من المتوقع أن يقوم الرئيس المنتخب جو بايدن بتعيين اللواء المتقاعد لويد ج. أوستن وهو قائد سابق للجيش الأميركي في العراق، وزيراً للدفاع، بحسب ما أورده شخصان على علم بعملية الاختيار تلك.
وفي حال تأكيد اختياره من قبل مجلس الشيوخ، سيدخل الجنرال أوستن التاريخ كأول أميركي من أصول أفريقية يقود 1.3 مليون جندي لدى جيش البلاد، والنظام البيروقراطي الضخم الذي يدعمهم.
هذا وقد ظل الجنرال أوستن البالغ من العمر 67 عاماً يعتبر شخصية مهمة في البنتاغون على مدار سنين طويلة، وهو الأميركي الوحيد من أصول أفريقية الذي ترأس القيادة المركزية للجيش الأميركي، أي قيادة العمليات القتالية للجيش خلال مهامه في العراق وأفغانستان واليمن وسوريا، أي معظم الأماكن التي تخوض فيها الولايات المتحدة حرباً.
ويعرف عن الجنرال أوستن أنه قائد عسكري ميداني، إلا أنه قلما عرف بالدهاء والحنكة على المستوى السياسي، فقد تعرض لمواقف محرجة في بعض الأحيان خلال جلسات الاستماع التي عقدت في الكونغرس ومنها تلك الجلسة التي عقدت في عام 2015، عندما اعترف في ظل استجواب صارم بأن برنامج وزارة الدفاع الذي رصدت له ميزانية وقدرها 500 مليون دولار أميركي بهدف تشكيل جيش من المقاتلين السوريين لم تصرف على تلك الغاية.
وهكذا تم اختيار هذا الرجل واستبعاد المرشحة الأخرى ميشيل أ. فلورني التي شغلت مناصب سياسية رفيعة في البنتاغون، وقادت جيلاً من النساء في الأمن القومي ممن سعين لترشيحها لهذا المنصب لتصبح أول امرأة تشغله.
غير أن بايدن الذي التقى بزعماء الجمعية الوطنية للنهوض بالملونين يوم الثلاثاء تعرض لضعوطات من قبل كتلة السود في الكونغرس وكذلك من قبل المسؤولين السود حتى يقوم بتعيين أميركي من أصول أفريقية لشغل منصب وزير الدفاع أو وزير العدل. لكنه تجاوز أيضاً جيه س. جونسون، وهو وزير سابق للأمن الداخلي، والمستشار العام السابق لدى البنتاغون والذي يعتبره كثيرون مناسباً أكثر للمنصب من الناحية السياسية بحيث يمكن أن يصبح أول رجل أسود يتولى أمور وزارة الدفاع الأميركية.
هذا ولم يتضح في ليلة الإثنين ما الذي رجح كفة الميزان لصالح الجنرال أوستن، إلا أن الأشخاص الذين اطلعوا على ذلك أشاروا إلى أن بايدن لم يكن يعجبه خلال فترة رئاسة أوباما وجود شخصيات رفيعة في البنتاغون من أمثال الجنرال ديفيد هـ. بيترايوس الذي علا شأنه فأصبح مشهوراً كما نجوم الروك، إلى جانب اعتقاده بأن البنتاغون قد دفع الرئيس باراك أوباما لزيادة أعداد الجنود الموجودين في أفغانستان.
ولهذا يرى هؤلاء الأشخاص بأن المكانة الأقل شأناً التي يتمتع بها الجنرال أوستن قد تلبي طموحات بايدن في أن تكون لديه وزارة دفاع أكثر صمتاً وأقل صخباً.
ومع ذلك قد يواجه الجنرال أوستن بعض الرفض من قبل النواب الذين يفضلون سيطرة المدنيين على الجيش ولا يعتقدون بأنه يمكن لجنرال متقاعد أن يقود ذلك التحول. كما يجب أن يقوم الكونغرس بإعفاء الجنرال أوستن من الخدمة، تماماً كما سبق أن فعل مع جيم ماتيز أول وزير للدفاع عينه الرئيس ترامب، وذلك لأن الجنرال أوستن أصبح خارج الجيش قبل أربع سنوات فقط، والقانون الأميركي يفرض أن تكون هنالك فترة فاصلة مدتها سبع سنوات بين الخدمة الفعلية وشغل منصب قيادة البنتاغون.
لذا من غير المؤكد أن يحصل الجنرال أوستن على ذلك الإعفاء، فقد أشار السيناتور جاك ريد من رود آيلاند وهو مسؤول ديمقراطي رفيع في لجنة الخدمات المسلحة، بأنه سيعارض مستقبلاً أي عملية إعفاء من أجل هذا المنصب وذلك بعد وصول تأكيد بالنسبة للسيد ماتيز. إلا أن رفض السيد ريد لأول شخصية أميركية من أصول أفريقية تم ترشيحها لشغل منصب وزير الدفاع سيلفت الكثير من الأنظار خاصة بعد قبوله بذلك مع السيد ماتيز.
هذا ويحظى الجنرال أوستن الذي تقاعد وهو يحمل رتبة لواء في الجيش في عام 2016 بعد 41 سنة في الخدمة العسكرية باحترام من مختلف طبقات الجيش، لاسيما من قبل الضباط الأميركيين من أصول أفريقية والمجندين منهم، وذلك لكونه أحد الرجال السود الذين يندر وجودهم في المناصب الرفيعة التي شغلها، إذ لطالما بقيت تلك المناصب والرتب في الجيش حكراً على البيض من الرجال.
يذكر أن حوالي 43% من المجندين في الجيش الأميركي هم من الملونين، إلا أن من يتخذون قرارات حاسمة في الجيش غالبيتهم رجال وبيض.
ويرى مؤيدون لفكرة ترشيحه بأن الجنرال أوستن اخترق ذلك الحاجز بفضل خبرته وبفضل حنكة وتوجيه رئيس قيادة الأركان المشتركة الأدميرال مايك مولين الذي اختاره لتوجيه وقيادة الأركان في مكتب القيادة المشتركة.
وبعد ذلك، واصل الجنرال أوستن ترقياته وصعوده في الرتب العسكرية، إلى أن قام الرئيس باراك أوباما بتعيينه قائداً للقيادة المركزية في عام 2013.
وبعيد انتخابات 2020، شارك الجنرال أوستن في الجلسة التي عقدت عبر الشابكة والتي أجراها بايدن مع مسؤولين سابقين في الأمن القومي. وخلال ذلك الاجتماع ترك الجنرال أوستن انطباعاً إيجابياً لدى السيد بايدن حسبما ذكر معاونوه، ولهذا أوردت بوليتيكو خبر اختياره لشغل هذا المنصب قبل غيرها من الصحف.
يذكر أن الجنرال أوستن انضم بعد تقاعده لمجلس إدارة شركة المقاولات والتعهدات في مجال الدفاع والتي تعرف باسم رايثيون تيكنولوجيز، وقد أثار ذلك الكثير من الانتقادات ليل الإثنين الماضي، إذ علقت دانييل بريان وهي المديرة التنفيذية لمشروع الرقابة الحكومية في منشور لها على تويتر فقالت: “أوه… كلا! جنرال مع مجلس إدارة رايثيون؟!!! قد يكون أسوأ خيار على الإطلاق. وتلك أنباء غير سارة بالنسبة للسيطرة المدنية أو أي ابتعاد حقيقي عن مجمع الصناعة العسكرية”.
إلا أن مؤيديه أشاروا إلى تاريخه المهني الطويل في الحرب والقيادة، والذي تخللته بعض أصعب المهام التي نفذت بعد حقبة 11 أيلول.
فقد أصبح الجنرال أوستن القائد الأعلى للقوات الأميركية في العراق في عام 2010، وذلك عندما كان مايزال لدى الولايات المتحدة حوالي 50 ألف جندي في تلك البلاد. ثم تحول جل الاهتمام إلى بقاع أخرى ساخنة في الشرق الأوسط، إلا أن هنالك أسئلة كبرى ظلت قائمة حول التوجهات في العراق، من بينها السؤال: هل ستبقى القوات الأميركية في تلك البلاد بعد عام 2011 ، وهنا ظهر الجنرال أوستن مع القادة الآخرين التابعين له والذين كانوا مقتنعين بضرورة إبقاء عدد من القوات يتجاوز خمسة آلاف جندي في العراق ليقوموا بمساعدة الجيش العراقي الجديد الذي تشكل في تلك الفترة. إلا أن إدارة أوباما كانت أقوى من القادة الموجودين على الأرض ولذلك لم تعتد برأيهم فتم سحب كل القوات الأميركية من العراق بنهاية عام 2011.
ولكن بعد مرور سنوات اعتبر ذلك القرار نفسه السبب الذي مكن تنظيم الدولة الإسلامية من السيطرة على مساحات شاسعة في العراق.
يذكر أن أسلوب الجنرال أوستن أكثر تحفظاً بكثير من أسلوب الضباط الذين يتمتعون بأسماء لامعة وأمضوا ردحاً طويلاً وهم يرسمون صورتهم للعامة ويستخدمون المنابر الإعلامية للمناورة في المماحكات السياسية التي تدور مع الإدارة الأميركية.
مهندس المعارك ضد تنظيم الدولة
إلا أن الجنرال أوستن بالرغم من إشرافه على سحب القوات الأميركية من العراق بعد حرب دموية، لم يبد كثيرا من الاهتمام بمواجهة العامة والظهور أمامهم ليتحدث عن عمله، إذ كان يتجنب الحديث على الملأ أو التحدث إلى شخصيات تنتمي إلى منابر إعلامية، الأمر الذي سمح للآخرين بتصدر عملية توجيه الرسائل للناس بعدما وضعت الحرب أوزارها.
وبعد ذلك، وبوصفه قائداً عاماً لسائر القوات الأميركية في الشرق الأوسط، أصبح الجنرال أوستن أهم مهندس عسكري للحملة التي ترأستها الولايات المتحدة لطرد تنظيم الدولة، بعدما سيطر المتمردون على مساحات شاسعة تعادل مساحة بريطانيا في شرق سوريا وشمال العراق وذلك خلال شهر حزيران من العام 2014.
وبعدما أمضت الولايات المتحدة الأشهر الأولى في مساعدة القوات العراقية المحاصرة على إقامة نقاط دفاعية خارج العاصمة العراقية بغداد، منعت تنظيم الدولة من التقدم والسيطرة على مناطق أخرى في الثلث المتبقي من شمال البلاد عبر حملة من الغارات الجوية التي عملت على إضعاف المتمردين وإلحاق الضرر بصفوفهم.
وبحلول خريف عام 2015، وبقيادة الجنرال أوستن، بدأ التحالف الذي تقوده أميركا يعد العدة لمواجهة كبرى في شمال شرقي سوريا، كان الهدف منها محاصرة الرقة التي اتخذت منها تلك الجماعة الإرهابية عاصمة لها.
وهكذا، وبموجب خطة حربية رسمها الجنرال أوستن ومعاونوه، وصدق عليها الرئيس أوباما، قام البنتاغون بخطوتين مهمتين، حيث قام الجيش الأميركي لأول مرة في تاريخه بتقديم ذخائر وبعض الأسلحة بشكل مباشر لقوات المعارضة السورية التي تحارب تنظيم الدولة على الأرض. كما صدق الرئيس أوباما على فكرة الجنرال أوستن بالنسبة لتوسيع الحملة الجوية من قاعدة إنجيرليك الجوية في تركيا.
وكان الهدف من تلك الإجراءات دعم المقاتلين العرب الذين تراوح عددهم ما بين 3 إلى 5 آلاف والذين انضموا لما يربو عن 20 ألف مقاتل كردي في الحملة العسكرية التي دعمتها عشرات من طائرات قوات التحالف بهدف الضغط على الرقة.
وبذلك أصبح الهدف من هذه الجبهة الشمالية الجديدة هو إضعاف تنظيم الدولة عبر محاولة انتزاع ميزة محاربتها على أراضيها، حتى مع إحكام المقاتلين لسيطرتهم على الموصل والرمادي في العراق.
وفي شهادة تم الإدلاء بها في شهر أيلول من العام 2015 أمام لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، ذكر الجنرال أوستن بأنهم طيلة الفترة التي امتدت لستة أشهر كانوا يسعون: “لزيادة الضغط على المناطق المحورية في سوريا مثل مدينة الرقة، إذ عبر الوصول إلى هناك، سيصبح بمقدورنا زيادة السرعة والتركيز على الأماكن المحورية في سوريا، وهذا بدوره لابد وأن يحرك الأمور في العراق”، وفي قوله هذا إشارة واضحة لاستخدام القاعدة الجوية الموجودة في تركيا.
وبمرور الوقت تبين بأن استراتيجية الجنرال أوستن قد التزمت بكل ذلك.
يذكر أن الجنرال أوستن تخرج من الأكاديمية العسكرية بالولايات المتحدة، وامتد زواجه من قرينته السيدة تشارلين لأربعين سنة.
لذا فإن ترقيته ستؤثر بشكل كبير على خريجي تلك الأكاديمية، فقد نشأ في توماسفيل، بولاية جورجيا، وهي المدينة ذاتها التي خرج منها هنري أو. فليبر الذي ولد عبداً في عام 1877 لكنه أصبح أول أميركي من أصول أفريقية يتخرج من تلك الأكاديمية.
الترجمة نقلاً عن موقع تلفزيون سوريا
المصدر: نيويورك تايمز