عبدالرزاق الحسين
تعتبر قضية المفقودين في سورية من أصعب مواضيع العدالة الانتقالية، وستواجه الهيئة الوطنيّة للمفقودين صعوبات كبيرة من حيث عدد المفقودين الذي يقارب المائتي ألف والحيّز الزمني لحالات الفقدان منذ عام 1980 وكذلك الحيّز الجغرافي لمراكز الاحتجاز التّعسّفي والإخفاء القسري والقتل تحت التعذيب الذي يمتدّ على كل المحافظات السورية إضافة إلى تعدد الجهات الفاعلة.
سيكون الأصعب والأكثر تعقيداً التعامل مع المقابر الجماعية التي تشكّل أرخبيلاً للموت والصمت ينتشر في أطراف المدن وحول السجون والمعتقلات وفي الصحراء وفي مناطق سورية المختلفة.
ومع تأكيدي على أنّ الأصل في التعامل مع المفقودين يقوم على افتراض الحياة لا الموت فإنّ البحث في المقابر الجماعية لا مناص منه ولذلك فإنّ اللجنة الوطنية للمفقودين ستحتاج إلى موارد مادّية كبيرة وكوادر بشرية ذات كفاءة عالية ومخابر حديثة لتحليل الحامض النّووي المأخوذ من الرفات الكثيرة من المقابر الجماعية بعد استخراجها وتنسيقها وترقيمها ومطابقة النتائج مع نتائج تحليل الحامض النّووي للعيّنات المأخوذة من أقارب الضحايا وهذا يستلزم أولاً إنشاء قاعدة بيانات وطنية للمفقودين وستحتاج الهيئة إلى تعاون ضروري مع المنظمات السورية التي عملت على التوثيق طويلاً ومع المنظّمات الدولية ذات الخبرة مثل اللجنة الدّولية لشؤون المفقودين والمؤسّسة المستقلّة المعنيّة بالمفقودين في سورية التي أنشأتها الأمم المتّحدة حديثاً. العمل على المقابر الجماعية ليس سهلاً بل سيكون طويلاً وصعباً وللعلم فإنه في البوسنة بلغ عدد المفقودين 31 ألف وهو لا شيء أمام عدد مفقودي سورية ورغم الإمكانيات الهائلة المادية والعلمية والبشرية المستخدمة في البحث في المقابر الجماعية لم يتم الانتهاء من الملف حتى اليوم بعد مرور ما يقارب ثلاثين سنة على بدء العمل.