معركة حلب المرتقبة.. ما مدى جديتها؟ وهل من الممكن أن تخدم النظام السوري؟

منذ أيام عدة ويعيش سكان الشمال السوري على وقع أخبار متتالية ضخها الإعلام الرديف التابع لهيئة تحرير الشام تفيد بعزم الهيئة وفصائل مسلحة أخرى شن عملية عسكرية ضد مواقع قوات نظام الأسد على جبهات حلب تحديداً، يرافقها أمل كبير من المهجرين المبعدين عن بيوتهم، الآملين في تحريرها، وخوف ونزوح لسكان القرى القريبة من خطوط التماس.

تعززت مصداقية تلك الأخبار بعد نزوح سكان عدة مناطق قريبة من خطوط التماس شرقي إدلب وغربي حلب، أبرزها مدينة سرمين التي نزح عنها قرابة الـ70% من سكانها بحسب تقديرات محلية، فضلاً عن بلدات أخرى أبرزها النيرب وكفر نوران.
حركة النزوح عن تلك المناطق جاءت بعد تحذيرات أطلقها عسكريون في هيئة تحرير الشام لسكان تلك القرى بحسب عدة مصادر محلية، بالإضافة لنقل عتاد عسكري ثقيل إلى محاور القتال، ورفع هيئة تحرير الشام جاهزية الجناح العسكري فيها بالكامل، وهو ما انتقل للعامة بطبيعة الحال على صورة استعداد لمعركة مرتقبة.

حاول موقع تلفزيون سوريا التواصل مع غرفة العمليات العسكرية “الفتح المبين” التي تديرها هيئة تحرير الشام وتشارك فيها عدة فصائل أخرى أبرزها الجبهة الوطنية للتحرير المقربة من تركيا وجيش العزة وفصيل أنصار التوحيد الجهادي، وسؤالها عن حقيقة تلك الأخبار لكن دون تلقي أي رد منذ ثلاثة أيام.
من جانب آخر تواصل موقع تلفزيون سوريا مع ثلاثة مصادر مختلفة إثنان منها في الجناح العسكري في هيئة تحرير الشام والثالث في الجبهة الوطنية للتحرير، وأكدت المصادر الثلاثة أن “لا معركة مرتقبة ضد مواقع قوات نظام الأسد ضمن المدى المنظور”، كما أضافت المصادر بأن تحرير الشام تلقت وعوداً من دول غربية بدعمها في حال مهاجمة مواقع قوات نظام الأسد وضرب القواعد الروسية في ظل المتغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط برمتها.

وبحسب المصادر فإن تحرير الشام رفعت مقترحاً للجانب التركي الذي لم يبدي أي معارضة أو موافقة على الفكرة، كما أنه أبلع الهيئة أنه لن يقدم أي من أنواع الدعم العسكري أو اللوجستي وأن قواعده المنتشرة في المنطقة لن تقدم أي إسناد عسكري للفصائل، كما أن تركيا لن تشارك في أي عملية حظر للطيران السوري أو الروسي في المنطقة، وأن دورها سيقتصر على الجانب الإنساني الذي يتمثل في استقبال الجرحى في مستشفياتها، كما أفاد أحد المصادر فقط أن الجانب التركي عاود التواصل مع الهيئة وطلب منها العزول عن فكرتها في الوقت الراهن، وهو ما لم تؤكده بقية المصادر.

منذ تنفيذ إسرائيل عملية الاغتيال الجماعي لعناصر من حزب الله عبر ما بات يعرف بعملية “البيجر”، وما تلاها، من قتل لزعيم الحزب، وكبار القادة فيه، ومن ثم بدء التوغل في الأراضي اللبنانية، تعالت الأصوات في الشمال السوري مطالبة فصائل المعارضة بشن عمليات عسكرية تجاه مواقع سيطرة قوات نظام الأسد، على اعتبار أن هذا التوقيت هو الأنسب، بسبب انشغال حزب الله وسائر الميليشات الإيرانية في المواجهة الحالية في لبنان، خاصة أن تلك المليشيات تعتبر رأس حربة في الصراع السوري وفي أي عملية عسكرية لقوات نظام الأسد.

ويرى رشيد حوراني الباحث في مركز جسور للدراسات أن فصائل المعارضة تحاول اقتناص فرصة ذهبية تتمثل بانكشاف حزب الله على ضربات الجيش الإسرائيلي، لأن ذلك يستدعي انسحاب مقاتليه من سوريا بشكل عام ومن جبهات الشمال بشكل خاص، وهو ما لا تريده روسيا، وتحاول التشويش عليه بادعائها تدريب أوكرانيا مقاتلين من هيئة تحرير الشام.
وبحسب حوراني فإن شن المعارضة عملية عسكرية في الوقت الحالي هو لضمان أقل الخسائر التي قد تنجم من تدخل الطيران الروسي، مستنداً في رؤيته إلى دخول قادة الجيش التركي إلى إدلب أول أمس.

ويرى حوراني أن فصائل المعارضة قادرة على تحقيق ذلك في ضوء تطور قدراتها في المرحلة السابقة، فهي تطور من قدراتها العسكرية والقتالية منذ اتفاق آذار 2020 بين روسيا وتركيا، وأبرز مظاهر هذا التطور هو تصدي فصائل المعارضة وإفشال معظم عمليات التسلل التي قامت بها قوات نظام الأسد على خطوط التماس، بل ونجاح فصائل المعارضة في شن عمليات خلف الخطوط ضد نقاط النظام على محاور التماس معه في حماة وحلب واللاذقية، حيث أثبتت تلك العمليات امتلاك الفصائل مهارات القوات الخاصة في تلك العمليات كتنفيذ العملية خلال الليل، واستطلاع مسرح العمليات وجمع المعلومات بشكل جيد، وتنظيم مجموعات الاقتحام والمساندة والانسحاب، دون وقوع خسائر بشرية في معظم تلك العمليات وهو أمر يدل على تدريب عالي لمقاتلي الفصائل، وضعف واضح في قوات النظام.

وفي شهر أيلول الفائت، علم موقع تلفزيون سوريا من مصادر خاصة أن ضباط في النظام نقلوا رسالة من اللواء كفاح ملحم رئيس “مكتب الأمن الوطني” إلى القيادي في “حزب الله” “الحاج أبو علي ياسر” تفيد بوجود مؤشرات استخبارية تدّل على نية الفصائل والتنظيمات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام استغلال الأوضاع في المنطقة وشن هجمات تجاه مواقع جيش النظام.

وجرى إيصال هذه الرسالة في إطار اجتماع جرى بين ضباط “الأمن الوطني” والقيادي في “حزب الله” لمطالبته بإغلاق مكتب تجنيد افتتحه “الحزب” بالقرب من مقام السيدة زينب بريف دمشق بهدف استقطاب متطوعين سوريين للقتال إلى جانبه في لبنان.

أما محمد الحسن الباحث في شؤون الميليشات الإيرانية في سوريا، فيرى أن شمال غربي سوريا قد لا يبقى هادئاً لفترة أطول، إذ تحاول فصائل المعارضة السورية التي تدرك ذلك استغلال الأوضاع الراهنة في المنطقة وانشغال الميليشيات المدعومة من طهران بالحرب بين حزب الله وإسرائيل لخلق واقع جديد، عبر مواجهة تنفرد فيها بمقارعة قوات النظام السوري وبعض الميليشيات المحلية أو المدعومة من قبل روسيا كالفرقة 25 مهام خاصة فقط، فيما يسعى النظام السوري لإشعال هذه الجبهة للبقاء بعيداً عن أي معركة ضد إسرائيل قد يدفعه إليها حلفاؤه المدعومين من إيران.

وبحسب الحسن، فإنّ النظام السوري وصل مؤخراً إلى نقطة حرجة في العلاقة مع إيران وميليشياتها المتواجدة على امتداد مناطق نفوذه كونه يمنع تنفيذ أي عمليات انتقامية ضد إسرائيل من الأراضي السورية خصيصاً وأنّ موقفه في “النأي بالنفس” عن تلك الحرب إعلامياً وميدانياً بات واقعاً يزعج المحور الإيراني ويشير إليه بإصبع التخوين.

ويذهب الحسن إلى أبعد من ذلك بالقول أن تلك العملية قد تبرر لنظام الأسد تخليه عن جزءٍ من الأراضي السورية لإسرائيل، فالأخيرة تعتزم تأمين بعض الخواصر الرخوة في حدودها في هضبة الجولان ومنطقة جبل الشيخ، والأسد لن يواجه إسرائيل كي لا يلاقي مصير حليفه نصرالله، لكنه محرج للغاية، وستخدمه المعارضة في حال شنت أي هجوم فهو سينقل كامل جيشه نحو الشمال ليبرر تخليه عن جزء من الأراضي السورية مقابل بقاء الأسد في كرسي الحكم.

بالعودة للموقف العسكري في شمال غربي سوريا، فإنّ الميليشيات الإيرانية لم تخلِ أياً من قواعدها أو مواقع انتشارها في الجبهة المقابلة للمنطقة الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، كما أنّ قيام ميليشيا حزب الله بسحب جزء من قواتها لن ينعكس بشكل إيجابي لصالح المعارضة، بحسب الباحث الحسن.

واعتبر الحسن أنّ القدرات العسكرية لفصائل المعارضة الطامحة بتوسعة رقعة سيطرتها لم تتطور خلال السنوات السابقة للمستوى الذي يؤهلها التفوق على جيش النظام السوري المدعوم من القوات الجوية الروسية، إضافة لمسألة التسليح التي تعتمد بشكل أساسي على الجانب التركي في إمداد الفصائل بالذخائر الثقيلة والمتوسطة الكفيلة باستمرارية المعركة لأسابيع أو شهور.

ولفت الباحث إلى أنّ الفصائل تتفوق بشكل ملحوظ على قوات نظام الأسد والمليشيات المساندة له في حرب المدن والشوارع والمواجهات القريبة، الأمر الذي قد يعطيها أفضلية في بعض الساحات، إلا أنها ستكون في موقف أقل ثباتاً في ساحات المواجهة المفتوحة كالمناطق الريفية، التي تمثل أكثر من 80 بالمائة من امتداد خطوط التماس.
أما أحمد خطاب (اسم مستعار) وهو صحفي يعمل في إدلب، يعتبر أن كل ما تقوم به هيئة تحرير الشام لا يتعدى الدعاية الإعلامية، فتحرير الشام تريد التخلص من الضغط الشعبي المطالب بفتح الجبهات وشن عمليات عسكرية لاستراجع المناطق التي خسرتها المعارضة في أواخر 2019 ومطلع 2020، ذلك الضغط الذي ازداد مع اندلاع المواجهة بين حزب الله وإسرائيل.
ويرى خطاب أن أقصى ما يمكن لتحرير الشام فعله هو مسرحية لحفظ ماء الوجه لا تتعدى التقدم إلى قرية أو نقطة صغيرة والسيطرة عليها ومن ثم الانسحاب منها، فهيئة تحرير الشام تدرك تماماً فشل أي عمل عسكري غير مدعوم دولياً، فهي لن تعرض إدلب التي تستعرض فيها تطور المؤسسات ومناطق استثماراتها ونقاط جذب المستثمرين إلى ساحة حرب تغير عليها الطائرات الروسية فتهدم ما بنته الهيئة خلال سنوات.
كما أن اختيار حلب تحديداً كوجهة للعملية العسكرية له أسباب خاصة بحسب خطاب، تتمثل بمحاولة هيئة تحرير الشام ابتزاز تركيا، من أجل الحصول على حصة من عائدات معبر أبو الزندين قرب الباب، فالمعبر الذي يربط مناطق سيطرة نظام الأسد بمناطق سيطرة المعارضة يؤثر سلباً بشكل كبير على معبر سراقب الذي تحاول هيئة تحرير الشام افتتاحه منذ مدة، كما أنها أرسلت أذرع تابعة لها إلى منطقة الباب لتعطيل افتتاح المعبر ونجحت في ذلك حتى الآن.
وعن آلية الابتزاز يقول خطاب: تخضع حلب لاتفاق تركي روسي، ونشر دعاية حول عملية عسكرية باتجاه حلب هو تهديد لتركيا بتخريب الاتفاق، من أجل إجبار تركيا على ترضية الهيئة ومنحها حصة من عائدات المعبر الواقع خارج مناطق نفوذها.

أما النقيب جمال (اسم مستعار) وهو قيادي في الجيش الوطني فيرى أن هناك ارتباط وثيق بين دعاية هيئة تحرير الشام حول نية شن عملية عسكرية باتجاه حلب وبين العلاقة المتدهورة بين الجبهة الشامية وتركيا على خلفية إصرار تركيا على حل فصيل صقور الشمال وانضمام الأخير إلى صفوف الجبهة الشامية، حيث يقول النقيب إن ضغط الجانب التركي على الشامية دفع الأخيرة إلى التلويح بالخروج من مظلة الجيش الوطني والانضمام لهيئة تحرير الشام، التي تمنع وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة ومن خلفها أطراف تركية تواجدها شمالي حلب.

فتكون دعاية المعركة المرتقبة بوابة شرعية لدخول الجبهة الشامية تحت عباءة هيئة تحرير الشام بصورة مبررة أمام حاضنة الشامية وأمام المجتمع المحلي في مناطق نفوذها وذلك عبر ما يمكن تسميته “تنسيق الجهود العسكرية للمعركة المرتقبة” فتدخل الشامية بصورة شرعية إلى “غرفة عمليات الفتح المبين” التي تديرها هيئة تحرير الشام، وهو ما أكد النقيب جمال أنه جرى تداوله في بعض الجلسات عن إمكانية مشاركة الشامية في تلك العملية إلى جانب تحرير الشام من شمالي حلب وهو ما يتطلب تنسيقاً الجهود العسكرية بطبيعة الحال.
وتشير جميع المعطيات السياسية والميدانية إلى أن لا تغير في خارطة توزع النفوذ والسيطرة في شمال غربي سوريا على المستوى المنظور، إلا أن تحركات هيئة تحرير الشام الحالية ما زالت غير معلومة الأهداف، ويحذر الباحث الحسن من مغبة إعطاء هيئة تحرير الشام الذريعة لنظام بشار الأسد لتسليم جزء من التراب السوري لإسرائيل.

Read Previous

تزامناً مع انفجارات شرقي دير الزور.. قصف جوي يوقع قتلى وجرحى شمالي حمص

Read Next

حزب الله يوقف محاولات إسرائيل للتوغل جنوبا

Leave a Reply

Most Popular