ترجمة سيريا مونيتور
ليلة 28 يناير/كانون الثاني 2017 تجمع الآلاف من سكان شيكاغو من جميع الخلفيات في مطار أوهير الدولي ومطارات أخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة ضد حظر السفر الذي وقع عليه الرئيس دونالد ترامب. يقيد الأمر التنفيذي السفر إلى الولايات المتحدة من سبع دول ذات أغلبية مسلمة، بما في ذلك سوريا.
إحدى اللافتات التي حملتها ثلاث راهبات كاثوليكيات كُتب عليها “كلنا مسلمون الآن”، وكُتب على ملصقات أخرى “مرحباً باللاجئين” و “يهود لدعم حقوق المسلمين”. لقد كان حشدًا مؤثرًا في القلب على عكس الأخبار المروعة القادمة من البيت الأبيض.
أدى هذا الأمر التنفيذي، الذي صدر بعد فترة وجيزة من تنصيب ترامب، إلى انخفاض عدد اللاجئين الذين سيتم قبولهم في الولايات المتحدة وتوقف دخول اللاجئين السوريين إلى أجل غير مسمى. كانت تلك لحظة حاسمة في رئاسته وتنبئ بأشياء قادمة.
كما كان إشارة إلى أن الرئيس الجديد لا يؤمن بقيم التعاطف والحرية والفرص الأمريكية. كان يعني أن أمتنا تخلت عن مسؤوليتها الأخلاقية تجاه السوريين وغيرهم من المضطهدين، وأن الولايات المتحدة لم تعد منفتحة على “الجماهير المحتشدة التي تتوق إلى التنفس بحرية”.
لكن على الرغم من هذه الخطوة الأولى المقلقة، فقد أتيحت لترامب فرص خلال رئاسته للنجاح في السياسة الأمريكية تجاه سوريا في المناطق التي فشل فيها سلفه باراك أوباما. لكنه فشل أيضًا.
لقد غيرت الأزمة السورية التي دامت عشر سنوات العالم. فقد أصبح من بين كل أربعة لاجئين في العالم هناك لاجئ من سوريا. حيث وصل عدد اللاجئين في العالم إلى 24 مليون لاجئ، من بينهم 5.6 مليون فروا من اضطهاد الرئيس السوري بشار الأسد والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية، وكذلك من تنظيم الدولة الإسلامية. وفروا من القصف الروسي والإيراني للمدارس والأسواق والمستشفيات. لقد فروا من لامبالاة هذا العالم. عبر عشرات الآلاف منهم البحر الأبيض المتوسط على متن قوارب غير مناسبة إلى أوروبا. وعندما غرق ألان كردي، الطفل السوري ذو القميص الأحمر، بكينا وأولينا بعض الاهتمام ثم صرفنا أنظارنا.
أثار النزوح الواسع النطاق مشاعر معادية للاجئين والمهاجرين في الغرب، وكمرشح رئاسي، استغل ترامب هذه المشاعر لصالحه. كما ساهمت الأزمة السورية في تصاعد الإرهاب وجماعات الكراهية ورهاب الأجانب وزعزعة الاستقرار في أوروبا.
وبعد 10 سنوات من الحرب أصبحت سوريا دولة فاشلة، لكنها لا تزال تحت حكم نفس الشخص الذي تحدى الخطوط الحمراء للرئيس أوباما. نفس الشخص الذي قام بتطبيع الأسلحة الكيميائية باستخدامها ضد شعبه 336 مرة، وذلك وفقًا لمعهد السياسة العامة العالمي.
لقد دمر كل من وباء كورونا والانهيار الاقتصادي سوريا. وبدأ تنظيم الدولة الإسلامية باستعادة قوته. بالإضافة إلى نزوح أكثر من 1.4 مليون مدني، وفقًا لتقرير هيومن رايتس ووتش، في عام 2020 في أعقاب هجوم للتحالف السوري الروسي الإيراني على محافظة إدلب الشمالية الغربية الواقعة تحت سيطرة المعارضة. وكان من الممكن أن يكون الأمر أسوأ، حيث تم دفع 3.5 مليون لاجئ جديد إلى تركيا وأوروبا، ولكن تم تجنب هذا السيناريو المرعب بالتدخل العسكري التركي المتأخر. حينها وقفت الولايات المتحدة على الهامش. و تم ملء الفراغ الناجم عن تراجع القيادة الأمريكية من قبل الجهات الفاعلة الأخرى.
في مقابلة مع شبكة سي بي إس نيوز، قال مستشار السياسة الخارجية لجو بايدن، أنتوني بلينكين: “على إدارة (أوباما) الأخيرة أن تقر بأننا فشلنا، ليس بسبب عدم المحاولة ولكننا فشلنا. لقد فشلنا في منع وقوع خسائر مروعة في الأرواح. لقد فشلنا في منع النزوح الجماعي للأشخاص داخل سوريا، وبالطبع إلى خارجها كلاجئين. لسوء الحظ، ما حدث منذ ذلك الحين هو أن الوضع المروع قد ازداد سوءًا بشكل مؤكد”.
ورث ترامب السياسات الفاشلة لسلفه في سوريا. لكن أتيحت له فرصة ذهبية لإنهاء الأزمة بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية وإظهاره للأسد أنه جادُّ عبر الرد على الهجومين الكيميائيين الرئيسيين في خان شيخون عام 2017 ودوما في عام 2018.
وقد قال بعد الهجوم المميت في خان شيخون: “لقد خنق الأسد حياة الرجال والنساء والأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة. حتى الأطفال الجميلون قُتلوا بقسوة. لا ينبغي أن يعاني أي طفل مثل هذا الرعب على الإطلاق”.
عندها حصل رده المحسوب ذاك على الدعم من الحزبين في الداخل ومن العديد من قادة العالم. وكانت لديه فرصة لتأكيد قيادة الولايات المتحدة وكبح نفوذ إيران وروسيا. كان بإمكانه الضغط على صديقه فلاديمير بوتين للاتفاق على تسوية سياسية من شأنها أن تفتح الباب أمام عودة اللاجئين والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وإعادة الإعمار. لكنه لم يستغل هذه الفرصة.
ومما زاد الطين بلة أنه سحب معظم القوات الأمريكية من شمال سوريا في عام 2019، تاركًا حلفاءنا السوريين، الذين حاربوا لدحر تنظيم الدولة الإسلامية، وحدهم لمواجهة غضب الأسد وتركيا وروسيا. وقتها اعترض وزير دفاع ترامب جيم ماتيس على القرار واستقال.
صحيح أن ترامب وقع في أواخر عام 2019 قانونًا يفرض عقوبات ضد قائمة موسعة من الأفراد والكيانات الذين يساعدون النظام السوري، في خطوة يعتقد الكثير أنها جيدة، وربما الخطوة العملية الوحيدة في هذه المرحلة. إلا أن آخرين يقولون إن العقوبات لا تغير أبدًا سلوك أنظمة الإبادة الجماعية.
وعلى الصعيد الدبلوماسي، تفوق بوتين ببراعته على ترامب عدة مرات. حيث أجبرت روسيا مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على تقليص المعابر الحدودية اللازمة للمساعدات الإنسانية من خمسة إلى واحدة فقط. كما لم تكن للولايات المتحدة أية صلة بالمفاوضات المتوقفة التي ترعاها الأمم المتحدة بشأن مستقبل سوريا. بل كان لروسيا وتركيا وإيران اليد العليا فيها.
ما زالت سوريا بعيدة كل البعد عن التسوية السياسية كما كانت دائماً. في حين اكتسبت إيران موطئ قدم أكبر في مناطق استراتيجية. ويظهر تقرير حديث أن الأسد لا يزال يطور أسلحة كيماوية، كما نزح أكثر من 4.5 مليون مدني سوري، أي ربع السكان، خلال رئاسة ترامب. وأعيد توطين أقل من 100 لاجئ سوري في الولايات المتحدة في عام 2020 مقارنة بـ 12500 في عام 2016.
وقد وعد بايدن إذا تم انتخابه بالتعلم من أخطاء الماضي في سوريا. لقد وعد بزيادة مساعداتنا الإنسانية للسوريين، وبعدم التخلي عن حلفائنا الأكراد والعرب، والعمل مع حلفائنا لتنشيط العملية السياسية نحو السلام. والأهم من ذلك أنه تعهد بإلغاء حظر السفر المثير للجدل في اليوم الأول من إدارته.
عندما التقيت أوباما في البيت الأبيض عام 2013، أخبرته أن إرثه سيتحدد جزئياً بما فعله في سوريا. سيتم تحديد إرث ترامب من خلال العديد من العوامل، بما في ذلك تعيين ثلاثة قضاة محافظين في المحكمة العليا، والترويج للكراهية ونظريات المؤامرة، وإخفاقاته في العديد من الجبهات على الصعيد العالمي والمحلي، لا سيما في الحرب وباء كورونا الذي أدى إلى أكثر من 220.000 حالة وفاة في الولايات المتحدة
كان من الممكن أن تكون سوريا فوزًا سهلاً لترامب، لكنه لم ينتهز هذه الفرصة.
المصدر: شيكاغو تريبيون
https://www.chicagotribune.com/opinion/commentary/ct-opinion-syria-trump-obama-biden-20201020-evb7ccfkbvgs7iplvwt7djm4ly-story.html