“القدس العربي” تنشر تفاصيل الرسائل المتبادلة بين وزارة الدفاع السورية و”قسد”

منهل باريش

في تطور يعكس تعقيدات المفاوضات السورية الداخلية، تسلّمت وزارة الدفاع في الحكومة السورية الانتقالية، يوم السبت 20 كانون الأول/ديسمبر، ردّ قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على “المقترح التفصيلي لانضمام قسد إلى الجيش السوري”.

وكان هذا المقترح قد أرسله وزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبو قصرة إلى قائد قسد الجنرال مظلوم عبدي، في سياق تنفيذ اتفاق 10 آذار/مارس 2025، الذي يهدف إلى دمج قسد ضمن مؤسسات الدولة السورية قبل نهاية العام. ويأتي هذا التبادل وسط توترات متزايدة، إذ تتهم دمشق قسد بالمماطلة، بينما تطالب قسد بحقوق إدارية وعسكرية إضافية، ما يهدد بانهيار الاتفاق الذي حدد مهلة تنتهي بنهاية 2025.

اطلعت “القدس العربي” على أبرز النقاط في الورقتين المكتوبتين، اللتين تكشفان عن فجوات جوهرية في الرؤى بين الطرفين. وبحسب المقترح الذي قدّمه أبو قصرة في 7 كانون الأول/ديسمبر، وافقت دمشق على تشكيل ثلاث فرق عسكرية لـ“قسد” في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، بواقع فرقة لكل محافظة أي مجموع مقاتلين من 15 ألفاً بواقع 5 آلاف مقاتل لكل فرقة بحسب التقسيمات الجديدة. على أن “قسد” كانت تقدّر الفرقة الواحدة بنحو 20 ألفا بحسب التقسيمات القديمة للجيش السوري حيث تقوم الفرقة على 3 ألوية. وهذه نقطة أخرى قد تكون خلافية لأنها تعني عملياً تقليص قوات “قسد” إلى ربع، لكونها تقول إن لديها أكثر من 100 ألف مقاتل.

وافقت دمشق على تشكيل ثلاث فرق عسكرية لـ“قسد” في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، بواقع فرقة لكل محافظة، أي مجموع مقاتلين من 15 ألفاً بواقع 5 آلاف مقاتل لكل فرقة بحسب التقسيمات الجديدة

وشدد مقترح وزارة الدفاع السورية على مراعاة تمثيل المجتمعات المحلية الحقيقي داخل كل فرقة، لضمان توازن يعكس التنوع الاجتماعي في المنطقة الشرقية. كما حدّد أن تندرج هذه الفرق تحت مظلة وزارة الدفاع مباشرة، مع منح قادتها رتباً عسكرية مشابهة لرتب قادة الفرق التابعة للوزارة (رتبة عميد وفق التقسيمات الإدارية الجديدة)، وذلك لتسهيل الاندماج الهيكلي دون إثارة خلافات رتبية بين الفرق.

ومع ذلك، تجنّب المقترح الخوض في تفاصيل “قائمة التسميات” التي قدّمتها قسد سابقاً، والتي تضم نحو 50 اسماً لمنح رتب لواء وعميد وعقيد، بما في ذلك مظلوم عبدي نفسه. ويُعتقد أن هذا التجنب مقصود لتفادي تصعيد الخلافات قبل التوصل إلى اتفاق شامل.

قوات حماية المرأة

بالإضافة إلى ما سبق، لم يتطرق “مقترح الانضمام” إلى ملف قوات حماية المرأة (YPJ)، أو جهاز الأمن الداخلي “الأسايش”، وإمكانية إلحاقهما بوزارة الداخلية، وهو إغفال يُرجّح أنه ناتج عن تداخل الصلاحيات، ما يتطلب تفاهماً سياسياً مباشراً بين الرئاسة السورية وقسد. وتعكس هذه النقاط الحساسة حذر دمشق من منح قسد هياكل مستقلة قد تتحول إلى كيانات موازية، كما حدث في تجارب سابقة.

وأرفق الوزير أبو قصرة مقترح الانضمام بملحق إضافي ركّز فيه على ملفي الحدود والنفط، اللذين يُعدّان أساسيين لاستعادة السيادة الوطنية، إذ اعتبر أن المعابر والحدود قضية سيادية يجب أن تديرها السلطة المركزية حصرياً، مع تحملها مسؤولية الأمن والحماية تجاه دول الجوار مثل تركيا والعراق.

النفط والغاز

كما أكد أن النفط والغاز والثروات الباطنية مقدرات وطنية عامة، مطالباً قسد بتسليمها فوراً إلى الوزارات المختصة، لضمان توزيع العائدات عبر الموازنة العامة، بدلاً من السيطرة المحلية الحالية التي تثير اتهامات بالفساد والتهريب.

دعا المقترح قسد إلى تسليم مؤسسات الدولة وإلحاق المديريات في المناطق الخاضعة لسيطرتها بالوزارات التابعة لها في دمشق، لإنهاء حالة الانفصال الإداري الفعلي التي تعيق الوحدة الوطنية

أما في الجانب المدني، فدعا المقترح قسد إلى تسليم مؤسسات الدولة وإلحاق المديريات في المناطق الخاضعة لسيطرتها بالوزارات التابعة لها في دمشق، لإنهاء حالة الانفصال الإداري الفعلي التي تعيق الوحدة الوطنية.

رد قسد… مزيد من الألوية وملف الحدود

في المقابل، أرسلت قسد رداً مكتوباً موقّعاً باسم “الجنرال مظلوم عبدي” بعد 13 يوماً من تسلمها المقترح. ورحّب الرد بقبول الحكومة السورية مبدأ تشكيل الفرق العسكرية، معتبراً إياه مطلباً أساسياً لتطبيق اتفاق 10 آذار/مارس، لكنه اشترط -إضافة إلى الفرق الثلاث— إنشاء ثلاثة ألوية مستقلة: لواء حماية المرأة، ولواء مكافحة الإرهاب، ولواء حرس الحدود.

وعلى صعيد هيئة الأركان، اقترحت قسد ضم 35 ضابطاً إلى الإدارات والهيئات في وزارة الدفاع، مع ضمان تمثيل دائم لها في قيادة الأركان. كما طالبت بتعيين نائب وزير دفاع مخصص للمنطقة الشرقية، لضمان تمثيل إقليمي.

أما بشأن تسليم ملف الحدود للسلطة المركزية، فقد رفضت قسد ذلك بصيغته المقترحة، واقترحت بديلاً يشمل إدخال دوريات ومشرفين من وزارة الدفاع، وتسيير دوريات مشتركة بالتنسيق مع “حرس الحدود” الذي تقترح قسد تشكيله. كما حدّد الرد عدد العربات أو الآليات المسموح بدخولها مناطق سيطرة قسد، معتبراً أن الدخول يجب أن يتم عبر التحالف الدولي لتجنب أي تصعيد.

رحّب رد قسد بقبول الحكومة السورية مبدأ تشكيل الفرق العسكرية، معتبراً إياه مطلباً أساسياً لتطبيق اتفاق 10 آذار/مارس، لكنه اشترط -إضافة إلى الفرق الثلاث— إنشاء ثلاثة ألوية مستقلة: لواء حماية المرأة، ولواء مكافحة الإرهاب، ولواء حرس الحدود

في حين اعتبرت قسد أن ملف النفط والإدارة المحلية وتسليم مؤسسات الدولة للحكومة الانتقالية في دمشق جزء من اتفاق سياسي يجب مناقشته في مسار منفصل عن مسار الانضمام العسكري، مشددة على ضرورة حل دستوري لا مركزي يسمح لأبناء المنطقة بإدارة شؤونهم.

الرد السوري: “إحباط واضح”

تسلّمت الحكومة السورية الرد، وما زالت تدرس تفاصيله، محاولةً إعادة تدوير الزوايا لمنع الانزلاق نحو مواجهة عسكرية، مع تفضيل خيار المفاوضات والحل السلمي. واكتفت حتى الآن بتصريح نقلته وكالة الأنباء الرسمية “سانا” عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية والمغتربين، يعكس إحباطاً واضحاً من رد قسد.

وأكد المصدر أن دمشق تسعى لنقل النقاش حول الاتفاق مع قسد من مستوى الشعارات إلى اختبار الوقائع على الأرض، معتبراً أن التكرار اللفظي للتأكيد على وحدة سوريا لا ينسجم مع الواقع القائم في شمال شرق البلاد، حيث تعمل مؤسسات إدارية وأمنية وعسكرية خارج إطار الدولة، ما يكرّس الانقسام بدلاً من علاجه.

وبحسب المصدر، فإن الحديث عن دمج مؤسسات شمال شرق سوريا ضمن مؤسسات الدولة بقي نظرياً، دون خطوات تنفيذية أو جداول زمنية واضحة، ما يفتح باب التشكيك في جدية الالتزام باتفاق 10 آذار. كما أشار إلى أن الخطاب المتكرر من قيادة قسد بشأن استمرار الحوار مع الدولة لم يترجم إلى نتائج ملموسة، معتبراً أنه يُستخدم إعلامياً لامتصاص الضغوط السياسية، في ظل جمود فعلي وغياب إرادة للانتقال إلى التطبيق.

وفي الشق العسكري، ركّز المصدر على التناقض بين الحديث عن تفاهمات واستمرار وجود تشكيلات مسلحة خارج الجيش السوري بقيادات مستقلة وارتباطات خارجية، مؤكداً أن ذلك يمس السيادة ويعرقل الاستقرار. ووسّع النقد ليشمل ملف المعابر والحدود، معتبراً أن السيطرة الأحادية عليها واستخدامها كورقة تفاوض يتنافى مع مبادئ السيادة الوطنية.

أما في ملف النفط، فرأى المصدر أن تصريحات قيادة قسد بأن النفط “ملك لجميع السوريين” تفقد مصداقيتها طالما أن الإدارة ليست عبر مؤسسات الدولة ولا تدخل العائدات في الموازنة العامة. وأضاف أن الحديث عن “تقارب” في وجهات النظر يبقى بلا قيمة عملية ما لم يتحول إلى اتفاقات رسمية واضحة بآليات تنفيذ محددة ومجدولة زمنياً.

وختم بالإشارة إلى أن الطرح الحالي لـ“اللامركزية” يتجاوز الإدارة المحلية إلى لامركزية سياسية وأمنية قد تهدد وحدة الدولة وتكرّس كيانات أمر واقع. كما انتقد مقولة إدارة المنطقة من قبل “أهلها”، معتبراً أنها تتجاهل واقع الإقصاء السياسي واحتكار القرار وغياب التمثيل الحقيقي للتنوع المجتمعي في شمال شرق سوريا.

ويعكس هذا التصريح حالة الغضب في دمشق من رفض قسد تقديم تنازلات قبل إنجاز الاتفاق العسكري، مع اعتبار القضايا السياسية والإدارية ثانوية، رغم أنها تقوض سيادة الدولة.

Read Previous

قائد “قسد” مظلوم عبدي يصل إلى دمشق

Most Popular