أكد عدد من الناشطين وتجار المحروقات في إدلب شمال غرب سوريا قيام “هيئة تحرير الشام” بقياس كمية الوقود في السيارات القادمة من ريف حلب الشمالي نحو إدلب، عند معبري (دير بلوط) الواقع بين منطقة أطمة بريف إدلب وجنديرس بريف حلب، و(الغزاوية) الواقع بين مدينة دارة عزة بحلب ومنطقة عفرين.
ووتأتي عملية قياس كمية المحروقات داخل خزانات وقود السيارات، لمنع السيارات الممتلئة خزاناتها من الدخول إلى إدلب، بسبب تعبئة مالكيها للوقود من ريف حلب الشمالي، كونه أقل ثمناً من إدلب، حيث يبلغ سعر ليتر البنزين 4.70 ليرة تركية فيما يبلغ سعر المازوت 4.60 ليرة تركية، في حين يبلغ سعر أسطوانة الغاز 40 ليرة تركية بعد الارتفاع الأخير.
والإجراء المذكور – وفقاً لناشطين من المنطقة – يتسبب بازدحام كبير للآليات على الحاجزين الفاصلين بين ريفي حلب وإدلب، حيث يصطف طابور من السيارات على الحواجز بانتظار إجراءات “تحرير الشام” لقياس الوقود في السيارات.
بحسب، محمد السمير، وهو تجار الوقود في المنطقة فإن مئات من السيارات تعبر بشكل يومي من ريف إدلب باتجاه مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، بهدف التجارة وجلب البضائع؛ ويضطر أصحاب هذه السيارات لتعبئة الوقود من ريف حلب الشمالي، وخصوصا منطقة جرابلس، حيث يبلغ سعر ليتر المازوت (4 ليرات تركية) في حين يبلغ اللتر الواحد في إدلب (6.60 ليرة تركية)؛ وذلك بسبب احتكار بيع الوقود عبر شركة وتد التابعة لهيئة تحرير الشام.
وبعد وصول السيارات إلى معبري دير بلوط والغزاوية الفاصلين بين مناطق “الجيش الوطني” و”تحرير الشام”؛ يقوم عناصر الأخيرة بقياس كمية الوقود، وعليه فإن كل سيارة يكون فيها أكثر من 20 لتراً يفرغها عناصر الهيئة، بحجة تهريب المازوت؛ وهو ما أثار غضب ونقمة الكثير من التجار والأهالي، وفقاً للتاجر نفسه.
وحول أسباب احتكار الوقود من قبل “تحرير الشام” يشير السمير إلى أن “هيئة تحرير الشام” تجني أكثر من مليون دولار بشكل شهري عبر ذراعها “شركة وتد” التي تختص في بيع المحروقات في محافظة إدلب؛ حيث تملك عشرات الكازيات والتي قامت برفع أسعار الوقود أكثر من 5 مرات بحجة “انخفاض أسعار الليرة التركية وارتفاع أسعار النفط العالمي”.
ويرجح المتضررون من آلية “تحرير الشام” الجديدة، بأن الأخيرة لجأت إليه، بسب ما يمكن أن يعود بنتائج سلبية على شركة “وتد” للمحروقات”، التي تُعتبر المستورد الوحيد للمحروقات في إدلب.
ويؤكد هؤلاء أن “تحرير الشام” تبرر الخطوة بكونها تقيس كمية الوقود في السيارات التي تعمل بمجال التهريب فقط، وفي الوقت ذاته تستغل هذه الحجة لتفتيش جميع الآليات.
يقول فيصل السليم، وهو باحث في مركز الوان للدراسات: “طالبت عدة شركات في وقت سابق بتراخيص لدى معبر باب الهوى وذلك بهدف التنافس مع شركة وتد وتوريد الوقود من تركيا؛ ولكن هذا الطلب لاقى مماطلة ورفض من قبل إدارة المعبر الذي يتبع لتحرير الشام، بهدف التحكم بأسعار النفط عبر الشركة التابعة للهيئة وجني أرباح طائلة دون وجود منافس لها في إدلب”.
ويؤكد الباحث في حديثه لأورينت نت أن “الهيئة تعتمد في منح تراخيص للكازيات التي تتبع لها في كل مدينة أو بلدة في المناطق المحررة وإجبارهم على بيع الوقود بالأسعار التي تفرضها عليها كونها هي الجهة الوحيدة التي تستورد الوقود إلى ريف إدلب؛ بالإضافة إلى تقليل هامش الربح للمحال التجارية التي تبيع الوقود؛ وهو ما سبب في إغلاق مئات محال الوقود التي كان الفقراء يعتمدون عليها في معيشتهم”.
وحول أسباب تشديد الإجراءات على المعابر من قبل الهيئة يشير السليم إلى أن “الهيئة تعتمد سياسة في فصل إدلب عن منطقة درع الفرات من خلال التحكم بسوق النفط ومنع تجارة الوقود بين المنطقتين؛ وذلك بسبب تباين الأسعار وعدم توريد الوقود من تلك المناطق بأسعار منخفضة، وبالتالي منع تخفيض هامش الربح التي تجنيه الهيئة بشكل شهري من ملف المحروقات”.
وكانت شركة “وتد” للمحروقات التابعة لهيئة تحرير الشام، رفعت أسعار الوقود في إدلب 5 مرات متتالية خلال الأسابيع الماضية، تارة بدعوى ارتفاع أسعار النفط العالمي، وتارة بدعوى انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار، وهو ما أثار حفيظة السكان، الذي خرجوا بوقفة احتجاجية للتنديد برفع الأسعار.
لكن الباحث الاقتصادي نبال قلعة جي، يقول إنه “من الممكن أن تكون تحرير الشام تحتكر استيراد الوقود، فهذا أمر طبيعي ومعظم الأنظمة الاقتصادية على مختلف توجهاتها تحتكر استيراد الوقود أو إنتاجه، لأن الوقود سلعة أساسية وعصب للاقتصاد؛ وأسعار الوقود تؤثر بشكل كبير على كافة الأنشطة الاقتصادية الأخرى، لذلك تعتمد معظم الأنظمة الاقتصادية على التحديد المركزي لأسعار الوقود أما بيع الوقود فيجب أن يتم من خلال القطاع الخاص”.
ويرى أنه “على هيئة تحرير الشام أن تحدد سعر بيع الوقود للمستهلك النهائي وتقوم ببيعه لأصحاب محطات الوقود الذين يضيفون هامش ربح بسيط ويبيعون الوقود للمستهلك النهائي؛ فهذا التصرف من شأنه تنشيط القطاع الخاص وزيادة فرص العمل فكافة المدن والقرى تحتاج للوقود؛ ولو أن تحرير الشام لم تحتكر بيع الوقود فسوف يتم توفير الكثير من فرص العمل وسيتم إقامة مشاريع صغيرة ( محطات الوقود ) التي تسهم في تحقيق معدلات أفضل للتنمية الاقتصادية”.
واستمرار “تحرير الشام” في احتكار بيع الوقود – وفقاً للباحث نفسه – يحرم الكثير من الأفراد من فتح محطات وتحقيق أرباح ويزيد معدلات البطالة التي هي مرتفعة أصلا؛ ومما لا شك فيه أن تحرير الشام تحقق أرباح كبيرة من احتكار الوقود، على حد قوله.
ختاماً ووفقاً لقلعة جي فإن”احتكار بيع السلع من قبل السلطة المركزية يؤدي إلى الركود الاقتصادي بكافة أبعاده ولو تم التغاضي عن فكرة احتكار بيع الوقود فمن المحتمل أن تقوم تحرير الشام باحتكار المزيد من السلع الحيوية الأخرى؛ مثل المواد الغذائية والكهرباء والمياه والمواصلات والمستشفيات وهذا بالنتيجة يعمق الركود الاقتصادي ويزيد معدلات البطالة فيجب على الفور أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بالضغط على تحرير الشام حتى يتمكن الأفراد من بيع مادة الوقود”.
نقلاً عن اورينت