أظهر أحدث استطلاع رأي أُجري الخميس 16 سبتمبر/أيلول 2021 أن شعبية الرئيس الأمريكي جو بايدن تراجعت إلى أدنى مستوى في رئاسته، مع تزايد انتقاد الأمريكيين لتعامله مع جائحة كورونا وحرب أفغانستان.
الاستطلاع العام الذي أجرته مؤسسة رويترز/إبسوس يومي 15 و16 سبتمبر/أيلول كشف أن 44% من البالغين الأمريكيين يؤيدون أداء بايدن في الرئاسة، بينما عبر 51% عن عدم رضاهم، وقال الباقون إنهم غير متأكدين من رأيهم.
وتتراجع شعبية بايدن منذ منتصف أغسطس/آب مع انهيار الحكومة الأفغانية التي كانت تدعمها الولايات المتحدة، وفي ظل ارتفاع أعداد وفيات كوفيد-19 في أنحاء البلاد.
وبينما أيّد معظم الأمريكيين إجراءات التطعيم ووضع الكمامات التي أمر بها بايدن في الآونة الأخيرة لإبطاء تفشي السلالة دلتا، فإن بعض الجمهوريين انتقدوا ما اعتبروه رد فعل مبالغاً فيه من جانب البيت الأبيض.
وفي وقت سابق، أظهر استطلاع رأي آخر، تراجع معدل التأييد للرئيس جو بايدن سبع نقاط مئوية، مع انهيار الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة، في اضطراب دفع آلاف المدنيين والمستشارين العسكريين الأفغان إلى الفرار من أجل سلامتهم.
وكانت “طالبان” قد أعلنت، في 15 أغسطس/آب الجاري، سيطرتها على العاصمة كابول، وعواصم ولايات لغمان وميدان وردك وباميان وخوست وكابيسا وننغرهار ودايكندي في البلاد.
وتراجعت شعبية بايدن، بعد أن دخلت طالبان العاصمة كابول، منهية وجوداً عسكرياً أمريكياً استمر 20 عاماً، وكلف دافعي الضرائب تريليونات الدولارات وآلاف الأرواح الأمريكية.
فيما قال بايدن في أول تصريحات له عقب سيطرة حركة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول، إنه لن يكرر أخطاء الماضي بالبقاء والقتال في صراع ليس في مصلحة الولايات المتحدة، مؤكداً أن “ما حدث بأفغانستان مؤلم لقدامى المقاتلين الأمريكيين الذين عملوا هناك، لكننا لن نواصل القتال بالنيابة عن القوات الأفغانية”.
بينما اعتبر الرئيس الأمريكي أن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان جاء في الوقت المناسب، واصفاً التطورات بأنها كانت متسارعة بشكل غير متوقع، ومشدّداً في الوقت ذاته على أن بلاده أعطت الحكومة الأفغانية كل ما تحتاجه.
في ظل الانهيار السريع لقوات الجيش والشرطة الأفغانية أمام عناصر حركة طالبان، انشغل المحللون والباحثون الأمريكيون بدراسة وتحليل أسباب ذلك الانهيار للخروج بدروس مستفادة تمنع تكرار ما حدث لاحقاً في دول أخرى قد تنخرط واشنطن في حروب بها مستقبلاً. وعلى رأس الباحثين الذين نشروا دراسات وأوراقاً بحثية مطولة لتحليل انهيار القوات الأفغانية يأتي أنتوني كوردسمان، الباحث المخضرم بمركز الدراسات الدولية والاستراتيجية الأمريكية حيث نشر في 9 أغسطس/آب ورقة تحليلية مطولة من 94 صفحة بعنوان “دروس من الحرب” ثم أتبعها بورقة أخرى موجزة في 16 أغسطس/آب بعنوان “أسباب انهيار القوات الأفغانية“.
يشدد كوردسمان على أن انهيار القوات الأفغانية يشبه انهيار منزل من ورق استغرق بناؤه قرابة عشرين عاماً، ويعزو حدوثه إلى إخفاقات على المستويين المدني والعسكري يتحمل مسؤوليتها كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي خلال حكم 4 رؤساء هم: بوش الابن، وأوباما، وترامب، وبايدن. فضلاً عن إخفاق الحكومة الأفغانية حيث لا يمكن لأي قوة خارجية أن تساعد حكومة فاشلة لا تستطيع أن تساعد نفسها.
جادل كوردسمان بأنه لا يوجد سبب واحد لانتصار طالبان، وقال إن الانهيار المفاجئ للحكومة الأفغانية وقواتها يتسق مع دروس التاريخ بأن الانهيارات العسكرية غالباً ما لا تكون متوقعة بوضوح حتى مراحلها النهائية، إنما كثيراً ما تحدث على خلفية تحولات مفاجئة في تصورات ومواقف القادة وقوات الأمن أكثر من كونها أسباباً قابلة للقياس أو نتيجة مباشرة للقتال.
أبرز أسباب الانهيار
- إعلان الانسحاب الأمريكي
أعقب قرار الولايات المتحدة في سنة 2014 بالانسحاب خلال عهد أوباما تراجع جهود الدعم المدني الأمريكي للحكومة الأفغانية، فضلاً عن تراجع جهود التدريب والمساعدة الأمريكية للقوات الأفغانية، وبالتزامن مع ذلك أعلن لاحقاً ترامب وبايدن مواعيد نهائية للانسحاب الكامل في مايو 2021 ثم سبتمبر 2021 على التوالي، دون ربط تلك الانسحابات بأي تقدم في عملية التفاوض لبناء نظام سياسي جديد، ورافق تلك الخطوات تخفيض عدد القوات الأمريكية وقوات الناتو بالتدريج، وإطلاق سراح أسرى طالبان؛ مما أبلغ رسالة للحلفاء الأفغان بأن واشنطن خسرت الحرب وتتخلى عنهم، وهو ما أفقدهم إرادة القتال، ودفع العديد منهم للتواصل مع طالبان لترتيب أوضاعهم المستقبلية.
- الانقسامات داخل الحكومة الأفغانية
بحسب كوردسمان اتسمت الحكومات الأفغانية المتتالية التي تأسست منذ الغزو الأمريكي لأفغانستان في 2001 بعدة سمات من أبرزها الانقسامات العميقة بين القادة السياسيين؛ والخلافات العرقية والطائفية والقبلية، واستشراء الفساد حتى إن العديد من المسؤولين الذين هم في الأصل أمراء حرب انخرطوا في الاتجار بالمخدرات، واستخدموا قواتهم للحفاظ على مصالحهم؛ مما جعل أغلب القوات الأفغانية قوات عسكرية غير فعالة. وفي ظل ذلك ظلت الحكومة الأفغانية تعتمد على المساعدات الخارجية التي بلغت حوالي 80٪ من دخلها، وهو ما جعلها غير قادرة على الاستمرار دون دعم خارجي.
- التقييمات غير الحقيقية للواقع
يركز كوردسمان على أن التقارير العسكرية والمدنية الأمريكية الرسمية عن أفغانستان اتسمت بالزيف وعدم الواقعية والمبالغة في إبراز قدرات القوات الأفغانية، ويقول إنه منذ عام 2007 على الأقل أنكرت الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والحكومة الأفغانية بشكل متزايد وجود مشاكل حرجة في تنظيم وتدريب ومعدات وقيادة القوات الأفغانية، وأبلغت عن مستويات نجاح غير حقيقية في تطوير القوات الأفغانية وفي العمليات القتالية. بينما على أرض الواقع اتسم أغلب أفراد القوات الأفغانية بانعدام الكفاءة. ويجادل كوردسمان بأن النواة القتالية الفعلية الجاهزة لقوات الجيش الأفغاني البالغ عدده 300 ألف فرد كانت في الحقيقة صغيرة جداً تتمثل في وحدات النخبة وجزء محدود من الجيش المعتمد ميدانياً على الدعم الاستخباري والجوي الأمريكي، وجهود المتعاقدين والمستشارين الأجانب، ولا يستطيع أن يقاتل بمفرده بمعزل عن الدعم الأمريكي. وأشار إلى عدم الانضباط بين صفوف الجيش الأفغاني، حيث بلغ معدل الفقد السنوي في صفوفه في عام 2020 قرابة 25٪ بسبب الخسائر وفرار الجنود من وحداتهم العسكرية.
وفيما يخص قوى الأمن الأفغانية، فقد أقر كوردسمان بأنها انشغلت بتأمين المدن الرئيسية والعاصمة وإقامة نقاط تفتيش على طرق معينة بغرض الحصول على رشاوى وتنفيذ عمليات ابتزاز، وهو ما سمح لطالبان بالتمدد في الأرياف والسيطرة بشكل متدرج على الطرق الرئيسية بالتزامن مع تفضيل المواطنين للتعامل مع طالبان هرباً من فساد الشرطة. في حين هيمن على التقارير الأمريكية الرسمية المنشورة الافتراض الضمني بأن تطرف طالبان جعلها غير شعبية سياسياً بنسبة كبيرة، لدرجة أن الحكومة الأفغانية كان يُنظر إليها دائماً من طرف واشنطن على أنها القوة التي تحظى بالدعم الشعبي.
وخلص كوردسمان إلى أن التقارير الرسمية الأمريكية قللت باستمرار من قدرات طالبان، وتجاهلت تاريخها كحركة سياسية حكمت بالفعل معظم أفغانستان من 1996 إلى 2001. في حين ركزت التقارير على نتائج المعارك العسكرية المباشرة، وتجاهلت تطور المواجهات ونموها لتصبح تمرداً واسع النطاق، كما أغفلت نمو نفوذ طالبان وانتشار سيطرتها في الريف وقدرتها على تنفيذ هجمات انتقائية داخل المدن الأفغانية والمناطق المأهولة بالسكان في ظل غياب النفوذ السياسي والحكم الفعال وتوفير الأمن من قبل الشرطة والقوات المحلية الأفغانية. ويؤكد كوردسمان أن تاريخ مكافحة المتمردين هو تاريخ لا تهم فيه الانتصارات العسكرية الحكومية العلنية إذا كانت النتيجة النهائية هي ترك القوة المتمردة تحوز سيطرة إضافية، في حين تصبح الحكومة بشكل مطرد أكثر عزلة وغير فعالة على المستوى المحلي.
وبالمقابل، يعترف كوردسمان بأن طالبان طوّرت قدراتها على نشر قواتها بسرعة، وركزت على نقاط الضعف السياسية للحكومة وقوات الأمن المحلية الأفغانية المتمثلة في الانقسامات الداخلية وانتشار الفساد مما سمح بالزيادة المطردة لنفوذ طالبان وسيطرتها منذ عام 2016 فصاعداً على المزيد من الأراضي بالتزامن مع اعتمادها لتكتيكات تشمل تخويف القادة الرئيسيين أو قتلهم، ووضع خطط لتهديد ورشوة المسؤولين والضباط البارزين للاستسلام مما أدى في النهاية إلى انهيار القوات الأفغانية.
ومثلما حدث في فيتنام، انتصرت القوات المدعومة من الولايات المتحدة تقريباً في كل معركة ضد طالبان- بحسب كوردسمان- لكنها خسرت بشكل مطرد الريف وجزءاً كبيراً من البلاد. ولم يتمكن العدد الصغير الفعال من القوات الأفغانية من الاستمرار في القتال مع تراجع الدعم العسكري الأمريكي.