نشر مركز “السياسات وبحوث العمليات OPC” دراسة استقصائية عن دوافع الهجرة الطوعية لبعض سكان مدينة دمشق إلى خارج سوريا، والعوامل التي تعزز التوجه إلى الهجرة، في ظل ما تشهده البلاد من أوضاع اقتصادية متردية.
وأظهرت الدراسة أن الغالبية العظمى من المشاركين عبروا عن رغبتهم في الهجرة من سوريا، حيث شكّلت نسبة الراغبين بالخروج 63 %، بينما الذين لا يملكون الدافع نحو الهجرة فكانت نسبتهم 36.5 %.
وأوضحت الدراسة، التي أنجزها الصحفي والباحث سلطان جلبي، أن الهرب من الظروف المعيشية الصعبة داخل سوريا، يعتبر السبب الرئيس للتفكير في الهجرة، إضافة إلى أسباب تدهور الاقتصاد السوري، وتزايد الصراعات الداخلية في دائرة داعمي نظام الأسد، والأزمة المالية والأمنية في لبنان، وانتشار فيروس “كورونا”، وتسارع وتيرة العقوبات الاقتصادية على النظام.
وبينت أن غياب القدرة المالية على تحمل نفقات الهجرة يشكل، العامل الأكثر تأثيراً في منع الإقدام على الهجرة، مشيرة إلى أن ضعف الموارد المالية هو سبب دافع للهجرة ومانع لها في الوقت نفسه.
ووفق الدراسة، فإن من العوامل التي تدفع الأفراد للهجرة، البحث عن فرص عمل وتعليم أفضل، ولم الشمل والالتحاق بأفراد العائلة خارج سوريا، وتفادي الخدمة العسكرية الإلزامية، كما أن عبارة “سئمت العيش في سوريا”، كانت دافعاً لبعض المستجيبين للدراسة.
وأشارت الدراسة إلى أن الدوافع المؤدية للتمسك بالبقاء في سوريا هي الارتباطات العائلية والاجتماعية، موضحة أن انتفاء دافع البقاء لأجل العائلة والمجتمع المحلي، مرهون بقرار العائلة نفسها بمغادرة سوريا، وباحتمال تفتت المجتمع المحلي نفسه.
وبحسب الدراسة، فإن الدول الغربية، وأبرزها ألمانيا والسويد وكندا، تشكل الوجهة المفضلة لدى غالبية الراغبين في الهجرة، كما أن الأمر مرتبط بالحقوق التي تمنحها تلك الدول للاجئين على أراضيها من حيث الوضع القانوني والمعيشي والآفاق المستقبلية.
ولفتت إلى أن الراغبين في الهجرة إلى دول الخليج العربي أو دول الجوار السوري، هم غالباً باحثون عن فرص للعمل تمكنهم من الادخار لتحسين أوضاعهم المعيشية، ومن ثم العودة إلى سوريا.
وتعتبر هذه الدراسة بمثابة “توصيف منهجي وعلمي للواقع”، وهذا التوصيف المنهجي ينبّه كلاً من الأشخاص المسؤولين في سوريا والدول الغربية، وفق الباحث سلطان جلبي، مشيراً إلى أن “الخسارة السكانية المحتملة للبلاد ستتركز بين الفئات العمرية المنتجة والمؤهلة علمياً، ما يشكّل خطراً على إعادة الاستقرار الاجتماعي في سوريا.
وبحسب الباحث، لم تنتهِ بعد أزمة اللجوء السوري، وإنما هناك العديد من العوامل التي تعزز فكرة الهجرة لدى السكان في دمشق، ويجب على الدول الأوروبية التي تخشى من موجات لجوء أخرى، أن تركز على معالجة الأسباب الأساسية لهذه الأزمة، وليس على الأسباب الهامشية.
وأشار الباحث إلى أن تحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص العمل والتعليم يدفع بشكل كبير نسبياً الراغبين في الهجرة إلى العدول عنها، ولكن هناك عدة أسباب تمنع من تنفيذ برامج دعم الاستقرار في مناطق سيطرة النظام، وهي التورط بدعمٍ أو تطبيعٍ مع نظامٍ خاضع لعقوبات دولية بسبب ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية على نطاق واسع.