التخطيط والخطط البديلة وترتيب الأولويات ضرورة حتمية لبناء الدولة

د. فيصل الحسن

التخطيط هو القدرة على استشراق المستقبل عبر وضع أهداف ذكية واضحة وآليات عملية لتحقيقها. لكنه لا يكتمل إلا بوجود ترتيب للأولويات (ما الأهم الآن؟ وما يمكن تأجيله؟) وخطط بديلة (ماذا لو فشل الخيار الأول؟). فالتاريخ يثبت أن الدول التي نجحت في التطور والنمو لم تكن تلك التي امتلكت الموارد فقط، بل التي امتلكت عقلية التخطيط المرن.
ماذا لو غاب ترتيب الأولويات؟
* تصبح الموارد المادية والبشرية مبعثرة بلا بوصلة.
* ينشغل صانعو القرار بقضايا ثانوية بينما تتفاقم الأزمات الكبرى.
* تنهار الثقة بين الدولة والمجتمع، إذ يظهر التناقض بين الخطاب والواقع.
* مثال: كثير من الدول النامية أنفقت على مشاريع استعراضية (مولات ضخمة، مبانٍ شاهقة) بينما أهملت التعليم والصحة، فظلت التنمية شكلية بلا مضمون.
ماذا لو لم تكن هناك خطط بديلة؟
* يكفي خطأ واحد أو أزمة مفاجئة لنسف كل الجهود.
* يصبح التخطيط هشاً أمام الأحداث غير المتوقعة (أوبئة، حروب، كوارث طبيعية).
مثال: خلال جائحة كوفيد-19، الدول التي لم تضع بدائل لقطاع الصحة والاقتصاد واجهت انهيارات قاسية، بينما استطاعت دول أخرى أن تتكيف لأنها أعدّت سيناريوهات مختلفة مسبقاً.
ماذا لو أضفنا عدم الاعتماد على الكفاءات الى عدم وجود خطط بديلة وعدم ترتيب الأولويات؟
دولة بلا كفاءات، وبلا ترتيب للأولويات، وبلا خطط بديلة، تصبح دولة ردود الأفعال بدلاً من أن تكون دولة الفعل. وهذا يعني بطء في التنمية الاقتصادية، تذبذب في السياسات العامة، وتراجع في القدرة التنافسية على المستوى الإقليمي والدولي.
مثال بعد احتلال العراق عام 2003، تم استبعاد عدد كبير من الكفاءات ودون وجود خطة بديلة لدمجهم أو الاستفادة من خبراتهم. والأولويات في إعادة الإعمار لم تكن مرتبة حيث صرفت مليارات على مشاريع قصيرة المدى أو غير مكتملة، بينما قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة بقيت مهملة. وفي ظل غياب الخطط البديلة جعل الدولة تنهار سريعاً أمام الأزمات الأمنية والاقتصادية. والنتيجة هي ما نراه اليوم: هجرة جماعية للعقول، تراجع الخدمات الأساسية، وانعدام ثقة الشعب بالمؤسسات.
الخلاصة: غياب ترتيب الأولويات وخطط بديلة والاعتماد على الكفاءات يعني أن الدولة تسير بلا بوصلة في بحر مليء بالعواصف. قد تصمد لفترة، لكن أول أزمة كبرى ستكشف هشاشتها.

أما الدول التي تجعل التخطيط مرناً وقائماً على بدائل متعددة، فهي وحدها القادرة على التطور والنمو المستدام.

Read Previous

“المجلس العلوي الأعلى” يعترض على أداء الحكومة السورية.. فما الأسباب؟

Read Next

الرئيس الشرع يصل إلى مطار حمد الدولي في العاصمة القطرية الدوحة للمشاركة بالقمة العربية الإسلامية الطارئة

Most Popular