الأسد “شريك صامت” في أي تسوية بين لبنان وإسرائيل

تعكس زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت تحركا دبلوماسيا مهما لإنهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان. ووفقًا لزفي بارئيل المحلل السياسي في صحيفة هآرتس، فإن “التفاؤل” بإبرام اتفاق قريب يرتبط بدور العديد من الأطراف الإقليمية والدولية، لكن المفارقة تكمن في “الشريك الصامت” لهذه التفاهمات وهو بشار الأسد.

ويشير بارئيل، إلى أن للأسد دورا مزدوجا في ظل اعتماد نظامه على الدعم الإيراني من جهة، وحاجته إلى تجنب تصعيد كبير على الساحة السورية من جهة أخرى. ورغم أن سوريا أصبحت ممرا للأسلحة الإيرانية إلى لبنان، إلا أن الأسد تمكن من تجنب الانخراط المباشر في مواجهة إسرائيل، ما يضعه في موقع “الشريك” القادر على تسهيل أو عرقلة تنفيذ أي اتفاق.

ويتناول بارئيل في مقاله كيف أن إسرائيل تسعى لضمان وقف نقل الأسلحة عبر الأراضي السورية إلى حزب الله كجزء من الاتفاق. وفي هذا السياق، طلبت تل أبيب من روسيا التدخل لمنع مرور هذه الشحنات، لكن موسكو رفضت الانخراط المباشر. ويجعل هذا التعاون مع النظام السوري محورا أساسيا لإنجاح أي ترتيبات أمنية مستقبلية.

وبحسب لزفي بارئيل، قد يجد الأسد الاتفاق فرصة لتعزيز مكانته الإقليمية والدولية، خاصة مع إدارة أميركية قد تكون أكثر ميولا لعقد “صفقات كبرى”.

عودة المبعوث الأميركي آموس هوكستين إلى بيروت يوم الثلاثاء، بعد تلقيه رد لبنان على اتفاق وقف إطلاق النار، يتم تفسيرها بالفعل كـ “دليل” آخر على إحراز تقدم حقيقي نحو إبرام اتفاق مع إسرائيل.

الأجواء “الإيجابية” و”التفاؤل”، وفقًا لكلمات رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، الذي يتفاوض نيابة عن حزب الله، والكم الهائل من التفاصيل التي يتم نشرها حول مضمون الاتفاق، تشير إلى أن التوقيع قد يتم “خلال أيام”.

على السطح، يبقى “فقط” موضوعان رئيسيان محل خلاف بين إسرائيل ولبنان: إصرار إسرائيل على حرية التحرك في حال خرق حزب الله للاتفاق، وتأسيس وتركيب لجنة إشراف دولية.

القضايا الخلافية تشمل مطلب لبنان بمنع الطلعات الجوية الإسرائيلية الاستطلاعية والمراقبة فوق أجوائه، وضمان حق أي طرف – وليس فقط إسرائيل – بالدفاع عن النفس في حالة حدوث خرق للاتفاق.

بالإضافة إلى ذلك، أي رد من أي من الطرفين سيتطلب مشاورات مسبقة مع اللجنة الإشرافية، التي ستكون بدورها ملزمة بالتشاور مع الأطراف المعنية.

سيقتصر تكوين اللجنة الإشرافية على ممثلين من لبنان وإسرائيل والأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا، دون أي توسع إضافي. سيبقى دور وصيغة قوات اليونيفيل متماشياً مع الإطار الذي حدده قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، سواء من حيث حجمها أو صلاحياتها.

يتضمن مطلب لبناني منع إسرائيل من طلب إذن من اللجنة الإشرافية لاستهداف مواقع في لبنان أو للتحرك ضد أنشطة على الأراضي اللبنانية، حيث تعتبر مثل هذه الأعمال انتهاكاً للسيادة اللبنانية. كما يسعى لبنان إلى إدراج بنود تسمح بعودة النازحين فور دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، لمنع إسرائيل من إنشاء منطقة عازلة دفاعية في جنوبي لبنان.

تشمل النقاط الإضافية محل الخلاف الإفراج عن الأسرى اللبنانيين الذين احتجزتهم إسرائيل خلال الصراع، وضمان احتفاظ لبنان بالسلطة الحصرية على جهود إعادة الإعمار بعد الحرب. يتضمن ذلك التأكيد على عدم وجود أي تأثير لإسرائيل على طبيعة مشاريع إعادة الإعمار أو مصادر تمويلها.

تعد هذه النقطة بالغة الأهمية بالنسبة لحزب الله، لأنها تتيح لإيران تمرير الأموال تحت غطاء مساعدات إعادة الإعمار. مثل هذا الدعم المالي سيعزز موقع حزب الله كجهة تفي بالتزاماتها تجاه الشعب اللبناني المتضرر من الحرب، مما يعزز نفوذه وشرعيته داخل البلاد.

على الرغم من أن معظم هذه المطالب، بما في ذلك آلية الإشراف وإصرار إسرائيل على “حرية العمل” التي أعيد تسميتها بـ “الدفاع عن النفس”، ليست مرجحة لأن تعرقل الاتفاق، إلا أن إسرائيل ولبنان يبدو أنهما ملتزمان بالتوصل إلى اتفاق.

ومع ذلك، فإن ديناميكيات التفاوض المعتادة – حيث يسعى كل طرف لادعاء النصر من خلال انتزاع تنازلات كبيرة من الآخر – من المحتمل أن تطيل المناقشات. وسيشمل ذلك تبادلات متكررة للمسودات، مع تعديل الصياغة و”توضيحها” و”تنقيحها”، مما يؤدي إلى تأخيرات قد تتسبب في وقوع مزيد من الضحايا بين الجنود والمدنيين.

من الجدير بالذكر أن الأطر القانونية المصاحبة للقرار 1701 في عام 2006 كانت ذات فائدة محدودة عندما تعلق الأمر بالتنفيذ.

بينما سيتم التوقيع الرسمي على الاتفاقية من قبل الحكومة اللبنانية، فإن جوهرها يتمثل في كونها اتفاقاً بين إسرائيل وحزب الله وإيران. وهدفها الرئيسي هو كبح أنشطة حزب الله في جنوبي لبنان وتسهيل عودة النازحين على جانبي الحدود. ومع ذلك، من غير المرجح أن يتراجع النفوذ السياسي لحزب الله وإيران في لبنان باعتبارهما قوى مهيمنة قادرة على تشكيل السياسة الوطنية.

كجزء من الاتفاق، من المتوقع أن يعزز الجيش اللبناني وجوده من خلال تجنيد أكثر من 6,000 جندي إضافي، وضمان تمويل متزايد للمعدات والأسلحة، ونشر قوات على طول الحدود. وسيكون هذا الوفاء بأحكام رئيسية محددة في القرار 1701 وسابقه، القرار 1559 الصادر عام 2004.

ومع ذلك، فإن إمكانية أن يكون الجيش اللبناني قادراً على – أو حتى مكلفاً بـ – نزع سلاح حزب الله وتحقيق الحياد العسكري الذي يمثله داخلياً، تبقى محل شك كبير.

من المحتمل أن تكون هذه واحدة من الثغرات الحرجة في الاتفاقية. على الرغم من أن الحكومة اللبنانية، بموجب قرارات الأمم المتحدة السابقة، ملزمة بمنع دخول الأسلحة والذخائر إلى البلاد باستثناء تلك المخصصة لجيشها، فإن الاختبار الحقيقي لكل من الدولة والاتفاقية الناشئة سيكون قدرة الحكومة على تحديد وعرقلة طرق إمداد حزب الله بالأسلحة، سواء عن طريق البر من سوريا أو عن طريق البحر.

سؤال رئيسي لإسرائيل والضامنين الدوليين للاتفاقية – لا سيما الولايات المتحدة – هو ما إذا كان تهريب الأسلحة إلى لبنان سيُعتبر خرقا للاتفاقية. إذا كان الأمر كذلك، فقد يمنح ذلك إسرائيل شرعية رسمية لاتخاذ إجراء عسكري داخل الأراضي اللبنانية، مما قد يهدد استقرار الاتفاقية وتنفيذها.

لتنفيذ هذا الجانب من الاتفاقية، قد تتطلب إسرائيل تعاون “شريك صامت” في دمشق. حتى الآن، تصرفت إسرائيل بقدر كبير من الحرية، خاصة في الأراضي السورية، لتعطيل طرق إمداد الأسلحة.

تشير التقارير إلى أن إسرائيل توجهت حتى إلى روسيا بطلب منع نقل الأسلحة عبر سوريا. ومع ذلك، جاء رد روسيا رافضًا. حيث أفادت التقارير أن ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الروسي إلى سوريا، رفض الطلب، مشيرًا إلى أن ذلك يقع خارج نطاق مهمة القوات الروسية في سوريا، التي تقتصر على مكافحة الإرهاب، وليس مراقبة نقل الأسلحة.

علاوة على ذلك، فإن الموافقة على مثل هذا الطلب ستتطلب من روسيا إقامة نقاط تفتيش والإشراف على المعابر الحدودية – وهي إجراءات تستلزم موافقة نظام الأسد.

في الوقت نفسه، وسعت إسرائيل مؤخرا نطاق عملياتها في سوريا، حيث نفذت ضربات في مناطق متعددة، بما في ذلك دمشق وإدلب وحمص وحماة. واستهدفت هذه الضربات مجموعة متنوعة من المواقع، من عناصر حزب الله إلى منشآت متخصصة، لكنها أسفرت أيضًا عن مقتل جنود سوريين. وفي خطوة غير مألوفة، نفذت إسرائيل ضربات حتى في اللاذقية، بالقرب من قاعدة حميميم الجوية الخاضعة لسيطرة روسيا.

بشار الأسد لا يحتاج إلى تذكير قوي لفهم المخاطر التي يمثلها الوجود الإيراني في سوريا أو حقيقة أن البلاد أصبحت ممرًا لنقل الأسلحة الإيرانية إلى لبنان.

ومع ذلك، فإن اعتماده الاقتصادي على إيران – التي توفر ما بين ربع ونصف احتياجات سوريا من الوقود وتمنح خطوط ائتمان لدعم النظام – يحد من قدرته على المطالبة بانسحاب القوات الإيرانية.

على الجانب الآخر، قاوم الأسد معظم محاولات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وحزب الله لاستخدام سوريا كمنصة للهجمات ضد إسرائيل.

ومن اللافت أنه حافظ على سياسة الحياد تجاه الحرب في غزة. بعيدا عن المشاركة في ما يسمى استراتيجية “وحدة الجبهات” ضمن “طوق النار” الإيراني، تجاهل الأسد والإعلام الرسمي السوري إلى حد كبير حركة حماس، بينما قمعت الأجهزة الأمنية السورية بنشاط مظاهر الدعم لغزة في المخيمات. عندما بحثت إيران إمكانية نقل قيادة حماس من قطر إلى سوريا، رفض الأسد الفكرة بشكل قاطع.

قد يرى الأسد في فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب فرصة لاستعادة مكانته مع الولايات المتحدة. هذا التحول يأتي في وقت أعادت فيه الدول العربية علاقاتها مع دمشق، وسبع دول أوروبية بقيادة إيطاليا قامت مؤخرًا بصياغة مقترح لـ”مراجعة سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه سوريا.”

يهدف المقترح إلى تجديد العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، جزئيا كاستراتيجية لتسهيل إعادة ملايين اللاجئين السوريين الذين يقيمون حاليًا في أوروبا.

على الرغم من أن ترمب كان الرئيس الذي وافق على قانون حماية المدنيين في سوريا (قانون قيصر) في عام 2019، والذي فرض عقوبات شديدة على سوريا، إلا أنه كان أيضًا – ويبدو أنه لا يزال – الرئيس الذي سعى إلى سحب 900 جندي أميركي متمركزين في سوريا.

تحقيق هذا الهدف سيتطلب من ترمب السعي للحصول على تعاون سوريا وتركيا في ضمان حماية الأكراد السوريين، وهم حليف رئيسي للولايات المتحدة في محاربة داعش.

من الممكن أن يقوم ترمب، المعروف بميوله نحو “الصفقات الكبرى”، بـ”مراجعة” السياسة الأميركية تجاه سوريا واقتراح استراتيجية قد لا تستلزم بالضرورة إزالة إيران من سوريا، ولكنها قد تهدف إلى منع نقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان. هذا النهج يمكن أن يضع الأسد في دور “الشريك الصامت” في أي اتفاق مستقبلي يتعلق بلبنان.

Read Previous

وزير الخارجية الأردني يلتقي المبعوث الأممي الخاص لسوريا

Read Next

قطر تقدم 5 ملايين دولار لدعم جهود الإغاثة في سوريا

Most Popular