تحت عنوان “لا تزال الحرب مشتعلة في بلدة حدودية سورية في قلب طموح إيران الإقليمي” أوردت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً تناولت فيه التنافس الحاصل بين كلّ من الميليشيات الإيرانية والمرتزقة الروس وقوات النظام للسيطرة على مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، بريف دير الزور الشرقي.
إن الاضطرابات المتداخلة تركت كثيرا من مناطق محافظة دير الزور مدمرة وغير قابلة للترميم. كما لا يزال العديد من السكان في عداد المفقودين أو النازحين، ولا تزال الحرب ضد الجماعات (الإرهابية) -المقصود بها تنظيم الدولة- محتدمة.
على الطرق السريعة الرئيسية، تفسح الجرارات والشاحنات الطريق لقوافل من العربات العسكرية الأميركية والروسية. وفي السماء، تحلّق مروحيات هجومية فرنسية وأميركية، ولا تزال قوات التحالف الخاصة تحتفظ بقواعدها.
في مدينة البوكمال، يكون مزيج اللاعبين والتنافس على النفوذ أكثر قوة: الميليشيات “الشيعية” من العراق وإيران ولبنان -ومن بينها “حزب الله”- وكذلك المرتزقة الروس ورجال القبائل “السنية” وقوات النظام، بينما القوات “الكردية” تراقب عبر النهر .
أصبحت هذه المدينة الحدودية الجيب الأكثر استراتيجية في المنطقة. من يؤمن العبور هنا يكون له رأي مهم في الأحداث على جانبي نهر الفرات. ويقول ضابط “كردي” يقف على التلال المطلّة على قرية الباغوز: “لهذا السبب نحن هنا، نشاهد المشهد. كل تلك الأرض التي أمامنا ستُحارب لسنوات قادمة”.
في أواخر آب، استيقظ المقاتلون “الأكراد” ليلاً بسبب دوي الانفجارات التي وقعت على مسافة قريبة. وقال ضابط آخر: “كنا نسمع صوت الطائرات، لكنها لم تكن هناك لوقت طويل. علمنا لاحقًا أنها إسرائيلية. ضرباتها مختلفة عن الضربات الأميركية”.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، أصابت الضربات الجوية بانتظام البوكمال ومداخلها، وكذلك بلدة القائم الواقعة على الحدود العراقية. وكانت الأهداف مواقع مرتبطة بميليشيات مدعومة من إيران تستخدم المدينة لنقل الأسلحة والأموال من العراق إلى سوريا. إذ أصبحت البوكمال الطريق الرئيسي لمشروع إيراني عمره ثلاثة عقود يهدف إلى تأمين قوس (هلال) النفوذ الإيراني الممتد من العراق ويمر عبر سوريا وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط.
كان إنشاء مثل هذا الوصول، الذي من شأنه أن يعزز أيضًا جسرًا في سوريا لميليشيا “حزب الله” اللبنانية، هدفًا استراتيجيًا للجنرال الإيراني قاسم سليماني وحليفه أبو مهدي المهندس، اللذين اغتيلا في غارة جوية أميركية في بغداد أوائل عام 2020.
تم الإبلاغ عن خطط إيران لإنشاء الممر لأول مرة عبر صحيفة (ذا أوبزرفر) في تشرين الأول 2016، ومنذ ذلك الحين تكثفت الجهود في السنوات الخمس -خاصة بعد مقتل سليماني. قال الضابط الكردي: “الضربات الجوية منتظمة إلى حد ما. إنها قصيرة وعادة ما تكون ضارة للغاية. وهم يعرفون ما يريدون ضربه”.
أصيب خمسة أشخاص في هجوم يشتبه أنه بطائرة من دون طيار إسرائيلية على المدينة في الـ8 من تشرين الأول الجاري. كما أسفر هجوم أكثر أهمية، في الـ21 من أيلول الفائت عن مقتل خمسة.
وبالعودة إلى كانون الثاني، قُتل العشرات في أكبر الهجمات حتى الآن. وقال الجندي “الكردي” وهو يحدق بمنظار باتجاه موقع عسكري لقوات النظام: “إنهم لا يزعجوننا أبدًا. لست متأكدًا من أن ذلك يزعج الإيرانيين أيضًا. لا تزال البوكمال مشغولة للغاية. وهناك كثير من عمليات التهريب عبر مدينة القائم العراقية، وبعضها يعبر النهر في قوارب”.
يقول سكان البوكمال إن البلدة تغيرت بشكل كبير منذ الإطاحة بتنظيم “الدولة”. ويقول العامل خالد سهيل: “عندما انتقل (الشيعة)، كان هناك نفس القدر من الخوف. لدى الإيرانيين كثير من الأموال لإنفاقها وقد أثروا في العشائر. لكنهم ليسوا الأسوأ، لأن قوات الحشد الشعبي -التي أنشئت عام 2014 لمحاربة التنظيم- هي التي تخيف الجميع. إنهم شيعة وطائفيون للغاية”.
ثلاثة من سكان البوكمال أكدوا اعتقاد المسؤولين الأوروبيين بأن الضابط الإيراني، الذي يستخدم الاسم الحركي “الحاج عسكر” هو شخصية مهمة. فالميليشيا التي يقودها -اللواء 47 من كتائب حزب الله العراقي الموالي لإيران- تسيطر على معظم المدينة، لكنها أبعدت السكان وزعماء القبائل.
وينحدر معظم المجندين المحليين في اللواء 47 من قبيلتي المشاهدة و(الجغيفي). ويقول أحد سكان البوكمال: “إنهم من باعوا البلدة لإيران. وقد فعلوا ذلك بثمن بخس. إنهم يساعدون في التهريب، وهذا لن ينتهي بشكل جيد”.
يقول مواطن آخر: “إنهم يشقون طريقهم إلى المنطقة. هناك أناس يصلون مثل (الشيعة). ما يحدث هناك يغيّر ليس فقط المنطقة ولكن المدينة نفسها. هناك مدارس تعلم التاريخ الفارسي، والزعماء الدينيون (الشيعة) لهم تأثير على المجتمعات. إنهم أقوى من جيش بشار، الذي يقف مكتوف الأيدي بينما تضع إيران وأصدقاؤها خططهم الخاصة”.
عبر نهر الفرات في الباغوز، حيث خاض تنظيم “الدولة” آخر معاركه في أوائل عام 2019، ينفّذ ضباط “أكراد” من “قوات سوريا الديمقراطية/ قسد” المدعومة من الولايات المتحدة دورياتهم، وهم يتطلعون إلى جنود النظام على النصف الآخر من الجسر المنهار الذي كان يربط بين البلدات .
قالت المقاتلة “أجين عفرين” إن الجسر “أسقطه التنظيم لمنع الآخرين من مهاجمتهم”. ثم حاولوا بناء جسر خاص بهم. وأشار إلى كومة من الصخور في منتصف الطريق عبر المياه بطيئة الجريان، وأضافت: “عندما تهطل الأمطار ستغطي الباقي. نحن نرى النظام كل يوم، وهم لا يمكنهم فعل أي شيء من جانبهم أو من جانبنا”.
وتابعت عفرين: “لقد قاتل الجميع على هذه الأرض. مات ما لا يقل عن 5000 شخص من التنظيم في المدينة الواقعة خلفنا (الباغوز). كثيراً ما أتساءل لماذا هنا؟.. كيف أصبح هذا الجزء من الشرق الأوسط مهمًا جدًا في التاريخ؟ وكيف سيبدو بعد عامين؟”.
وقال أحد الضباط الأكراد: “يعتقدون أنها أرضهم، وآخرون لهم رأي في ذلك بمن فيهم نحن. لا أرى نهاية للقتال”.