هل نجحت حرب إسرائيل الاستراتيجية ضد إيران في سوريا؟

ترجمة:زين الحمصي
أطلقت إسرائيل في 25 تشرين الأول/ أكتوبر مناورة عسكرية كبيرة أطلقت عليها اسم “السهم المميت”، تحاكي الصراع على جبهات متعددة، مع التركيز على شمال إسرائيل، إذ إنها واحدة من عدد من التدريبات الأخيرة لتجهيز العديد من الوحدات الإسرائيلية للصراع في المستقبل.

يأتي كل ذلك وسط معارضة إسرائيلية مستمرة لترسيخ الوجود الإيراني ووجود “حزب الله” المدعوم من إيران بالقرب من مرتفعات الجولان في سوريا والتوترات الأخيرة، منذ يوليو/ تموز، مع حزب الله في لبنان.

وتثير المناورات العسكرية والتوترات المستمرة مع إيران وحزب الله – بحسب موقع لونغ وور جورنالالمختص بشؤون الحرب ضد الإرهاب – تساؤلات حول السنوات العديدة الماضية التي سعت فيها إسرائيل إلى خوض “حرب بين الحروب” بهدف مواجهة تهديدات إيران.

أوضح غادي إيزنكوت، رئيس الأركان الإسرائيلي من 2015 إلى 2019، هدف ما أسماه “الحملة بين الحروب” في مقال عام 2019 شارك في كتابته مع غادي سيبوني، وهو عقيد في احتياطي جيش الدفاع الإسرائيلي وزميل في معهد دراسات الأمن القومي.

تضمن الهدف ثلاثة أجزاء: تأخير الحرب وإضعاف حشد العدو، وتعزيز شرعية إسرائيل لبذل القوة، وخلق الظروف المثلى للجيش الإسرائيلي إذا حدثت الحرب.

ويأتي جزء مما نعرفه عن جهود إسرائيل ضد ترسيخ إيران في سوريا من إيزنكوت، خلال مقابلة في كانون الثاني (يناير) 2019، قال فيها إن إسرائيل “ضربت آلاف الأهداف” واعتبر هذا إشارة إلى أكثر من ألف غارة جوية على أهداف إيرانية في سوريا.

وأشار قائد القوات الجوية اللواء أمير إيشل إلى هذه الضربات الجوية في أغسطس 2017، مع ادعاءات بأن إسرائيل قصفت قوافل أسلحة في سوريا كانت متجهة إلى حزب الله “ما يقرب من 100 مرة”، إذا أخذنا هذين البيانين بعين الاعتبار، فيمكننا رسم التقدم من المئة غارة الجوية المذكورة في عام 2017 و “الآلاف” المذكورة في يناير 2019. يبدو أن هذا يشير إلى زيادة في النشاط لمنع إيران من بناء قوات تهدد إسرائيل من سوريا وكذلك محاولات اعتراض عمليات نقل الأسلحة عبر سوريا إلى حزب الله.

عزز نظام أسد سيطرته على جنوب سوريا في صيف 2018. وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أفيغدور ليبرمان إيران من فرض “خنق” على سوريا، وإقامة “بنية تحتية للإرهاب”، حيث نفذت إسرائيل غارات جوية كبيرة في سوريا بعد إطلاق صاروخ من سوريا في مايو 2018 حتى تحطمت طائرة F-16 عائدة من الضربات الجوية في شمال إسرائيل في أكتوبر 2018.

تم الكشف عن الدور الإيراني المتزايد في سوريا من خلال استخدامها لطائرة بدون طيار أطلقت من قاعدة T- 4 في سوريا في المجال الجوي الإسرائيلي في فبراير 2018، وشحن نظام دفاع جوي ثالث إلى T-4 في أبريل 2018، وتم إرسال فريق “طائرة بدون طيار قاتلة” تابع لحزب الله إلى جنوب سوريا بالقرب من الجولان في أغسطس 2019.

كررت إسرائيل تصريحاتها في أكتوبر 2020 بأنها لن تسمح لإيران وحزب الله بترسيخ وجودهما بالقرب من الجولان على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس.

يجب على إسرائيل أن تأخذ في الاعتبار العوامل الإقليمية والقوى العالمية في صراعها لوقف ترسيخ الوجود الإيراني، حيث فتحت إسرائيل قنوات اتصال مع روسيا للتأكد من أنه لن يكون هناك خلاف خلال الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا، ومنذ عام 2015 عندما دخلت روسيا الحرب السورية من خلال زيادة الدعم لنظام الأسد، تكشف التوترات مع روسيا عن بعض التحديات التي تواجه إسرائيل في سوريا.

في فبراير 2020، قالت روسيا إن غارة جوية عرّضت للخطر طائرة ركاب بالقرب من دمشق، كما اعترضت روسيا في كانون الأول (ديسمبر) 2018 بعد حادث خطير أسقط فيه الدفاع الجوي لنظام أسد طائرة عسكرية روسية في سبتمبر 2018 أثناء محاولته إسقاط طائرة إسرائيلية، وزعمت موسكو التي تنزعج بشكل متزايد من الضربات الجوية الإسرائيلية التي قد تقوض النظام السوري، أن إسرائيل كانت تحلق فوق الأردن في نوفمبر 2019 لشن الضربات، أطلق الدفاع الجوي لنظام أسد صواريخ مضادة على الطائرات الإسرائيلية لدرجة أن أحد صواريخه سقط في قبرص في يوليو 2019 وسقط آخر في الأردن في مارس 2017.

تكشف التفاصيل أعلاه عن عدة مجموعات متقاربة من الظروف؛ أولاً، هناك توترات بين إسرائيل وحزب الله، منذ اندلاع الحرب في سوريا تصاعدت التوترات بعد أن قال حزب الله إن أحد أعضائه قُتل في سوريا.

تبع ذلك التوترات في أكتوبر 2020  يُظهر نمط الحوادث أن حزب الله يحاول ردع إسرائيل من خلال توضيح أن الغارات الجوية على منشآته أو الخسائر بين أعضائه تعطيه سبباً للرد من لبنان أو من سوريا.

ثانياً، هناك أدلة متزايدة على ترسيخ وجود إيران في سوريا، غالباً ما يتم الكشف عن أدلة على ترسيخ الوجود الإيراني من خلال صور الأقمار الصناعية إيمج سات إنترناشيونال التي نشرت في وسائل الإعلام.

ثالثًا، هناك مناطق نفوذ مختلفة في سوريا، حيث تمتلك روسيا قواعد في اللاذقية وإيران لديها بنية تحتية في T-4 ودمشق وأماكن أخرى، بينما تمتلك الولايات المتحدة أيضاً عدة قواعد، في عام 2017، أشارت التقارير إلى أن إسرائيل طلبت من روسيا ضمان إبعاد العناصر الإيرانية إلى بعد 60 كيلومترا من الجولان مع عودة النظام إلى المنطقة، لعبت روسيا دورًا في هذه المناطق من جنوب سوريا من خلال العمل مع الفيلق الخامس.

الجزء الرابع من هذا اللغز هو دور العراق في تسهيل نقل الأسلحة إلى سوريا وحزب الله، العراق هو قناة رئيسية على “الجسر البري” وقد كشفت التقارير على مر السنين الطريقة التي يتولد بها ممر النفوذ الإيراني في سوريا على نقاط الطريق من البوكمال إلى الميادين، إلى T-4 ودمشق ولبنان.

في يوليو/ تموز وأغسطس/ آب 2019 ظهرت تقارير عن غارات جوية إسرائيلية في العراق بعد أن اتهمت الميليشيات الموالية لإيران إسرائيل بالمسؤولية عن مستودعات الأسلحة التي انفجرت بشكل غامض. في أغسطس 2018 وديسمبر 2019، زُعم أن إيران نقلت صواريخ باليستية إلى العراق، وكان من الممكن أن يتم نقلها إلى ميليشيات متعاطفة مع إيران، مثل كتائب حزب الله.
قتلت الولايات المتحدة زعيم كتائب حزب الله أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في كانون الثاني/ يناير 2020 في بغداد.

نهاية الجسر البري لإيران هي مصانع الأسلحة ومنشآت التخزين في لبنان، كما تم توثيقها جيداً من قبل الجيش الإسرائيلي من خلال التفاصيل التي كشف عنها في أغسطس 2019 وسبتمبر 2020. التهديد لإسرائيل اليوم من هذه المواقع هو في شكل ذخائر موجهة بدقة.

لا يبدو أن الترسخ الإيراني طويل الأمد قد انخفض، على الرغم من العدد الكبير من الضربات الجوية. ورغم أن الضربات الجوية تسببت في أضرار بالغة الدقة لكنها أسفرت عن عدد قليل من الضحايا الإيرانيين أو إصابات أخرى قُتل عدد قليل فقط من المستشارين الإيرانيين في سوريا على مر السنين ووفقاً لتصريحات حزب الله، قُتل عدد قليل جداً من أعضائه أيضاً. أشارت التقارير إلى أن إسرائيل دمرت جزءاً كبيراً من الدفاع الجوي لنظام أسد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي بانتسير الروسي وأنظمة أخرى. على الرغم من أن روسيا زودت النظام بنظام S-300s في عام 2018، إلا أنه لم يكن من الواضح ما إذا كان النظام قد استخدمها. ومع ذلك، فإن الحرب بين الحربين في سوريا لم تكن مصممة لتدمير الأهداف ذات القيمة المنخفضة، ولكن بدلاً من ذلك لتوظيف الدقة الإسرائيلية على أساس أفضل المعلومات الاستخباراتية والمراقبة.

لا يُعرف الكثير عن كيفية استخدام ذلك، لكن التطورات الإسرائيلية في استخدام الخوارزميات والذكاء الاصطناعي ومطابقة المشهد والتعرف التلقائي على الهدف ساعدت جميعها في تحقيق هذا المستوى من الدقة.

يجب أن يأخذ تقييم استراتيجية “الحملة بين الحروب”، التي تجري الآن منذ نصف عقد، في الاعتبار ما إذا كانت الحملة ناجحة، أو تم تحقيق الأهداف أو ما إذا كان هذا صراعاً يبدو أشبه بـحرب استنزاف.
من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل قد أخرت الحرب أو أضعفت بناء العدو، ومع ذلك، فإن استمرار الحاجة إلى الضربات الجوية، والتي أصبحت الآن أكثر بكثير من الرقم الذي كشف عنه إيزنكوت في يناير 2019، يوضح استمرار التهديد من سوريا.

السؤال حول تأجيل الحرب ما هو جدول إيران الزمني؟ يبدو أن إيران راضية عن الاستمرار في تسليح حزب الله وتحسينه، حيث تختار مناطق في سوريا لشبكاتها الخاصة التي تعمل على توصيل الميليشيات المتحالفة معها في العراق ولبنان.

سافر قادة الميليشيات الموالية لإيران من العراق، مثل قيس الخزعلي إلى لبنان في عام 2017 لتهديد إسرائيل. ويتضح من التعليقات في عام 2019 بعد الضربات الجوية الإسرائيلية المزعومة في العراق أن قادة هذه الميليشيات يرون إسرائيل كعدو مركزي، خاصة إذا كانوا قادرين على طرد الولايات المتحدة من العراق والتركيز على إسرائيل. وبالمثل، يريد نظام أسد خروج الولايات المتحدة من التنف لخلق تواصل في أراضيه. يمكن لروسيا، التي تركز على شمال سوريا، استيعاب إسرائيل في الوقت الحالي.

ما هي كمية المواد الإيرانية التي تم تدميرها في سوريا والتي لا يمكن استبدالها؟ إذا كانت الضربات الجوية قد أصابت المصانع والمستودعات ومنشآت التخزين، فكم من هذه الصواريخ والذخائر الأخرى لا يمكن استبدالها؟ هناك نقص في المعلومات حول هذه القضية الرئيسية، لكن التقارير حول محاولة حزب الله بناء المزيد من التهديدات الصاروخية الموجهة بدقة من خلال الإنتاج المحلي يبدو أنها تظهر أن إيران ربما تكون قد غيرت استراتيجيتها لنقل البنية التحتية إلى لبنان، حيث لم تحدث غارات جوية.

هل ستغلق نافذة الأجواء السورية المفتوحة أمام الغارات الجوية؟ أمام سوريا طريق طويل لتقطعه في هذا الصدد بسبب الوجود الأمريكي والتركي وتركيز روسيا على الشمال، بينما تحصل إيران على حرية للجميع بين البوكمال و T-4 ودمشق. هذا المثلث للنفوذ الإيراني، من الجولان إلى T-4 إلى البوكمال هو مركز القلق لترسيخ الوجود الإيراني.

قد يعني هذا أن جهود إسرائيل في سوريا بدأت تبدو أشبه بنزاعات أخرى مفتوحة، مثل الولايات المتحدة التي قاتلت خلال الحرب العالمية على الإرهاب. على عكس تورط إسرائيل في لبنان في الثمانينيات والتسعينيات، فإنه لا يشمل أي جندي على الأرض. إنها حرب جوية، مثلما تفعل الولايات المتحدة في الصومال أو اليمن أو في أي مكان آخر ضد التهديدات. ومع ذلك، على عكس صراعات الولايات المتحدة، فهذه حرب ليست في بلد بعيد – ولكن في الجوار مباشرة. لا يبدو أن محاولة حزب الله فرض ثمن أي خسائر في سوريا تبشر بالخير، مما يخلق حلقة مستمرة من الأزمة كلما أراد حزب الله أن يترسخ. كما أنه يوفر لإيران فرصاً لتهديد إسرائيل ولربط وكلائها العراقيين مع العناصر الموالية لإيران في سوريا ولبنان.

اورينت نت

Read Previous

لأول مرة صور “قيصر” تستخدم كدليل ضد ضباط أسد في ألمانيا

Read Next

إنقاذ الطفلة “إليف” ذات الثلاثة أعوام من تحت الركام بعد ثلاثة أيام من زلزال إزمير

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Most Popular