مصطفى محمد
تتميز التحركات الإيرانية الأخيرة في سوريا، بالتركيز على الاستثمارات، متأثرة بسببين، حضورها الضعيف في المشهد الاقتصادي مقارنة بالحضور الروسي، وارتفاع الأصوات الداخلية المطالبة باستعادة جزء من الأموال التي أنفقتها طهران، في سبيل تثبيت النظام السوري.
وتخطط إيران لوضع يدها في كل المجالات الاستثمارية المتاحة، حتى لو لم تكن بالحجم المطلوب، وهذا ما بدا واضحاً من خلال الإعلان عن افتتاح مركز تجاري لها، في المنطقة التجارية الحرة، في دمشق.
كما تخطط إيران إلى تسهيل إمكان التواصل مع غرف التجارة والصناعة والزراعة في المدن السورية المهمة، مثل دمشق وحلب واللاذقية وحمص، وفق تصريحات كيوان كاشفي رئيس الغرفة التجارية الإيرانية-السورية المشتركة، التي أوردتها وكالة “فارس” الإيرانية.
وقال كاشفي إن مساحة المركز تبلغ 4 آلاف متر مربع، ويقع في المنطقة التجارية الحرة في قلب دمشق، مضيفاً أن المركز في منطقة التجارة الخارجية في دمشق، ويتميز بموقع ممتاز يخدم الشركات الإيرانية وأنشطتها الاقتصادية.
وتتطلع إيران إلى رفع مستوى صادراتها إلى سوريا، بواقع مليار دولار حتى نهاية العام الجاري، إلا أن الكاتب والباحث بالشأن الإيراني ضياء قدور شكّك بقدرة إيران على تحقيق هذا الرقم قائلاَ: “المواطن السوري لا يجد في البضائع الإيرانية منخفضة الجودة وعالية التكلفة في الوقت ذاته ، ما يجذبه، فضلاً عن انخفاض قوته الشرائية أصلاً، نتيجة انهيار العملة السورية لمستويات غير مسبوقة”.
واعتبر أنه لا يمكن فهم الخطوة الإيرانية، إلا في سياق الاستهلاك الإيراني الداخلي. وما يبدو واضحاً بالنسبة له، هو أن الخطوة تكشف عن حصة إيران الصغيرة والمتواضعة من الاقتصاد السوري، مقارنة بما تمّ إبرامه من اتفاقيات اقتصادية ضخمة بين روسيا ونظام الأسد.
بدوره، يضع الباحث الاقتصادي يونس الكريم المشروع المملوك للتجار الإيرانيين الأعضاء في الغرفة التجارية السورية المشتركة، في إطار منافسة الاستثمارات الروسية، وتحديداً في قلب العاصمة دمشق.
وقال، إن “دخول إيران إلى قلب دمشق، يمثل تحولاً جديداً في فصول التجاذبات الروسية-الإيرانية، إذ لم تشهد دمشق، كما هو حال الساحل السوري، سباقاً روسيا-إيرانياً، كما هو الحال الآن”.
أهداف استراتيجية
ويفرض وقوع المركز التجاري في “المنطقة الحرة” في دمشق، قيوداً على دخول البضائع الإيرانية إلى الأسواق السورية، ما يقلل من الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع، وبذلك، لا تنحصر الأهداف الإيرانية بتحقيق مكاسب اقتصادية في المدى القريب، وإنما تتعدى ذلك، إلى تثبيت وجودها في المناطق الحرة والأسواق الحرة، تحضيراً لحصولها على دور اقتصادي مهم في مرحلة إعادة الإعمار.
وحول ذلك، يوضح الكريم أن تثبيت إيران وجودها في المناطق والأسواق الحرة، يأتي في إطار الاستراتيجية الإيرانية في سوريا، إذ يساعدها ذلك على استقدام خطوط إنتاج للمواد اللازمة لمرحلة إعادة الإعمار، من دون دفع ضرائب، وليس مستحيلاً في ما بعد أن ترغم طهران النظام على إقرار قانون يعفي شركاتها من الضرائب، لدخول الأسواق السورية.
وفي سياق مناقشته للأهداف الإيرانية من وراء تثبيت الوجود في المناطق والأسواق السورية الحرة، حدّد الكريم هدفاً اعتبره في غاية الأهمية قائلاً: “تخطط إيران لتحويل المناطق الحرة السورية، إلى منصة لتصدير بضائعها، مستكملة بذلك مشروعها الذي بدأ مع حصول رجل الأعمال الكويتي الموالي لها عبد الحميد الدشتي، على عقود استثمار الأسواق الحرة في سوريا”.
وكانت مصادر متطابقة أكدت في آب/أغسطس 2020، منح نظام الأسد عقد تشغيل “الأسواق الحرة” إلى شقيق رامي مخلوف، إيهاب مخلوف، وشريكه رجل الأعمال الكويتي عبد الحميد دشتي. ويعد دشتي أحد أكبر الداعمين لنظام الأسد، وإيران في المنطقة.
ومن المؤكد، أن تحركات إيران الاقتصادية في سوريا، تأتي في إطار إظهار أنها طرف قوي الحضور، وقادر على منافسة روسيا، والتعامل مع أكثر من سيناريو، حتى تلك التي تتجاوز الأسد.
نقلاً عن المدن