الطوعية”

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Most Popular