قصة المسلات المصرية الفرعونيّة الموزّعة حول العالم.
قد تتفاجأ عندما تزور فرنسا أو إيطاليا أو حتّى تركيا، حيث تجد مسلاتٍ فرعونية شاهقة الطول منصوبةً في هذا الميدان أو ذاك، بلغةٍ هيروغليفية واضحة. فحين تزور منطقة السلطان أحمد في تركيا على سبيل المثال ستلاحظ وجود مسلة فرعونية في الطرف الجنوبي من ميدان جامع السلطان أحمد.
وهي مسلّة كان قد أحضرها من مصر إلى القسطنطينية الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول عام 390 قبل الميلاد. أمر الإمبراطور بحملها على السفن وتثبيتها في مكانها الحالي، وما زالت كما هي على مرّ القرون.
وهذه المسلّة تحديداً بناها الفرعون المصري توت موسيس الثالث في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. وأثناء نقلها من مصر تعرضت للتخريب والضرر فأصبح طولها 18.45 متر، بينما كان طولها الأصلي 30 متراً.
فما هي قصّة المسلات الفرعونية الموجودة خارج مصر؟
المسلّة هي عامودٌ من الغرانيت، رباعي الأضلاع وذو قاعدة مربّعة. وهو عامودٌ ممدود ويضيق تدريجياً إلى الأعلى حيث ينتهي بطرفٍ مُدبَّب (يشبه الهرم). وكانت المسلة تحمل ألقاب الملك الذي بناها، وصلته بإله الشمس رع.
يرجع تاريخ إنشاء المسلات المصرية إلى حوالي 5000 سنة، حيث أقيمت المعابد وشُيِّدت أمامها المسلات، وكتب على أوجه المسلات الأربعة اسم الملك، والسبب الذي جعله يشيّد تلك المسلّة، كما تحتوي أيضاً على تأريخٍ لأبرز الإنجازات التي قام بها، وملامح الحياة وقت تشييدها.
كانت مدينة أسوان هي المدينة التي يأتي منها حجر الغرانيت الضخم الذي تتكوّن منه المسلّة. وتواجدت المسلات الفرعونية في مدن مثل هليوبوليس والفيوم وعين شمس وتانيس في الدلتا وبمعبدي الأقصر والكرنك في صعيد مصر.
كان الفراعنة يقطعون الصخور إلى قطعةٍ واحدةٍ ضخمة، من محاجر الغرانيت في أسوان، ثمّ ينقلونها إلى مكان تشييد المسلّة، ثمّ يصقلونها وينقشونها، وفي أحد هذه المحاجر تُركت مسلّةٌ غير مكتملة الصقل، ووفقاً لما نشره موقع جريدة المصري اليوم، فلو اكتملت هذه المسلّة لصارت أطول وأضخم المسلات الفرعونية، فلو اكتملت لوصل طولها إلى 41 متراً، ووزنها إلى 1168 طناً، بينما أنّ أطول المسلات الفرعونية إطلاقاً في أسوان ويبلغ ارتفاعها 39 متراً.
وسمّيت المسلة في مصر الفرعونية “تخن” أي “الإصبع ذو الإشعاع المضيء”، وعندما جاء اليونانيون مع الإسكندر الأكبر شبهوها بـ”الرمح” بينما سمّاها العرب لاحقاً “إبر الفراعنة”.
أمّا أقدم المسلات المصرية فهي في منطقة عين شمس بالقاهرة، حيث المسلة التي تعود إلى عصر الملك سنوسرت الأول من الدولة الوسطى، والتي قطعت أحجارها من أسوان كالعادة، وتزن حوالي 121 طناً!
وفي تلك المنطقة في عين شمس وجدت أقدم جامعة في التاريخ، وهي جامعة “أون” التي تعلّم فيها النبي يوسف وأرسطو وأفلاطون، وفقاً لما ذكره الدكتور زاهي حواس وزير الدولة لشؤون الآثار المصرية السابق.
وقد وصل عدد المسلات المصرية القديمة إلى 100 مسلّة، لكنّها “اختفت” من مصر في عصورٍ مختلفة، حتّى لم يبق منها في مصر سوى 5 مسلات فرعونية فقط!
مسلات فرعونية حول العالم
كما ذكرنا فإنّه لم يتبقَّ من المسلات المصرية في مصر سوى 5 مسلات فقط، بينما إجمالي المسلات حول العالم يصل إلى 100 مسلة. ولانتقال هذه المسلات خارج مصر قصص. وفد ذكرنا في بداية التقرير قصّة المسلة المصرية الموجودة في إسطنبول، وسنذكر لكم بعض النماذج الأخرى.
المسلات المصرية في فرنسا
يوجد في فرنسا 4 مسلات فرعونية، المسلّة الأهمّ والأشهر هي مسلة الفرعون رمسيس الثاني، والتي شيدها أمام معبد الأقصر، وقد نقلها الفرنسيون من مصر في عام 1833 أيام حكم محمد علي باشا. وقد أقامها المهندس الفرنسي ليباس في وسط ميدان شهير بباريس عام 1836.
والجدير بالذكر أنّ محمد علي لم يكن مهتماً بالآثار الفرعونية الضخمة في مصر، فكان يتيح للأوروبيين، سواء الباحثين، أو الجامعات، أو السياسيين نقل الآثار المصرية إلى بلادهم، وكذلك فعل بقية ملوك مصر من سلالته.
كما انتقلت إلى فرنسا 3 مسلات فرعونية أخرى قبل هذه الأخيرة، واحدة منها أخذها نابليون بونابرت بعد غزوه لمصر عام 1798.
مسلة مصرية في نيويورك وأخرى في لندن
أمّا في نيويورك فهناك مسلة مصرية أيضاً، وفي لندن هناك مسلّة معرفة باسم “مسلّة كليوباترا”، وقد أهدى محمد علي الثانية تلك لبريطانيا عام 1831. ويبلغ طول مسلة لندن 20 متراً، ووزنها حوالي 187 طناً.
وقد عُرِفت هاتان المسلتان باسم مسلتي كليوباترا، لكنّ من أقامهما وشيدهما هو الفرعون تحتمس الثالث قبل أكثر من 3500 عام، أمام معبد عين شمس، ثمّ نقلهما الإمبراطور أغسطس إلى معبد قيصر في السنة 10 ق.م، وربما عرفا باسم “مسلتي كليوباترا” لأنّها هي من بدأت في بناء معبد قيصر.
مسلات فرعونية في إيطاليا
أمّا في إيطاليا فيوجد حوالي 8 مسلات فرعونية، منتصبة في أماكن مختلفة، وقد يرجع سبب ذلك إلى فترة حكم الرومان لمصر.
فنجد مسلة الفاتيكان التي شيدها الفرعون أمنحتب الثاني في مدينة هليوبوليس القديمة عاصمة مصر، قبل أن تنتقل إلى روما، وطولها حوالي 25 متراً. وهناك مسلّة اللاتيران، وهي مسلة شيدها تحتمس الرابع، يصل ارتفاعها 30 متراً، وقد نقلت أولاً إلى الإسكندرية عام 330، ومنها إلى بيزنطة، ثمّ منها إلى روما.
وغيرهما من المسلّات في أرجاء إيطاليا، فهل نشهد اليوم الذي تعود فيه تلك المسلات الفرعونية إلى موطنها الأصلي في مصر؟ لتصير الخمس مسلات الموجودة في مصر 100 مسلة بالتمام والكمال؟.