يعود دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد فوزه بالانتخابات الأميركية على حساب منافسته الديمقراطية كاميلا هاريس، ليحمل معه ملفات شائكة وقرارات سبق أن أثارت انقسامات داخلية وخارجية، لا سيما في الشرق الأوسط.
ومع عودته، تتجه أنظار السوريين نحو سياسات ترمب المتقلبة حول سوريا، التي اتسمت بتصريحات حادة وقرارات مفاجئة تتعلق بالانسحاب العسكري وتبديل التحالفات على الأرض، مما أثار انتقادات واسعة من حلفاء وأعداء على حد سواء.
يستعرض التقرير التالي أبرز هذه القرارات وتأثيراتها في ظل عودة ترمب إلى سدة الحكم.
وفي نيسان 2017، وبعد أشهر قليلة من تولي ترمب الرئاسة، نفذت الولايات المتحدة ضربة عسكرية على مطار الشعيرات في ريف حمص. وجاءت هذه الخطوة كإجراء عقابي رداً على الهجوم الكيميائي الذي استهدف مدينة خان شيخون بريف إدلب، والذي راح ضحيته عشرات المدنيين. وكانت هذه الضربة تحمل رسالة تحذيرية للنظام السوري بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية.
وفي كلمة له عقب الضربة، أوضح ترمب أن القرار جاء كضربة عسكرية محددة ضد القاعدة الجوية التي انطلقت منها الهجمات الكيميائية، مشيراً إلى أن استخدام الأسد لغاز الأعصاب في قتل المدنيين يعد جريمة مروعة. وأكد أن الولايات المتحدة تسعى من خلال هذه الخطوة إلى حث جميع الدول المتحضرة على اتخاذ موقف ضد الفظائع وإراقة الدماء في سوريا، ووقف انتهاكات النظام بحق الشعب السوري.
وأكد ترمب أن الضربة تعكس مصلحة أميركا في منع انتشار الأسلحة الكيميائية، وأشار إلى أن المحاولات السابقة لإقناع الأسد بتغيير سلوكه فشلت على مدار سنوات، ما دفع واشنطن إلى التدخل بعمل عسكري.
وأوقف ترمب برنامج دعم المعارضة السورية المعتدلة في تموز 2017. وكان هذا البرنامج قد أُطلق تحت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2013. وجاء هذا القرار بالتزامن مع رغبة ترمب في تحسين العلاقات مع روسيا الداعمة للنظام، وهو ما اعتُبر تحولاً استراتيجياً في السياسة الأميركية تجاه الملف السوري، علماً أن ترمب وعد خلال حملته الانتخابية بوقف هذا البرنامج، مبرراً أن كلفته مرتفعة وغير مجدية.
وأدار البرنامج وكالة المخابرات المركزية (CIA) التي تولت مهمة تدريب فصائل المعارضة السورية في محاولة للضغط على بشار الأسد ودفعه للتنحي. إلا أن الدعم الأميركي شهد تراجعاً تدريجياً، خاصة بعد التدخل الروسي في سوريا عام 2015، والذي منح النظام دعماً عسكرياً قوياً أسهم في قلب الموازين لصالحه.
وفُسر إيقاف الدعم بأنه تراجع عن الرغبة الأميركية في إزاحة الأسد، وتحول نحو التهدئة والتعاون مع روسيا في ملفات إقليمية ودولية أوسع، كما كان انعكاساً لتوجهات واشنطن بالتركيز على مكافحة الإرهاب وتنظيم “داعش” بدلاً من إسقاط النظام.
وفي نيسان عام 2018، أصدر ترمب أوامر بتنفيذ ضربة عسكرية على مواقع للنظام السوري بالتنسيق مع القوات الفرنسية والبريطانية، وذلك رداً على الهجمات الكيماوية التي استهدفت مدينة دوما في الغوطة الشرقية. واستهدفت الضربات مواقع، من ضمنها مطار دمشق الدولي ومطار الضمير العسكري قرب العاصمة، إضافة إلى مركز البحوث العلمية الذي يُعتبر أحد مراكز تطوير الأسلحة في سوريا.
وفي بيان متلفز، صرّح ترمب بأن روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين كانت قد تعهدت في السابق بالتخلص من الأسلحة الكيماوية السورية، إلا أن الفشل في الالتزام بهذا التعهد أدى إلى هذه الضربات. وأشار إلى مخاوفه من تكرار كوارث الأسلحة الكيماوية، مذكّراً بآثار الحرب العالمية الأولى، حيث أودت هذه الأسلحة بحياة الآلاف.
وفي عام 2018، توصلت الولايات المتحدة وروسيا إلى اتفاق بشأن الجنوب السوري، والذي أسفر عن “تسوية” سمحت للنظام باستعادة السيطرة على محافظة درعا ومناطق بريف القنيطرة. وكان هذا الاتفاق جزءاً من سلسلة تفاهمات دولية وإقليمية تهدف إلى إنهاء المعارك في المنطقة الجنوبية من سوريا، حيث كانت فصائل المعارضة تحتفظ بسيطرة نسبية هناك، وضمان أمن إسرائيل من خلال إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود.
وأسفر الاتفاق عن تسليم الفصائل المعارضة للأسلحة الثقيلة ووقف أي نشاط عسكري ضد النظام، وتهجير من لا يرغب منهم في العيش تحت سلطة النظام إلى إدلب. وبعد مرور الوقت، تراجع النظام وروسيا عن التزاماتهما، حيث تعرض العديد من المدنيين والمقاتلين السابقين لعمليات اعتقال واغتيال، وأصبحت درعا من جديد مركزاً للتوترات، كما أن الميليشيات الإيرانية عززت وجودها على حدود إسرائيل وزادت من أنشطتها في المنطقة.
أما في 19 كانون الأول عام 2018، أعلن ترمب عزمه الانسحاب من سوريا بعد أن أتمت القوات الأميركية المهمة الرئيسية التي جاءت من أجلها، وهي القضاء على تنظيم “داعش”، وبدأ تنفيذ هذا القرار في 11 كانون الثاني 2019 دون أن يؤدي ذلك إلى تغييرات جوهرية في انتشار القوات الأميركية التي ظلت محتفظة بوجودها في مواقع استراتيجية.
وفي تشرين الأول 2019، أمر ترمب وزارة الدفاع بسحب نحو ألف جندي من شمالي سوريا تزامناً مع عملية “نبع السلام” التي أطلقتها تركيا في تل أبيض ورأس العين. وبدأت القوات الأميركية بإخلاء مواقعها العسكرية من محافظات حلب والرقة، مع تركيز وجودها في محافظتي الحسكة ودير الزور.
وبحلول 21 تشرين الأول 2019، عدل ترمب توجهه السابق بالإعلان عن أن مهمة القوات الأميركية ستتركز على حماية آبار النفط في سوريا، لمنع تنظيم “داعش” والنظام السوري وحلفائه من الاستفادة من عائدات النفط. وتضمن هذا التغيير خططاً لإعادة الانتشار شملت الإبقاء على ما بين 600 و1000 جندي شرقي سوريا لدعم “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” والحفاظ على السيطرة الجوية للتحالف الدولي.
في 25 آذار عام 2019، قام ترمب بتوقيع إعلان يعترف رسمياً بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية، وهي منطقة احتلتها إسرائيل في عام 1967 وضمتها في عام 1981. وجاء هذا الإعلان خلال مراسم خاصة في البيت الأبيض بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أعلن ترمب أن هذه الخطوة كانت مخططة لها منذ فترة طويلة.
الإعلان الأميركي كان تحولاً جذرياً في الموقف الأميركي من الجولان، واعتُبر بمثابة تعويض لإسرائيل عن الفجوة التي سيتركها انسحاب القوات الأميركية من سوريا، وحمل رسالة إلى روسيا التي عززت موقعها في سوريا، بأن الولايات المتحدة ما تزال لاعباً رئيسياً في الشرق الأوسط وأن مصالح إسرائيل لا يمكن تجاهلها.
في السابع والعشرين من تشرين الأول عام 2019، أعلن ترمب مقتل أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم “داعش”، في عملية خاصة نفذتها القوات الأميركية في شمال غربي سوريا. وجاء هذا الإعلان في وقت كان ترمب يواجه فيه موجة من الانتقادات الداخلية، وقد اعتبره البعض محاولة لصرف الأنظار عن القضايا الداخلية المتزايدة وتبريراً لقراره المفاجئ بالانسحاب من سوريا.
وتأثر “داعش” بشكل كبير بعد مقتل البغدادي، حيث تبع مقتله سقوط أربعة من خلفائه في ظروف متفاوتة، مما زاد من حالة الضعف والتفكك داخل التنظيم. وكان أول هؤلاء الخلفاء أبا إبراهيم القرشي، الذي قُتل في شباط 2022 على يد القوات الأميركية في إدلب، يليه أبو الحسن الهاشمي القرشي الذي قُتل على يد المجموعات المحلية في درعا، وأخيراً أبو الحسين الحسيني القرشي الذي قُتل في اشتباكات مع هيئة تحرير الشام في إدلب.
وبالنظر إلى تأثير هذه الأحداث، يتضح أن مقتل البغدادي لم يكن نهاية “داعش”، بل كان بداية سلسلة من الضربات التي استهدفت قياداته. وعلى الرغم من الانكسارات المتتالية، ظل التنظيم يشكل تهديداً بتجدد نشاطاته في المناطق غير المستقرة، مما يتطلب استمرار الجهود لمواجهته وضمان عدم عودته.
في 21 كانون الأول 2019، وقع ترامب على قانون “قيصر” ضمن إقرار موازنة الدفاع، والذي يهدف إلى حماية المدنيين في سوريا من خلال فرض عقوبات مشددة على الأفراد والكيانات التي تدعم النظام.
ويهدف القانون إلى قطع الدعم المالي والاقتصادي عن النظام، الذي استخدم هذه الموارد في تسعير حملة العنف والتدمير التي أودت بحياة مئات الآلاف من المدنيين. كما أن “قيصر” كان بمثابة رسالة للمجتمع الدولي بأنه لا ينبغي لأي طرف خارجي الدخول في أعمال مع النظام.
وعلى الرغم من الدور الفاعل الذي لعبه قانون “قيصر” في تسليط الضوء على جرائم النظام، إلا أن هناك تبايناً في مواقف الإدارات الأميركية تجاهه. فقد كشفت صحيفة “واشنطن بوست” أن الرئيس السابق باراك أوباما حاول تأخير تمرير القانون في 2016 لأسباب تتعلق بسياسته الخارجية وتحديداً العلاقة مع روسيا وإيران. وبعد تولي بايدن الرئاسة، شهد تطبيق القانون حالة من الجمود، حيث لم تفرض عقوبات جديدة على النظام خلال السنوات الأربع الأولى من إدارته.
في 3 كانون الثاني 2020، أمر ترامب بتنفيذ عملية اغتيال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني، في غارة جوية استهدفته بينما كان يوجد في محيط مطار بغداد.
وجاءت هذه العملية بعد أيام من تظاهرات أمام السفارة الأميركية في بغداد، حيث احتج المتظاهرون على الغارات الأميركية ضد الفصائل العراقية المتحالفة مع إيران.
في آب 2020، أجرى المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لشؤون المخطوفين، روجر كارستينس، ونائب مساعد الرئيس الأميركي ومدير مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، كاش باتل، زيارة نادرة إلى العاصمة السورية دمشق، والتقيا بمدير “مكتب الأمن الوطني” اللواء علي مملوك بهدف بحث إمكانية عقد صفقة من شأنها أن تفضي إلى إطلاق سراح الصحفي أوستن تايس، الذي اعتقله النظام السوري عام 2012.
تايس، الذي اختطف أثناء تغطيته للأحداث في سوريا، بات مصيره مجهولاً منذ اعتقاله، وعلى الرغم من المحاولات المكثفة التي بذلتها إدارة ترامب ومن بعدها إدارة بايدن، ما يزال الغموض يكتنف وضعه، وسط تعقيدات المشهد السياسي والأمني في سوريا.
وبحسب صحيفة “الوطن” المقربة من النظام، فإن مملوك طرح خلال الاجتماع شروطاً تتضمن انسحاب القوات الأميركية من سوريا ورفع العقوبات المفروضة على النظام كمقدمات لبحث ملف تايس. من جهة أخرى، نقلت وكالة “أسوشيتد برس” أن مساعي إدارة ترامب شملت أيضاً تقديم العلاج لأسماء الأسد التي كانت مصابة بالسرطان كجزء من “بناء النوايا الحسنة” في إطار مفاوضات تحرير تايس.