سيريا مونيتور:
في وقتٍ كان فيه جمهور الثورة السورية يطالب بمحاسبة المجرمين والمتورطين مع النظام السوري، بما في ذلك رجال الأعمال الذين كانوا واجهات اقتصادية للنظام، عادت بعض هذه الأسماء إلى الواجهة عبر بوابة “التسويات” التي تطرح تساؤلات حول دوافع عودتهم وتبعات ذلك على مستقبل الاقتصاد السوري.
لطالما لعب رجال الأعمال المرتبطون بالأنظمة الحاكمة دوراً محوريّاً في تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي، مستفيدين من الامتيازات التي منحت لهم لقاء ولائهم. في سوريا، كان هؤلاء يمثلون الواجهة المالية للنظام السابق، حيث أسهموا في دعمه وتمويله طوال سنوات الحرب، من خلال عقود احتكارية وشبكات اقتصادية معقدة. بعد سقوط النظام، أصدرت الحكومة السورية الجديدة قرارات بتجميد الأصول والحسابات المصرفية لرجال الأعمال والشركات المرتبطة بالنظام السابق، كما شكّلت لجنة تحقيق في أعمالهم. ورغم ذلك، منذ أكثر من شهر، تصدرت الأوساط الإعلامية أنباء عن عودة كبار رجال المال، المعروفين بالأوليغارشيين، الذين كانت لهم صلات وثيقة بالنظام السابق. وعلى الرغم من مطالب السوريين بمحاسبتهم، بادرت الحكومة الجديدة إلى عقد اجتماعات معهم، ما أثار تساؤلات حول أهداف هذه الخطوة.
من أبرز الأسماء التي عادت إلى الواجهة محمد حمشو، الذي كان من أبرز رجال الأعمال المقربين من ماهر الأسد. حمشو، الذي تولى عدة مناصب مرموقة في المجال الاقتصادي، مثل رئاسة مجموعة حمشو الدولية ورئاسة مجلس رجال الأعمال السوري-الصيني، كان له دور بارز في تعزيز نفوذه السياسي والاقتصادي.
أما سامر فوز، الذي صعد بسرعة كبيرة إلى واجهة الاقتصاد بعد اندلاع الثورة السورية، فقد أثار العديد من التساؤلات حول مصادر ثروته واتهاماته في قضايا جنائية. فوز، الذي استحوذ على مشاريع وشركات كانت تعود لرجال أعمال غادروا سوريا بعد الثورة، يمتد نشاطه إلى تركيا حيث يملك استثمارات متنوعة.
إلى جانب حمشو وفوز، برز اسم بلال النعال، الذي أكدت مصادر عودته إلى سوريا لتسوية وضعه مع الحكومة الجديدة. النعال، الذي بدأ مشواره في عالم الأعمال كتاجر خردوات، استفاد من علاقاته القوية مع بعض الشخصيات السياسية للحصول على صفقات تجارية مشبوهة.
أيضاً، تردد اسم فهد درويش، الذي يعتبر الذراع الاقتصادية لإيران في سوريا، حيث أسهم في تسهيل دخول المنتجات الإيرانية إلى السوق السورية. درويش، الذي يحمل الجنسية الإيرانية، يُعتقد أنه كان يعمل كوسيط لمصالح إيران الاقتصادية في سوريا.
عودة رجال الأعمال المقربين من النظام السابق أثارت جدلاً واسعاً حول طبيعة أدوارهم ومصداقية استثماراتهم. وفقًا للمحلل الاقتصادي فراس شعبو، فإن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا مستثمرين حقيقيين، بل كانوا جزءًا من شبكة فساد كانت تديرها السلطة. هذا يطرح تساؤلات حول شرعية أموالهم وارتباطاتهم الدولية، خاصةً بالنظر إلى شبكة علاقاتهم الواسعة مع القوى الإقليمية.
شعبو أشار إلى أن مسألة إدماج هؤلاء الأشخاص في المشهد الاقتصادي السوري يجب أن تخضع لمعايير صارمة، مع ضرورة التحقيق في مصادر تمويلهم والتأكد من عدم تورطهم في انتهاكات أو تلاعبات مالية.
من جانبه، يرى الصناعي سعيد نحاس أن المحاسبة ضرورية، ولكن يجب أن تتم وفق معايير دقيقة تميز بين من دعم النظام السابق أو شارك في انتهاكاته، وبين من كان مضطراً للعمل تحت سلطته.
فيما حذر ياسر أكريم، عضو غرفة تجارة دمشق، من العواقب السلبية لتطبيع وجود رجال الأعمال الفاسدين من دون محاسبة، حيث أشار إلى أن هذه التسويات قد تمثل تهديداً حقيقياً لمستقبل سوريا الجديدة. أكريم يرى أن تسوية أوضاع هؤلاء الأشخاص قد تعني إعادة تدوير الفساد بشكل ممنهج، ما قد يرسخ فكرة أن الفساد ليس جريمة ويمكن التسوية بشأنه لاحقاً.
وفي المقابل، يرى بعض المتابعين أن أموال هؤلاء رجال الأعمال هي أموال سورية في النهاية، ويجب إعادة استثمارها داخل البلاد بدلاً من تجميدها أو تهريبها. لكن التحدي يكمن في كيفية استثمار هذه الأموال بشكل شفاف وفي إطار يتماشى مع المبادئ القانونية والعدالة الاجتماعية.