بغداد (أ ف ب)
تحوّل الحشد الشعبي خلال السنوات الأخيرة الى اللاعب الأساسي الذي لا يمكن تجاوزه في العراق، وفق خبراء: فهو يحظى بثاني أكبر كتلة في البرلمان، ويمكنه التصرف بمليارات الدولارات، ويملك قوة عسكرية ضخمة مدعومة من إيران، ونجح مرة أخرى أخيرا في إثبات تحكمه بالمشهد السياسي في البلاد.
وقد يشكّل انتخاب المحافظ المتشدد ابراهيم رئيسي رئيساً لإيران الجمعة دفعا جديدا للحشد. وقد اعتبر القيادي فيه أبو آلاء الولائي فوز رئيسي “تهنئة لنهج المقاومة وهزيمةً للتطبيع والذل”.
وفي دليل على تعاظم نفوذه، نجح الحشد مؤخراً بالحصول على إطلاق سراح القيادي فيه قاسم مصلح المتهم بعلاقته باغتيال ناشطين، بعدما قال القضاء إن لا أدلة كافية تدينه، وسط خيبة أمل الناشطين المؤيدين للديموقراطية.
ويقول الباحث ريناد منصور من مركز “تشاتام هاوس” للأبحاث لوكالة فرانس برس إن الحشد، وهو تحالف مؤلف من فصائل مسلحة موالية لايران تأسس في حزيران/يونيو 2014 وتم دمجه في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 مع القوات النظامية، “ليس حالة شاذة بل هو مقياس لسلوك السلطة في العراق”.
ويشرح الباحث أن “أهداف الحشد هي نفسها أهداف جميع الأحزاب السياسية في العراق، وهي أن يصبح القوة السياسية الأولى في نظام يسمح، في ظلّ غياب سيادة القانون الحقيقية، بالوصول إلى السلطة بدون أن يكون عرضة للمحاسبة أمام الشعب أو المؤسسات”.
– صلات عميقة –
ويعتبر منصور أن الإفراج عن قاسم مصلح بعد أسبوعين على توقيفه بشبهة تورطه في اغتيال ناشطين، “يظهر مدى عمق صلات الحشد في الدولة، حتى أن صلاته أعظم من صلات رئيس الوزراء” مصطفى الكاظمي الذي يقدّم نفسه كمدافع عن ناشطي “ثورة تشرين”، دون أن يتمكن حتى الآن من محاسبة قتلتهم.
وكان مصلح أوقف في 26 أيار/مايو بشبهة اغتيال الناشط إيهاب الوزني، رئيس تنسيقية الاحتجاجات في كربلاء الذي كان يحذّر منذ سنوات من خطورة هيمنة الفصائل المسلحة الموالية لايران وأردي برصاص مسلّحين أمام منزله. كما اتهم باغتيال ناشط آخر هو فاهم الطائي من كربلاء أيضاً.
وبات عناصر الحشد موجودين في جميع مفاصل القوات الأمنية، وفق ما يقول مسؤول عراقي كبير لفرانس برس، لدرجة أنهم “لم يعودوا يخشون” تلك القوات.
ويضيف الضابط الذي طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية المسألة “الفصائل المسلحة المنضوية تحت الحشد تعمل على تفكيك ما تبقى من الجيش من أجل إضعافه وتفتيته”، و”لكن لا يزال هناك عدد قليل من القادة المخلصين الذين يحاولون الصمود في وجه هذه المحاولات”.
ونتيجة لكل ذلك، لم تعد القاعدة الشعبية للحشد التي حلّ بفضلها في المركز الثاني في البرلمان بعد تشكيله أول قائمة انتخابية في الانتخابات التشريعية لعام 2018، هي طريقه الى السلطة والنفوذ.
وتقدّر مصادر سياسية في الحشد بأن نتيجته في الانتخابات المقبلة المقرّرة في تشرين الأول/أكتوبر ستكون أسوأ من المرة السابقة. إذ يأتي الاستحقاق بعد “ثورة” تشرين الأول/أكتوبر 2019 حينما تظاهر مئات الآلاف من العراقيين أشهراً في الشوارع ضد النظام، فيما يتهمّ المتظاهرون الفصائل المنضوية في الحشد بالمسؤولية عن اغتيالات طالت ناشطين شاركوا في هذه الحركة الاحتجاجية وعن القمع الدموي الذي ووجهت به وأودى بحياة 600 شخص.
ودُمج الحشد في أجهزة الدولة في خضم الحاجة اليه خلال المعارك مع تنظيم الدولة الإسلامية على الرغم من معارضة النواب الأكراد والسنة.
ووسط كل هذا، تسعى الأحزاب السياسية التي تتقاسم الحصص في المؤسسات العامة وفي الحكم الى التمسك بنفوذها، فتتوافق، وفق منصور، على “رئيس وزراء يكون حلاً وسطاً يمكنه أن يكون وجهاً للإصلاح ولكن يختبىء خلفه في الواقع نظام سياسي سام”، وتترك لنفسها هامشا من المناورة.
وفيما يستحوذ الفساد على جميع مؤسسات الدولة وجميع الأحزاب، تحتفظ بعض الأحزاب أيضاً بالسلاح. أما الحشد الشعبي الذي يملك ترسانة عسكرية كبيرة، فينشط أيضا من خلال مجموعات مسلحة موازية بأسماء غامضة يتمكن من خلالها من تسديد ضربات معينة دون المخاطرة بأن توجه اليه أصابع الاتهام، مثل استهداف مصالح أميركية مثلا.
ويرحب قادة الحشد إجمالا بإطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار ضدّ أهداف أميركية في العراق، لكنهم لا يتبنونها.
– خصومات –
وتسيطر مجموعات من الحشد الشعبي على منافذ حدودية وأرصفة موانئ في العراق عبر الفساد والرشاوي التي تملأ خزائنها بأموال لا تحتاج إليها لدفع رواتب عناصرها لأنها مندمجة في القوات الرسمية وتتلقى رواتبها من الدولة.
ويقول الخبراء إن دولارات الرشاوى والابتزاز قد تفيد في النهاية أكثر من جهة، لا سيما إيران المجاورة الخاضعة للعقوبات الأميركية وحلفائها الإقليميين مثل حزب الله اللبناني.
على سبيل المثال، يروي مسؤول مصرفي عراقي كبير أن “سياسيين ورجال ميليشيات ينقلون مبالغ مالية نقدية منذ 18 عاماً على متن طائرات إلى لبنان”، مشيرا الى أن “60 مليار دولار أرسلت إلى لبنان”.
وللمفارقة، فإن الجهة الوحيدة القادرة على أن تكون منافسة فعلياً لفصائل الحشد، هو مقتدى الصدر، زعيم الميليشيا السابق، وفق ما يؤكد مسؤول عراقي لفرانس برس.
ويضيف أن الصدر، صاحب القدرات المالية والعسكرية، يشكّل “شوكة في خاصرة الفصائل الموالية لإيران التي تحاول صنع نموذج للحرس الثوري في العراق”.
وتشكّل تلك الخصومة، كما يؤكد خبراء ومسؤولون، السبب الوحيد الرادع أمام تحوّل الفصائل إلى نسخة مماثلة تماماً للحرس الثوري الإيراني.
سبح – ع ك/لو/رض