تواصل إيران تقليص صادراتها النفطية إلى النظام السوري، ما يفاقم أزمة المحروقات في البلاد رغم زيادة صادراتها إلى الصين.
وتظهر بيانات صادرات النفط في شهر أيلول/سبتمبر 2024 أن إيران صدّرت إلى الصين 1,626,287 برميل يومياً، مقارنة بـ 35,099 برميلاً فقط لسوريا. ويُعد هذا التراجع جزءاً من انخفاض متواصل في الإمدادات الموجهة لسوريا، حيث كانت صادرات إيران إلى سوريا في آب/أغسطس 52,608 برميلاً يومياً، بينما وصلت في تموز/يوليو إلى 107,790 برميلاً يومياً.
في المقابل، زادت صادرات إيران إلى الصين بشكل ملحوظ خلال نفس الفترة، حيث ارتفعت من 1,250,797 برميلاً يومياً في آب/أغسطس إلى أكثر من 1.6 مليون برميل يومياً في أيلول/سبتمبر بحسب بيانات (UANI)، ما يشير إلى تحول في أولويات إيران النفطية نحو السوق الصينية.
وفقاً لصور الأقمار الصناعية التي اطلع عليها موقع تلفزيون سوريا، لم تصل إلى ميناء بانياس خلال شهر أيلول سوى ناقلة نفط إيرانية واحدة، ما يعمّق أزمة المحروقات المتفاقمة في سوريا مع دخول فصل الشتاء.
وتزامن هذا مع ارتفاع أسعار المازوت في السوق السوداء إلى أكثر من 18 ألف ليرة سورية للتر الواحد ما يزيد من الضغوط على السوريين.
في ريف دمشق، بدأت عملية توزيع مازوت التدفئة بنسبة 20% من مخصصات المحافظة، والتي تبلغ حالياً 15 طلباً يومياً. ومع هذا، تغطي هذه الكميات 80% فقط من احتياجات قطاع النقل، وفق ما صرح به محمود حيدر، عضو المكتب التنفيذي لقطاع المحروقات في ريف دمشق. في حين أن الحاجة الفعلية من مادة المازوت في المحافظة لتغطية الدفعة الأولى من مخصصات المستهلكين تبلغ نحو 40 مليون لتر.
وفي السويداء، لا تتجاوز الكميات الواردة 6 طلبات يومياً، منها طلب واحد فقط مخصص للتدفئة، ما يثير مخاوف السكان من عدم الحصول على الدفعة الأولى من مخصصات التدفئة خلال أشهر الشتاء الباردة.
ويضطر العديد من السائقين لشراء المازوت من السوق السوداء، مما يدفعهم لرفع أجور النقل وسط غياب الرقابة الحكومية، حيث يشكو السائقون من عدم كفاية الكميات المخصصة لهم والتي لا تتجاوز 10 لترات يومياً، بينما يحتاجون إلى ما بين 25 و30 لتراً يومياً لتلبية الطلبات.
أسباب متشابكة للأزمة…
تتأثر أزمة وصول شحنات النفط الإيراني إلى سوريا بعدة عوامل، من أبرزها العقوبات الأميركية التي تفرض قيوداً صارمة على نقل النفط الإيراني، مما يقلل عدد ناقلات النفط المستعدة للتعامل مع شحنات متجهة إلى سوريا. هذه العقوبات تجعل من الصعب العثور على ناقلات ترغب في المخاطرة بانتهاك العقوبات، خاصة وأن العديد من الشركات تخشى التعرض لملاحقات قانونية أو تجميد أصولها.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي تواجهها إيران، تتجه طهران إلى إعطاء الأولوية لصادراتها النفطية نحو الأسواق التي تدرّ عليها عوائد مالية مباشرة، مثل الصين التي تدفع نقداً مقابل النفط الإيراني. بالمقابل، يعتمد النظام السوري على الخط الائتماني الإيراني لتأمين احتياجاته من النفط، مما يجعل سوريا أقل جاذبية لإيران مقارنة بالصين.
ويرى المحللون أن هذا التوجه الإيراني يجعل من شحنات النفط المتوجهة إلى سوريا غير مستقرة، حيث تتأخر الشحنات أو تتراجع الكميات المخصصة لها كلما ظهرت حاجة إيران لتلبية طلبات السوق الصيني أو تأمين السيولة المالية اللازمة لتجاوز أزمتها الاقتصادية.
تحول الناقلات الشبح والتدخل الإسرائيلي …
أدى تحول العديد من ناقلات “الشبح” التي كانت تستخدمها إيران لنقل النفط إلى سوريا، للعمل في نقل النفط الروسي بعد فرض العقوبات الغربية على موسكو، إلى تقليص القدرات اللوجستية المتاحة لإيران لتأمين شحنات النفط إلى النظام السوري. هذا التحول زاد من صعوبة ضمان وصول كميات النفط المطلوبة لسوريا، حيث أصبحت المنافسة على استئجار هذه الناقلات بين إيران وروسيا، خاصة في ظل ارتفاع المخاطر المرتبطة بتجاوز العقوبات.
بالإضافة إلى ذلك، أسهمت التدخلات الإسرائيلية، لا سيما بعد “طوفان الأقصى”، في تعقيد الوضع، حيث فرضت إسرائيل عقوبات على ناقلات النفط الإيرانية واغتالت شخصيات محورية مثل براء قاطرجي، الذي كان له دور كبير في تأمين إمدادات النفط إلى سوريا عبر شبكات التهريب، مما زاد من عمق الأزمة وتسبب في تباطؤ وصول الشحنات إلى سوريا.