تل أبيب تحاول ملء فراغ دمشق في القنيطرة

تسعى إسرائيل لفرض واقع أمني جديد في محافظات سوريا الجنوبية، بدأ يأخذ بعدا جديدا من خلال الاتصال المباشر بالمواطنين في مناطق هدنة 1974 وجوارها في محافظة القنيطرة وتقديم عروض المساعدة الطبية والإغاثية وإغراء العمل في إسرائيل بمبالغ كبيرة مقارنة بمتوسط الدخل في سوريا.
وأفاد مصدر محلي في محافظة القنيطرة لـ «القدس العربي»، أن قوة عسكرية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي دخلت إلى قرية الرفيد التابعة لمحافظة القنيطرة على الشريط الحدودي، بالقرب من هضبة الجولان صباح الجمعة، وحاولت إجراء استبيانات بين الأهالي حول عدد أفراد عائلات المنطقة، إلا أنها قوبلت برفض شعبي للتعامل معها وتزويدها بالمعلومات، ما أدى لقيام عناصر الاحتلال بضرب شابين والانسحاب إلى داخل الأراضي المحتلة. وأضاف المصدر، أن قوات الاحتلال الإسرائيلي مدعمة بالجرافات والآليات الثقيلة توغلت داخل الأراضي إلى تل مسحرة على بعد 10 كم من الشريط الحدودي ليل الخميس، ودمرت غرف مسبقة الصنع أعلى التل كانت تستخدمها القوات الروسية في عهد نظام الأسد المخلوع، والتي انسحبت منها قبل سقوطه بيومين.
وأشار المصدر، إلى أن أكثر من 20 آلية عسكرية تابعة لقوات الاحتلال توغلت الثلاثاء الماضي داخل قرية البكار بريف درعا الغربي، وفجرت الأبنية الموجودة في ثكنة المجاحيد العسكرية التي كان يستخدمها جيش نظام الأسد المخلوع، كما توغلت قوة أخرى في قرية عين البيضا المجاورة لقرية جباتا الخشب، وجرفت الأشجار في محيطها، وتوغلت قوة أخرى داخل قرية تل الأحمر شمال بلدة خان أرنبة، وفي قرية جبا بريف القنيطرة، لتنسحب القوات الإسرائيلية من كافة القرى التي توغلت داخلها باتجاه مواقعها في الجولان السوري المحتل.
وفي سياقٍ متصل، شن طيران الاحتلال الإسرائيلي ليل الثلاثاء الماضي، أربع غارات جوية استهدفت محيط منطقة الكسوة بريف دمشق، وكانت مسيرة تابعة لجيش الاحتلال قد استهدفت المنطقة ذاتها قبل ساعات مما أسفر عن مقتل شخصين لم تعرف هويتهما، كما استهدفت عدة غارات إسرائيلية محيط مدينة إزرع بريف درعا، وقصفت موقعًا عسكريًا مهجورًا في تل الحارة بالريف الغربي لمحافظة درعا.
وأشارت تقارير إلى أن الضربات الإسرائيلية استهدفت مقر الفرقة الأولى – دبابات، في محيط الكسوة جنوب غرب دمشق، ما أسفر عن مقتل عدد من الأشخاص من دون أن يحدد فيما كانوا مدنيين أو عسكريين، مضيفا أن الطيران الإسرائيلي شن غارات على مناطق حدودية بين لبنان وسوريا في جرود النبي شيت في محيط مدينة سرغايا بريف دمشق.
وفي حصيلة أخيرة، بلغ عدد الغارات الجوية التي شنتها إسرائيل على الأراضي السورية منذ سقوط النظام في 8 كانون الثاني (ديسمبر) من العام الماضي 501 غارة.
على الصعيد الإسرائيلي، قال وزير دفاع الاحتلال يسرائيل كاتس، تعليقًا على العمليات الأخيرة داخل الأراضي السورية، أن عمل سلاح الجو هو «جزء من السياسة التي حددناها لنزع السلاح من الجنوب السوري»، وأضاف أن «أي محاولة لقوات النظام السوري والمنظمات الإرهابية لترسيخ وجودها في المنطقة الأمنية جنوب سوريا سيتم الرد عليها بالنار»، مؤكدا على أن الرسالة واضحة «لن نسمح لجنوب سوريا أن يصبح جنوب لبنان».
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في بيان أن الغارات والعمليات البرية، استهدفت «أهدافًا شملت مراكز قيادة وعدة مواقع تحتوي على الأسلحة»، وحذر بيان جيش الاحتلال من أن وجود قوات عسكرية ومعدات وأسلحة جنوب سوريا يشكل تهديدًا لمواطني إسرائيل، مؤكدا على أنه سيعمل على إزالة أي تهديد «لمواطني دولة إسرائيل».
تجاوزات قوات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي السورية منذ سقوط نظام الأسد، تبدو على أنها محاولات لفرض واقع جديد بدأ يتكشف مع تصريحات رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأحد الفائت، الذي قال في حفل تخريج ضباط للجيش، إن قوات الاحتلال لن تنسحب من المناطق السورية التي توغلت داخلها بعد سقوط نظام الأسد، مطالبًا بأن تكون محافظات الجنوب السوري الثلاث «القنيطرة ودرعا والسويداء» منزوعة السلاح.
وأضاف «لن نسمح لقوات تحرير الشام والجيش السوري بدخول المناطق الواقعة جنوب دمشق»، لافتا إلى أن إسرائيل لن «تتسامح مع أي تهديد للطائفة الدرزية جنوب سوريا».
تصريحات نتنياهو لاقت في اليوم التالي، رفضًا شعبيا من سكان الجنوب السوري، تجلى على شكل مظاهرات ووقفات احتجاجية شعبية، في محافظات درعا والقنيطرة والسويداء، فقد خرج المئات من أهالي مدينة نوى بريف درعا الغربي في مظاهرة نددت بتصريحات نتنياهو، وتوغلات قواته في الأراضي السورية، كما خرجت مظاهرة في بصرى الشام بريف درعا الشرقي حملت لافتات تعبر عن وحدة الأراضي السورية، ورفض الأهالي لأي تدخلات من الكيان الإسرائيلي.
وفي مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، خرج أهالي المحافظة في مظاهرة في ساحة الكرامة دانوا من خلالها تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، مؤكدين على تمسكهم بهويتهم السورية، منادين بوحدة الأراضي السورية.
بموازاة ذلك، دان مؤتمر الحوار الوطني، الذي أقيم في دمشق، الثلاثاء الماضي في بيانه الختامي، التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية، ونص  على «إدانة التوغل الإسرائيلي في الأراضي السورية باعتباره انتهاكا صارخا لسيادة الدولة السورية والمطالبة بانسحابه الفوري وغير المشروط ورفض التصريحات الاستفزازية من رئيس الوزراء الإسرائيلي ودعوة المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية إلى تحمل مسؤولياتها تجاه الشعب السوري والضغط لوقف العدوان والانتهاكات».
في سياق منفصل، توغل قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب سوريا، ترك أثرا سلبيًا على سكان منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي، الواقع على مثلث حدود سوريا والأردن وكيان الاحتلال، حيث قالت مصادر محلية إن قوات الاحتلال منذ بدأت بتوغلاتها داخل الأراضي السورية بعيد سقوط نظام الأسد، حرمت الأهالي والسكان من مصدر رزقهم في الزراعة والرعي، في منطقة تعتمد على الزراعة كمصدر رئيسي في اقتصادها بسبب خصوبة أرضها الوقعة على ضفاف نهر اليرموك، وسد اليرموك، وسد الوحدة.
وفي هذا السياق، شكى أحمد السلامة من قرية كويا بريف درعا الغربي تجريف الجيش الإسرائيلي مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، وزاد في اتصال مع «القدس العربي»: «منعت  قوات الاحتلال المزارعين في المنطقة من العمل في بساتينهم بذريعة بناء مواقع عسكرية، وشق طرق جديدة» وأضاف السلامة أن قوات الاحتلال وضعت غرفا مسبقة الصنع في محيط القرية في مواقع عسكرية كان يستخدمها جيش نظام الأسد، لافتًا إلى أن قوات الاحتلال توجه بين الفينة والأخرى نداءات عبر مكبرات الصوت لسكان القرى الواقعة في حوض اليرموك لإغرائهم بالمساعدات النقدية والخدمية، وتأمين فرص العمل، لكن الأهالي قابلوا كل عروض قوات الاحتلال بالرفض على الرغم من الواقع المعيشي الصعب. ولفت السلامة إلى أن مصدر الرزق الأساسي في المنطقة هو الزراعة كمصدر أول، والرعي كمصدر ثاني، إلا أن المصدرين حرموا منهما بسبب منعهم من العمل في حقوقهم، ومنعهم من الرعي في الأراضي الرعوية من قبل القوات الإسرائيلية، والتي تستهدف بالرصاص الحي الرعاة لطردهم من أراضيهم، مشيرًا إلى أن الخسائر المادية للسكان قد تبلغ ملايين الدولارات.
إلى ذلك، قالت مصادر إعلامية إسرائيلية، منها قناة «كان» أن قوات الاحتلال في صدد إصدار تصاريح للدروز السوريين للعمل داخل الأراضي المحتلة في أعمال البناء والزراعة وقطاف العنب والورد. وحسب القناة الإسرائيلية، فإن تصاريح العمل للدروز السوريين جاءت كجزء من مبادرة يعمل عليها غسان عليان منسق أعمال حكومة إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي زار مجدل شمس قبل أيام.
وفي ما يبدو على أنه خطة لترغيب سكان الأراضي السورية الجنوبية، وإغرائهم بالعمل داخل الأراضي المحتلة، أو المساعدات الغذائية والخدمية لضمان صمتهم على تجاوزات قوات الاحتلال في المنطقة، واستغلال وضعهم المعيشي المتردي خاصة في الفترة الأخيرة، تتكشف ملامح بقاء القوات الإسرائيلية المتوغلة في الجنوب السوري لوقت طويل وغير مجدول بتوقيت للانسحاب.
الناشط السوري شادي أبو زيد من قرية السويسة في القنيطرة، قال لـ «القدس العربي»، إن قوات الاحتلال منذ توغلت في المنطقة وأسست نقاط تمركز لها، تتبع سياسات الترغيب والترهيب للأهالي لضمان صمتهم على تجاوزاتها، فبعد إنشاء نقطة تمركز عسكرية في محيط قرية كودنة وتدمير محطة ضخ مياه الشرب لسكان القرية، عرضت قوات الاحتلال المساعدات الغذائية وتوصيل الكهرباء والمياه للسكان مقابل القبول بوجودهم، الأمر الذي لاقى رفضا شعبيا.
وأضاف أبو زيد أن قوات الاحتلال بعد سقوط نظام الأسد توغلت في قريته إلا أن المظاهرات الشعبية الرافضة للاحتلال منعت دخول قواته للقرية.
وعن عروض العمل في الأراضي المحتلة، المقدمة من القوات الإسرائيلية للسكان، قال الناشط أبو زيد أنها «أخبار يتداولها السكان لم يعرف مصدرها الحقيقي»، ولكنه لم يستبعد صحتها، حيث تسعى قوات الاحتلال لضمان قبول الأهالي بوجودها، من خلال استغلال وضعهم المعيشي، لافتاً إلى أن الأخبار المتداولة تقول بأن أجرة العامل في اليوم، ستتراوح بين 70 و100 دولار أمريكي.
الجدير بالذكر، أن الحكومة الإسرائيلية كانت تستقدم العمالة من الهند وبعض دول شرق آسيا للعمل في قطاف الورد والعنب شمال إسرائيل، كما كانت تستقدم عمالة بشرية من الضفة الغربية والتي تقع في الوقت الحالي تحت حصار القوات الإسرائيلية، والمهددة بعملية عسكرية قد تشبه عملية إسرائيل في غزة.
إضافة إلى ذلك، قال أبو زيد إن قوات الاحتلال بعد سقوط النظام سيطرت على مركز المحافظة في مدينة السلام، الثورة سابقًا، وعلى قصر العدل، وانسحبت من المركزين بعد شهر ونصف إلى نقطة عسكرية تم إنشاؤها بالقرب من قرية الحميدية، بعد أن خربت المبنيين، وحرقت عدة سيارات في مرآب المحافظة، وأضاف أن موظفين من الإدارة الجديدة في سوريا، بدأوا خلال الأيام السابقة بنقل الوثائق الرسمية من قصر العدل إلى بناء للدولة في قرية خان أرنبة.
عن ردود فعل السلطات السورية الجديدة، قال مصدر محلي في خان أرنبة، فضل عدم ذكر اسمه، إن عناصر الأمن العام «متواجدين بأعداد قليلة ولا يواجهون قوات الاحتلال بأسلحتهم، لافتًا إلى أن قوات الجيش السوري الجديد من سكان منطقة القنيطرة «أخلوا مراكز مناوباتهم في تل الحارة الاستراتيجي قبل يومين من قصفه».
التطور اللافت جاء من خلال ما نقلته وكالة «رويترز»، ليل الجمعة عن رغبة تل أبيت الاحتفاظ بالقواعد الروسية في سوريا، وهو ما نقله مسؤولون إسرائيليون إلى أعضاء في الكونغرس الأمريكي ومسؤولون في البيت الأبيض، مفسرين طلبهم بأن تقوم روسيا باحتواء تركيا. وهو ما يخالف رغبة الإدارة في واشنطن وجادلوا بأن تركيا ستكون ضامنة أفضل لأمن إسرائيل، حيث تعمل إسرائيل على بقاء سوريا ضعيفة بدون سلطة مركزية قوية وتتخوف من هجوم مستقبلي للقوات السورية الجديدة عليها.

المصدر: القدس العربي

Read Previous

العودة المثيرة للجدل: الأوليغارشيون السوريون بين التسويات الاقتصادية وإرث الفساد

Read Next

تعاون “سوري-تركي” لتطوير قطاع النقل وإعادة تأهيل مطار دمشق الدولي

Most Popular