تاريخ من النضال والهمّ المشترك: لماذا تدعم جنوب إفريقيا قضية فلسطين؟

سيريا مونيتور

يشهد العالم هذه الأيام القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا على الاحتلال الإسرائيلي أمام “محكمة العدل الدولية” في لاهاي على مرأى العالم، بتهمة ارتكاب إسرائيل الإبادة الجماعية في حق الفلسطينيين في غزة.

إذ تقول جنوب أفريقيا إن ما يحصل في قطاع غزة منذ طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول الماضي هو إبادة جماعية فعلية، لتقوم برفع القضية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي في 29 كانون الأول 2023.

فيما قال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن بلاده تتصرف بـ”أخلاقية لا مثيل لها” في حملتها العسكرية داخل غزة، بينما قارن متحدّث باسم الحكومة الإسرائيلية القضية الجنوب أفريقية بـ”فرية الدم”، ويقصد بذلك المزاعم المغلوطة بأن اليهود قتلوا مسيحيين لاستخدام دمهم في طقوس قديمة.

فيما قدمت جنوب أفريقيا ملفاً قانونياً يتألف من 84 صفحة يتضمن أن الأفعال التي تقوم بها إسرائيل في غزة تحمل طابع الإبادة لأنها تهدف إلى الدمار بجزء كبير من الفلسطينيين في غزة، وبالاستناد إلى الحجج المُقدّمة في هذا الملف، فإن أعمال الإبادة المذكورة تشمل قتل الفلسطينيين، والتسبُّب بضرر جسدي ونفسي خطير، وتعمُّد خلق ظروف تهدف إلى “تحقيق تدميرهم الجسدي كمجموعة”.

بالإضافة إلى ذلك يرد في الملف تصريحات علنية لمسؤولين إسرائيليين تعّبر عن نية بالإبادة، لكن ما سبب دعم جنوب أفريقيا لفلسطين؟ وما هو سبب تقديم جنوب أفريقيا هذه الدعوة ضد إسرائيل؟ ومتى بدأ دعمها لفلسطين؟ 

فترة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وإسرائيل

تاريخ جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري كان مرتبطاً بعلاقات وثيقة مع إسرائيل، حيث شهدت هذه العلاقات تقارباً بارزاً. قبل نهاية نظام الفصل العنصري في أوائل تسعينيات القرن الماضي، كانت هناك علاقة استراتيجية وسياسية بين البلدين.

في سياق حكم الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا، أظهرت بريتوريا تأييدها لقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947، الذي قسّم فلسطين لصالح إقامة دولة إسرائيل. تطورت العلاقات بين البلدين بسرعة، وشملت دعم بريتوريا لإسرائيل في حرب 1973.

في إطار هذه العلاقات، قام شيمون بيريز بزيارة سرية لبريتوريا، ما أدى في النهاية إلى رفع مستوى العلاقات إلى مستوى السفارات في عام 1974. وفي عام 1975، تم التوقيع على اتفاق أمني سري، يشمل بيع إسرائيل للعتاد العسكري لجنوب أفريقيا، بما في ذلك دبابات وطائرات مقاتلة وصواريخ طويلة المدى.

تداولت الشائعات حينها عن احتمال بيع رؤوس نووية، بينما قامت إسرائيل بوساطة توريد أسلحة لجنوب أفريقيا من د ول رفضت التعامل معها.

بداية دعم جنوب أفريقيا لفلسطين

بعد انتهاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا تغيرت العديد من العلاقات في البلد، فبعد أسبوعين فقط من إطلاق سراح نيلسون مانديلا من السجن سنة 1990 سافر إلى زامبيا للقاء القادة الأفارقة الذين دعموا كفاحه ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا للفصل العنصري القسري.

وبرزت شخصية بين الرجال الذين يرتدون بدلات داكنة وينتظرون بفارغ الصبر لاستقبال مانديلا على مدرج المطار من بينهم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الذي كان يرتدي الكوفية ذات المربعات السوداء والبيضاء، الذي سافر لرؤية مانديلا المفرج عنه حديثاً.

بعدها تصافح كل من ياسر عرفات ومانديلا، وكان ذلك تأكيداً على التضامن بين رجلين اعتبروا أن نضال شعبيهما من أجل الحرية هو نفسه، من ذلك الوقت يتواصل دعم جنوب أفريقيا لفلسطين، وقد اتخذت البلاد خطوة نادرة تتمثل في رفع قضية إبادة جماعية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بسبب حربها في غزة.

رغم أن جنوب أفريقا لا تتمتع بثقل دبلوماسي، لكن المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، الذي قاده مانديلا من حركة تحرير مناهضة للفصل العنصري إلى حزب سياسي في الحكومة، احتفظ بموقفه القوي المؤيد للفلسطينيين حتى بعد وفاة مانديلا في عام 2013.

وقال حفيد مانديلا “ماندلا مانديلا” لموقع “apnews” الجنوب أفريقي، في تجمع مؤيد للفلسطينيين في كيب تاون في تشرين الأول الماضي، بعد أيام من هجوم حماس في جنوب إسرائيل، الذي أدى إلى إثارة الاحتجاجات: “لقد وقفنا إلى جانب الفلسطينيين، وسنواصل الوقوف مع إخواننا وأخواتنا الفلسطينيين”.

فيما لبس ماندلا مانديلا، النائب في حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الكوفية الفلسطينية باللونين الأبيض والأسود على رقبته أثناء خطابه أمام الحشود في إحدى الخرجات الاحتجاجية الداعمة لفلسطين في جنوب أفريقيا.

جنوب أفريقيا وفلسطين والصراع المشترك

في سياق استمرار نضال الفلسطينيين، أثار الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا قضية فلسطين بانتظام. فبعد 3 سنوات من تحقيق التقدم في تفكيك نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وانتخابه رئيساً في انتخابات تاريخية متعددة الأعراق في عام 1994، أعرب مانديلا عن امتنانه للمجتمع الدولي على دعمه. ومع ذلك، أكد أن حرية بلاده ليست كاملة دون حرية الفلسطينيين.

قارن مانديلا وقادة جنوب أفريقيا الحاليين بين القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين وبين المعاناة التي عاشها السود في جنوب أفريقيا خلال حكم الفصل العنصري. وركزوا على أن هاتين القضيتين تتعلقان بشكل أساسي بحقوق الأشخاص المظلومين في أوطانهم.

يُشير التاريخ إلى أن إسرائيل كانت قد قدمت أنظمة أسلحة لحكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وأبقت على علاقات عسكرية سرية حتى منتصف الثمانينيات، رغم إدانتها العلنية للفصل العنصري.

تجدر الإشارة إلى أن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي اتخذ موقفاً حاداً تجاه إسرائيل، ووصفها بأنها “دولة فصل عنصري”، وهو الموقف الذي انعكس على الحركة الحالية. يُؤكد محامو حقوق الإنسان الدوليون على اتهام إسرائيل بارتكاب جريمة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، ما يجعل هذا الاتهام يلقى صدى قوياً في جنوب أفريقيا.

على الرغم من جهود مانديلا في التواصل مع إسرائيل لتعزيز الحل السلمي، إلا أن المعارضة للاحتلال الإسرائيلي تعززت في جنوب أفريقيا. يظهر ذلك في التأثير الذي يمارسه الخطاب الإسرائيلي في الحياة اليومية، حيث فرضت جماعات شبابية ضغطاً على متاجر البقالة للتخلي عن المنتجات الإسرائيلية.

يظهر دعم جنوب أفريقيا لفلسطين من قبل شخصية بارزة مثل نيلسون مانديلا كتأكيد على التضامن الدولي وضرورة مواصلة النضال من أجل الحرية والعدالة.

Read Previous

تاريخ من النضال والهمّ المشترك: لماذا تدعم جنوب إفريقيا قضية فلسطين؟

Read Next

متظاهرو السويداء يرفضون المشاريع الانفصالية والطائفية ويطالبون بتطبيق القرار 2254

Leave a Reply

Most Popular