يعود شمالي حلب ليتصدّر واجهة المشهد السياسي والميداني مجدّداً، وهذه المرّة من بوابة روسيا و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وما يجري بينهما من خفايا صراع ناعمٍ قد لا تكون التصريحات أداة مناسبة لشرحه، في حين أن الأفعال أو ردودها تشرح أكثر.
في تطوّر لافتٍ ومفاجىءٍ ولأسباب مجهولة بدأت قوات روسيّة الانسحاب من قاعدتين عسكريتين لها في منطقة تل رفعت بريف حلب الشمالي.
القاعدتان اللتان أخلتهما القوات الروسيّة وفق مصادر متابعة هما: قاعدة تل رفعت الرئيسيّة غربي البلدة المذكورة على طريق غازي عنتاب الدولي، وكانت توصف بالقاعدة الثانية بعد نظيرتها المُقامة في مطار منغ العسكريّ، منذ شباط عام 2016.
أما القاعدة الثانية التي أخلتها القوات الروسية فهي نقطة “كشتعار” الواقعة قرب بلدة دير جمال شمالي حلب، وهي قاعدة مهمة للروس ولـ”قسد” أيضاً، بسبب محاذاتها بشكل رئيسي لخطوط التماس مع الجيشين الوطني السوري والتركي.
مصادر عسكريّة قالت لموقع تلفزيون سوريا إنّ أكثر من 100 جندي من القوات الروسية بينهم ضباط كانوا في هاتين القاعدتين، كما توجد فيهما معدّات عسكريّة ثقيلة وعربات تشويش وإشارة، جميعها انسحبت سالكةً طريق تل رفعت – فافين باتجاه مدينة حلب.
ورصد موقع تلفزيون سوريا مقاطعَ تُظهر رتلَين للقوات الروسية أحدهما وهو يغادر تل رفعت، أمّا الثاني فظهر قرب بلدة “فافين” منسحباً كذلك من المنطقة، في حين تعاقبت بعدهما – وفق مصادر محليّة – ثلاثة أرتال أخرى تسلك الطريق ذاته.
ردّة فعل
ذكرت صفحات ومواقع كرديّة -وفق ما رصده موقع تلفزيون سوريا- ما قالت إنها مظاهرات ليليّة لسكّان المنطقة الغاضبين مِن انسحاب القوات الروسيّة، وإنّ المتظاهرين حاولوا عرقلة عبور الرتل الروسي عبر إشعال الإطارات أمامه في بلدة فافين.
أسباب مجهولة وخلاف واضح
لم تُعرف الأسباب الحقيقية خلف الانسحاب الروسي وما إن كان سيشمل – كما تحدّثت صفحات ومواقع محليّة كرديّة – جميع مناطق سيطرة “قسد” شمالي حلب، والتي يُطلقون عليها “مقاطعة الشهباء“.
وتضم تلك المنطقة – التي تشمل تل رفعت والبلدات والقرى المحيطة بها وتسيطر عليها “قسد” – عدة قواعد عسكريّة من أبرزها “مطار منغ وتل رفعت وكشتعار وعين دقنة”، وغيرها.
ولكن بعض المصادر أرجعت سبب الانسحاب الروسي إلى نقاط خلافيّة واضحة بين الروس و”قسد” على رأسها تزويد نظام الأسد بالمحروقات، إضافةً إلى طلب روسيا من “قسد” فتح معابر في بعض المناطق والإشراف عليها من قبلها وهو ما ترفضه “قسد”، وفق ما صرّح به حكمت خليل نائب رئيس الهيئة التنفيذية في “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد).
وسبق أنّ لوّحت روسيا بعصا “الانسحاب” مِن قواعدها العسكريّة، أواخر شهر شباط الماضي، ومن ثم رفع الحماية عن “قسد“، بعدما أخلت جزئياً قاعدتي “تل تمر ومدرسة الأبقار” في ريف الحسكة، قبل أن تعود إليهما لاحقاً.
الجدير بالذكر أنّ “قسد” تقصف باستمرار بلدات وقرى تسيطر عليها فصائل الجيش الوطني في ريف حلب إضافةً إلى نقاط تابعة للجيش التركي، كما تستهدف – بشكل متقطع – الأراضي التركية، كان آخرها استهداف ولاية كلّس جنوبي تركيا، وهو ما ردّ عليه الجيش التركي.
كذلك تشهد مناطق التماس بين “قسد” والجيش الوطني في ريف حلب اشتباكات متقطعة، بالتزامن مع محاولات “قسد” بالتسلّل إلى مواقع الفصائل في المنطقة، بهدف زرع الألغام والمتفجّرات.
والانسحاب الروسي – وفق المصادر – قد يترك “قسد” وحيدةً في مواجهة الجيشين التركي والوطني السوري، خاصّةً أنّ تركيا تسعى لإخراج “قسد” مِن منطقة تل رفعت وعموم شمالي حلب، إلّا أنّ التدخل الروسي في المنطقة وإقامة قواعد عسكرية هناك حال دون ذلك.
يشار إلى أنّ “وحدات حماية الشعب – YPG” (المكّون الأساسي في قسد) تسيطر إلى جانب قوات نظام الأسد، منذ مطلع العام 2016، على عدد مِن البلدات والقرى التابعة لـ منطقة اعزاز شمالي حلب، من أبرزها بلدات (تل رفعت، والشيخ عيسى، ودير جمال، ومنغ)، وذلك عقب هجوم شنّه الطرفان بالتزامن على المنطقة، بدعم جوي روسي.