باب الأبواب قراءة في حيطان الدم

أحمد عواد إبراهيم
(إلهي ما احببتك وحدي.. ولكن أحببتك وحدك)
ابن عربي

يوسف دعيس يحمل على كاهله اربعة عشر باباً ويروح في رحلة بين الذاكرة والمخيلة.. ذاكرة مدينة مكسورة عينها، ومخيلة قطاة نسيت أفراخها في حقل ألغام على ضفاف نهر اخترع مدينة فأهداها العالم.. القتلة.. أربعة عشر سؤالاً تحفر في حيطان الدم والخرافات والاستهلاك البائس للموت.. كل سؤال تفوح منه رائحة تاريخ عالق في ذروة اللا أخلاق، وحساسية عالم مدان بشهادات ضحاياه، لكنه لا يتوقف عن الاشمئزاز كرجل متماجن يمجد دناءاته.. هي رحلة يوسف القادم من جذور تمعن في تعذيب اللغة، ورثاء كل ما يرثى، متوحد في البكاء حد الحب، إنها تغريبة مدينة تحمل عظامها على ظهرها تخرج من أرض النار لتدخل جنة عدم، وتسلم قيادها لروائي لا يبحث عن إنجاز غرائبي وغامض، ولا يعبد الشوارع بالمراثي بقدر ما ينتج مفاهيم ويُفرغ مفاهيم من مضامينها بانتظار زمن لا يتعكز على جراح وطن اعتلت فيه المعاني كاعتلال زرقة السماء..
اليوم انتهيت من قراءة (باب الأبواب) للكاتب الرقي يوسف دعيس، أحصيت عدد الأبواب التى كانت تنفتح على الحرائق، وقبل أن ينطفئ القلب تمتد إليك يد الباز بياقوتة زرقاء.. يا نار كوني.. يطفو وجه فاطمة على صدر النهر كشمعة من بين أصابع الخضر .. لا بأس عليك.. هو النهر يزف (الحديثات) إلى ممالك الشمس ووادي الملوك.. فاطمة تتمنى أن لا تستيقظ أبداً، وفاطمة هي الرقة، والذاكرة والهوية، وهي الأيقونة التي تحتل الجانب التأملي في الذاكرة.. ذكراة الكاتب، والنهر ليس أكثر من طريق.. (الفاتحة هذا قبر المرحومة فاطمة) قبر يأكله الفراغ والوحشة.. كل باب يفضي إلى قبر ، والقبر حكاية، وتجل لثنائية الموت والحياة.. العقل والجسد.. العام والخاص.. تتداخل الذاكرة والمخيلة، وذوبان الخاص بالعام ليبدو الدربندني الداغستاني ضاحكاً من جلاده متنعماً على ضفاف أزلية.. يلملم حنينه للقاء ابن عطاء السكندري.. يتلو الفاتحة على قبر دون قلعة اجياد.. في مكة حيث الحسنى أشار بيده.. (لا تعيدوني إلى أهلي.. ادفنوني هنا في البيت العتيق..).. هدير طائرة تعبر من فوق الجسر العتيق.. تفرغ حمولتها من أوراق الغار والزهر.. حسين جاهد يلوح لطفلة تلوذ بصاية أمها.. ليست براميل يا فطومه.. إن سماء الرقة تمطر الغار والأزهار.. تركض فاطمة.. تلملم ما تستطيع من مطر الفرح.. تتجه إلى شيخ بلحية بيضاء.. كأنه طالع من مزار صوفي بعيد.. تقدم له ما جمعته من أزهار.. تعود إلى حضن أمها وعلى شفتيها تنبت الحياة..
على مبعدة من قبر مهيب.. محروس من الجندرمة، ثمة قبر مهجور، وباقة أزهار ملفوفة بورقة كتب عليها.. هنا يرقد أدهم الذي قتلوه أهله.. رائحة القهوة تتسرب من شرفة شقة في الدور الثاني.. دخان سيجارة يلتف حول لمبة تتدلى من سقف الشرفة وتنوس ببطء بليد.. تاركة للظلال حركة ناعسة.. صوت يوسف عمر يحرك سكون المكان.. لما أناخوا قبيل الصبح.. عطا الله.. يشبه مولية فراتية، تجتمع فيها جراح الوجود.. الله يا أورفة.. يا واهبة الحنين وصانعة أحلام العاشقين.. لفرات ينتظر من يقطع هجاره..

(كلما اتسعت الرؤية.. ضاقت العبارة..) النفري

Read Previous

المبعوث الألماني إلى سوريا يعلن إعادة افتتاح السفارة في دمشق بعد 13 عامًا

Read Next

معاون وزير الداخلية يتفقد دوريات شرطة المرور في دمشق

Most Popular