علي درويش
“المحن الحقيقية لم تمر بعد علينا، كل هذه مقدمات”، كلمات قالها مسؤول “حركة أحرار الشام” في المنطقة الشرقية سابقًا، حسين عبد السلام، لقناة “الجزيرة” القطرية في فيلم أعدته عن “أحرار الشام” ونُشر في آذار 2016، واصفًا المصاعب التي واجهت “الحركة” منذ تأسيسها مرورًا بمواجهاتها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” بأنها “مقدمات”، وذلك قبل مقتله مع قادة “الحركة” في أيلول 2014.
كان مقتل قادة الصف الأول في “حركة أحرار الشام” أبرز المصاعب التي واجهتها منذ تأسيسها، وعلى الرغم من استمرار القوة العسكرية لـ”الحركة” لاحقًا، لا تزال ارتدادات هذه العملية حتى اللحظة.
قاد “الحركة” بعد مقتل مؤسسها وقائدها الأول، حسان عبود الملقب بـ”أبو عبد الله الحموي”، المهندس هاشم الشيخ الملقب بـ”أبو جابر”، لكنه قدم استقالته لمجلس شورى “الحركة” بعد عام واحد، لإتاحة الفرصة أمام خبرات جديدة، بحسب تعبيره.
وتسلّم القيادة مهند المصري الملقب بـ”أبو يحيى الغاب”، ثم علي العمر، وخلفه الشيخ حسن صوفان، الذي عاد نجمه إلى الصعود خلال الأيام الأخيرة نتيجة خلافات داخل “الحركة” تضع مستقبلها ووجودها على المحك، وأخيرًا قائدها الحالي جابر علي باشا.
صوفان العائد من الاستقالة.. مصالح لـ”تحرير الشام”
أعلن صوفان استقالته من قيادة “أحرار الشام” في أيار 2019، ليخلفه القائد الحالي جابر علي باشا، الذي يحاول صوفان مع قائد الجناح العسكري في “الحركة” النقيب عناد درويش الملقب بـ”أبو المنذر” الانقلاب عليه، وسط اتهامات لـ”هيئة تحرير الشام” بدعمها لصوفان.
وعزا صوفان استقالته حينها لأسباب خاصة، دون الانتماء لأي فصيل أو جماعة، إلا أن اسمه عاد مؤخرًا مع الخلافات الداخلية في “أحرار الشام”.
“صوفان أُخرج من الحركة، بسبب عدم رضا مجلس الشورى أحرار الشام عن سياسته المتفردة”، حسب حديث الباحث في الجماعات “الجهادية”، عباس شريفة، لعنب بلدي.
وبقي إخراجه محل خلاف وحساسية بينه وبين القيادة الحالية، ومع رفض القيادة العسكرية تنفيذ بعض القرارات الصادرة من قائد “أحرار الشام”، تحول الرفض إلى تمرد وانقلاب على القيادة الحالية.
ويرى الباحث عباس شريفة أن ما يجري من مشاكل داخلية في “الحركة”، وعودة حسن صوفان لقيادتها بعد أن كان مستقيلًا منها، يأتي عن توافق بين رغبة قائد “تحرير الشام” (أبو محمد الجولاني)، صاحبة النفوذ الأكبر في إدلب وجزء من ريف حلب الغربي، والجناح الذي يمثله حسن صوفان والقائد العسكري “أبو المنذر”، في إعادة إنتاج شكل جديد من طريقة الإدارة والسيطرة على إدلب، من خلال تقوية اللجنة العسكرية الثلاثية، التي هي بالأصل فكرة حسن صوفان.
وتضم اللجنة العسكرية المشتركة ممثلين، هم “أبو المنذر” من “أحرار الشام” و”أبو حسن 600″ من “هيئة تحرير الشام” إضافة إلى مندوب من “فيلق الشام”.
وينضوي فيلق الشام” و”أحرار الشام” ضمن “الجبهة الوطنية للتحرير” التابعة لـ”الجيش الوطني” المدعوم من تركيا.
كما تنضوي “الجبهة الوطنية” و”هيئة تحرير الشام” و”جيش العزة” ضمن غرف عمليات “الفتح المبين”.
لتتحول اللجنة الثلاثية، حسب الباحث عباس شريفة، من مجرد غرفة عمليات وتنسيق بين “تحرير الشام” و”الجبهة الوطنية” إلى سلطة تندمج فيها الفصائل، وتنتج عنها قيادة مدنية وسياسية، كخطوة على إنهاء مسمى “تحرير الشام” والفصائل.
إضافة إلى تكوين سلطة جديدة “يحاول حسن صوفان ومن معه الإيحاء بأنها خطوة مدعومة من قطر وتركيا على طريق تفكيك تحرير الشام”، لكنها في حقيقتها تعزز من سطوة وسيطرة “تحرير الشام” على الفصائل مع تبديل المسمى فقط.
تفكيك “أحرار الشام” ليس من مصلحة أحد
نفت “تحرير الشام” صاحبة النفوذ الأكبر في إدلب دعمها أي جهة داخل “الحركة” على حساب أخرى، وذلك بعد اتهامات وُجهت لها بدعمها الجناح المعارض في “الحركة”.
لكن، بحسب الباحث عباس شريفة، “إذا علمنا أن المحرك الأساسي لما يجري داخل الحركة هي قيادة تحرير الشام، فإن مصلحتها السيطرة على الحركة”، من خلال القيادة الجديدة المتمثلة بحسن صوفان و”أبو المنذر”.
واستبعد شريفة أن يكون من مصلحة “تحرير الشام” تفكيك “أحرار الشام”، ما يضع الوضع الحالي أمام احتمالات كثيرة، هي انقسام “أحرار الشام” بين موالٍ للقيادة الحالية وبين قيادة صوفان و”أبو المنذر”، أو خروج “الحركة” بكل كوادرها إلى ريف حلب الشمالي، أو المصالحة بين الأطراف وعودة الأمور كما كانت عليه قبل النزاع الأخير.
وجرت اشتباكات مسلحة في 2017 و2018 بين “الحركة” و”تحرير الشام”، أدت إلى انحسار وجود “أحرار الشام” في مناطق إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي، إضافة إلى سيطرة “تحرير الشام” على موارد اقتصادية كانت لـ”الحركة”، أبرزها معبر “باب الهوى” الحدودي، وعتاد عسكري ومقرات وآليات.
الخلاف وصل إلى مراحل متقدمة
تفاقم الانقسام في صفوف “أحرار الشام” ووصل، في 23 من تشرين الأول الحالي، إلى مرحلة الحصار والاستيلاء على مقرات لـ”الحركة” من قبل الجناح المعارض للقيادة العامة، المتمثل بصوفان و”أبو المنذر”.
واستولى الجناح المعارض للقيادة العليا في “أحرار الشام” على عدة مقرات، أبرزها “المقر 101” في مدينة أريحا جنوبي إدلب، ومقرات في قرية الفوعة بريف إدلب الشرقي، حسبما أفاد مراسل عنب بلدي في إدلب.
ونقل المراسل عن عناصر من “أحرار الشام” أن قائدها العام، جابر علي باشا، أمر في وقت سابق بإفراغ المقرات في أريحا والفوعة وأماكن أخرى من العتاد والكتلة البشرية، ونقلها إلى عفرين شمال غربي حلب.
وقال قيادي في “الجبهة الوطنية للتحرير” لعنب بلدي، تحفظ على ذكر اسمه، إن الجناح التابع لجابر علي باشا يرفض الصدام المسلح “مهما حصل” من قبل الجناح المعارض، مع فشل “الجبهة الوطنية”، حتى لحظة إعداد التقرير، في وساطتها لحل الخلاف.
وبدأ الخلاف، في 12 من تشرين الأول الحالي، بعد قرار قيادة “الحركة” فصل قائد قطاع الساحل وتعيين بديل عنه، إلا أن قائد الجناح العسكري في “الحركة”، النقيب عناد درويش، وقائد قطاع الساحل، رفضا قرار القيادة العامة.
وطالب عناد درويش، في بيان، بتعيين القائد السابق للحركة، الشيخ حسن صوفان، قائدًا عامًا لـ”أحرار الشام”، ما يعتبر بمثابة انقلاب على قيادة “الحركة” الحالية، التي أصدرت قرارًا بفصل عناد درويش، وقيدته بالعمل في المجلس العسكري لـ”الحركة”، واستبدلت به “أبو فيصل الأنصاري”.
كما أعفت قيادة “أحرار الشام” النقيب “أبو صهيب” من مهامه كنائب لقائد الجناح العسكري، وعينت بدلًا منه “أبو موسى الشامي”، بينما عينت “أبو العز أريحا” في قيادة اللواء الرديف، بدلًا من “أبو محمود خطاب”.
صوفان العائد من “صيدنايا”
قضى حسن صوفان (أبو البراء) حوالي 12 عامًا في سجن “صيدنايا” السوري، وأُفرج عنه بصفقة تبادل أجرتها “الحركة” مع النظام السوري، في كانون الأول من عام 2016، وكان المسؤول عن الصفقة “الفاروق أبو بكر”، وكان حينها قياديًا في حركة “أحرار الشام”.
ولد حسن صوفان في مدينة اللاذقية، في عام 1979، ودرس العلوم الشرعية في جامعة “الملك عبد العزيز” بالمملكة العربية السعودية، وحصل قبلها على شهادة الاقتصاد من جامعة “تشرين” في مسقط رأسه.
ثم اعتُقل في سوريا، وبدأت تظهر هويته المعارضة، حتى اعتُقل عام 2004، ضمن حملة شنها النظام السوري ضد المعارضين السياسيين.
ووفق شهادات معتلقين في “صيدنايا”، لعنب بلدي، فإن صوفان كان من أعضاء التفاوض في أثناء الاستعصاء الشهير عام 2008، وقالوا إنه “رجل معتدل ومنفتح على الجميع، عُرف عنه وقوفه في وجه التصعيديين الذين انضموا إلى تنظيم (الدولة الإسلامية) و(جبهة النصرة)”.
وحكمت المحكمة على “أبو البراء” بالسجن المؤبد حينها، بينما أعدمت ستة آخرين.
واحتفظ النظام به في السجن، رغم إفراجه عن عشرات المحسوبين على التيار الإسلامي عام 2011، الذين باتوا من قادة الصف الأول للفصائل والتشكيلات الإسلامية، ومنهم زهران علوش، مؤسس “جيش الإسلام”، وحسان عبود، وأحمد الشيخ (أبو عيسى) مؤسس “صقور الشام”.
المصدر : عنب بلدي