الصين.. بين جاذبية التحديث وكابوس الأمن السيبراني

سيريا مونيتور

في خضم السباق العالمي نحو التحوّل الرقمي، تفرض الصين نفسها كأحد أهم اللاعبين الدوليين الساعين إلى تثبيت مكانتهم كـ”قوة تكنولوجية عظمى”.

 

ومن خلال تقديم تقنيات متطورة وحلول عالية الكفاءة بأسعار شديدة التنافسية، أصبحت بكين شريكاً تقنياً مفضّلاً لعدد متزايد من الدول العربية التي تسعى إلى تسريع خططها للتحول الرقمي وتعزيز بناها التحتية التكنولوجية.

 

لكن في مقابل هذه الفرص الواعدة، يبرز جانب آخر أكثر حساسية وخطورة؛ إذ إن الاعتماد المتزايد على التقنيات الصينية لا يثير التساؤلات فحسب، بل يطرح مخاطر استراتيجية عميقة تتعلق بأمن البيانات الوطنية والسيادة الرقمية..

 

خلف واجهة الابتكار التقني والإغراءات السعرية، تتنامى المخاوف من تراجع السيطرة المحلية على أنظمة الاتصالات، ووجود احتمالات لوجود ثغرات أمنية أو “أبواب خلفية” قد تُستغل في نقل المعلومات الحساسة، ما قد يترك انعكاسات طويلة المدى على استقلالية القرار السيادي وقدرة الدول على حماية فضائها الرقمي.

 

التكنولوجيا الصينية.. معجزة أم تهديد خفي؟

 

شهدت الصين قفزات تكنولوجية هائلة في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات وتقنيات الجيل الخامس، حيث تصدرت شركات مثل “هواوي” و”علي بابا” المشهد العالمي بتقديم حلول متكاملة تغري الدول العربية. وفي المقابل هذه الشركات تعتمد على دعم حكومي كبير وتخضع لقوانين صارمة تفرض عليها التعاون مع الأجهزة الأمنية الصينية.

 

يقول الدكتور محمد خليف، عضو مجلس بحوث الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر، لـ”بزنس برس”، إن “عدة وقائع أثبتت وجود ثغرات أمنية خطيرة في الأجهزة منخفضة الكلفة، مثل أنظمة المراقبة وأجهزة إنترنت الأشياء، والتي يمكن أن تشكل منافذ سهلة للاختراق، كما أن الاعتماد المفرط على مورّد واحد يخلق أخطاراً إضافية مرتبطة بالتركيز التكنولوجي واحتكار التكنولوجيا وصعوبة الاستبدال عند حدوث أزمات أو توترات سياسية”، مضيفاً أن “التداخل الكبير بين الأطر التشريعية في بعض الدول وممارسات الشركات التقنية، يجعل استقلالية هذه الشركات موضع شك”.

وتتزايد المخاوف الأمنية المرتبطة باستخدام التقنيات الصينية، خاصة في ظل غياب الشفافية حول آليات عمل العديد من الشركات التكنولوجية هناك؛ فقد سُجّلت حول العالم حوادث متكررة لتسريب بيانات المستخدمين في كل من إفريقيا وآسيا.

 

وعلى سبيل المثال، في 30 حزيران/يونيو الماضي، كشفت شركة “ويز” الأمريكية المتخصصة في أمن الإنترنت، ومقرها نيويورك، عن عثورها على بيانات حساسة تابعة لشركة “ديب سيك” الصينية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، بعد أن تُركت متاحة على الإنترنت دون أي حماية.

 

البيانات المسرّبة تضمنت أكثر من مليون سطر من محادثات المستخدمين وردودهم ومعلوماتهم الشخصية، ما دفع الشركة الصينية إلى حذف البيانات بعد ساعة واحدة فقط من الكشف عن الواقعة.

 

هذه الحادثة تسلّط الضوء على هشاشة أنظمة الحماية في بعض المنصات الصينية وتفتح الباب أمام تساؤل مشروع: هل يمكن أن تكون محادثاتنا مع منصات الذكاء الاصطناعي الصينية معرّضة للتسريب أيضًا؟

 

في تقرير صدر في يناير 2025، كشفت شركة Wiz Research عن قاعدة بيانات مفتوحة تابعة لشركة ديب سيك، ما سمح بالسيطرة الكاملة على عملياتها وتعريض بيانات حساسة تشمل محادثات مستخدمين ومفاتيح API للخطر، وفقاً لتحليلات الشركة التي أثارت جدلاً في الأوساط التقنية.

 

ومع ذلك، لم يمنع ذلك اندفاع التحقيقات الرسمية، حيث طالب سيناتورون أمريكيون في أغسطس 2025 بمزيد من الشفافية، بينما وصف موقع Krebs on Security الحادث في فبراير 2025 بأنه “هجوم سيبراني كبير” أدى إلى تعرض بيانات الملايين، ما يعكس هشاشة المنظومات الرقمية في مواجهة الثغرات غير المقصودة.

معالجة هذا التحدي تتطلب رؤية شاملة تتجاوز الاعتماد على طرف واحد أو نموذج تقني بعينه، من خلال:

  • الاستثمار المكثّف في تطوير القدرات المحلية لتمكين السيطرة الوطنية على أنظمة الاتصالات وإدارة البيانات.
  • تنويع الشراكات التقنية لضمان التوازن بين المصالح الاقتصادية ومتطلبات الأمن السيبراني.
  • بناء تحالفات دولية شفافة وموثوقة تضمن تبادل الخبرات وحماية المصالح المشتركة.

وفي ظل تصاعد حدة المنافسة في الفضاء السيبراني وتعقّد المشهد الجيوسياسي العالمي، باتت السيادة الرقمية اليوم إحدى الركائز الاستراتيجية للأمن القومي، وعنصرًا حاسمًا في إعادة تشكيل موازين النفوذ الإقليمي والدولي خلال العقود المقبلة. فالتأخر في إدراك هذه التحولات قد يضعف القدرة على حماية القرار السيادي ويقلل من مساحة المناورة في عالم سريع التغيّر.

Read Previous

الرئيس الشرع يلتقي نظيره اللبناني ميشال عون في الدوحة

Read Next

الشيباني في لقاء مع نظيره الأردني يؤكد على وحدة الجراح السورية وإعادة الحقوق لأصحابها

Most Popular