سيريا مونيتور – نادر دبو
تعيش قرى حوض اليرموك في الجنوب السوري، مثل كويا، معرّيا، بيت آرة، والشجرة، حالة من التوتر المستمر، حيث يزداد الوضع سوءًا مع استمرار التوغلات العسكرية الإسرائيلية التي تشهدها المنطقة خلال الأشهر الأخيرة. هذه التوغلات التي لم تقتصر على العمليات العسكرية فقط، بل طالت بشكل مباشر البنية التحتية الزراعية التي تعتمد عليها مئات العائلات في المنطقة كمصدر رئيسي للعيش، الأمر الذي أثر بشكل كارثي على الأمن الغذائي للسكان المحليين، وأدى إلى خروج الزراعة من الخدمة في العديد من القرى.
القطاع الزراعي في أزمة:
لطالما كانت قرى حوض اليرموك بمثابة “السلة الغذائية” لريف درعا الغربي، إذ كانت هذه الأراضي تزود السوق المحلي بكميات كبيرة من الخضروات والمواشي. اليوم، ومع استهداف الأراضي الزراعية، فإن هذه القرى لم تعد قادرة على تلبية الاحتياجات المحلية حتى بالحد الأدنى. المزارعون، الذين يعتمدون بشكل أساسي على أراضيهم ومصادر الري الطبيعية، يعانون من فقدان الوصول إلى أراضيهم بسبب القصف المستمر والحواجز العسكرية التي تقيمها القوات الإسرائيلية، ما يجعل من المستحيل عليهم الوصول إلى الأراضي أو حتى العناية بمحاصيلهم.
في حديثه لـ “سيريا مونيتور”، عبّر المزارع طارق العلي من بلدة كويا عن معاناته قائلاً:
“كل يوم نصحى على صوت قصف أو إطلاق نار، ما عاد نعرف إذا نكفي موسم الزراعة أو نهرب. أكثر من 60 دونم عندي صارت منطقة عسكرية، وكل اللي تعبنا عليه السنة الماضية راح بهوا بارد وأضاف العلي أنه بالرغم من المحاولات المستمرة للاستمرار في الزراعة، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يعمد إلى قطع مصادر الري وإقامة الحواجز العسكرية على الطرق الزراعية، ما يترك المزارعين في وضع صعب. “حتى النحل اللي كنت أربيه، صار يموت بسبب انقطاعه عن المراعي
العديد من الأهالي في المنطقة يشيرون إلى ما وصفوه بتجاهل الحكومة السورية لمطالبهم واحتياجاتهم. يقول سعيد الجاعوني، أحد وجهاء المنطقة بتصريح لمراسل سيريا مونيتور :
“تواصلنا مع المسؤولين في محافظة درعا وفي دمشق، وقدمنا شكاوى وطالبنا بتعويضات ودعم عاجل، لكن لم نرَ شيئًا ملموسًا على الأرض.” وبدلاً من توفير حلول واقعية أو دعم مباشر، لا يزال العديد من أهالي حوض اليرموك في مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي من جهة، ومع تجاهل رسمي من جهة أخرى، حيث لم تُرسل الحكومة أي فرق لتقييم حجم الأضرار أو تقديم مساعدات فعلية.
الاقتصاد المحلي في خطر:
الزراعة وتربية النحل وتربية المواشي تعتبر الركائز الاقتصادية الأساسية لقرى حوض اليرموك، وفي حال توقف هذه الأنشطة الحيوية، يصبح من الصعب على الأهالي العيش.
أبو وسيم الجهماني، مربي مواشي من قرية معرّيا، يوضح لمراسل سيريا مونيتور :
كنا نرعى بأراضي اليرموك الحرة، واليوم حتى الشجر ما بقي. البقرة صارت تكلف أكثر من دخل العائلة. الأعلاف غالية، والمراعي انقطعت.” ومع ارتفاع تكلفة الأعلاف ونقص المياه، يواجه مربي المواشي تحديات كبيرة، مما دفع العديد منهم إلى التفكير في بيع مواشيهم بسبب صعوبة الاستمرار.
التأثير الإسرائيلي على الموارد المائية:
من العوامل الرئيسية التي تساهم في تفاقم الأزمة في حوض اليرموك هو التحكم الإسرائيلي في مصادر المياه. حيث تشير تقارير حقوقية وتقنية إلى أن إسرائيل تسيطر بشكل غير مباشر على منابع ومجاري نهر اليرموك وسد الوحدة، ما يتيح لها التحكم في كميات المياه المتدفقة إلى الأراضي السورية والأردنية. هذه السيطرة تؤثر بشكل مباشر على كفاءة الري في المنطقة، خاصة في ظل غياب مشاريع بديلة داخل سوريا لتوفير المياه. وفي ظل هذه الأزمة المائية، يعاني المزارعون من نقص حاد في المياه التي يحتاجونها لري محاصيلهم.
قرى حوض اليرموك: منطقة منسية:
على الرغم من الأهمية الاستراتيجية والزراعية الكبرى لقرى حوض اليرموك، إلا أن هذه المناطق تبقى “منسية” في الحسابات الرسمية السورية. فلم تُرسل الحكومة حتى الآن أي لجان لتقييم الخسائر أو فرق لتقديم الدعم الفني أو المساعدات المالية للمزارعين المتضررين. في الوقت الذي تزداد فيه معاناة الأهالي ويزداد الوضع سوءًا، يبدو أن هذه القرى تعاني من إهمال حكومي مستمر.
لا يبدو أن الوضع في قرى حوض اليرموك سيتحسن في المستقبل القريب، في ظل التوغلات الإسرائيلية المستمرة والتحكم بالمياه، إلى جانب تجاهل الحكومة السورية لاحتياجات المنطقة. إن استمرار هذه السياسات سيؤدي إلى تدمير مصدر رزق مئات العائلات في المنطقة، ويهدد بشكل جدي الأمن الغذائي في جنوب سوريا. إن الحلول يجب أن تكون شاملة وعاجلة، بدءًا من توفير الحماية للمدنيين والمزارعين، وصولاً إلى إنشاء مشاريع بديلة لتوفير المياه ووقف التهديدات العسكرية التي تستهدف هذه القرى.