أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، الثلاثاء 16 من آذار، ثلاثة قرارات مالية، منها مرسومان، تتعلق بصرف منحة مالية للعاملين في الدولة والمتقاعدين منهم، ورفع أجور الساعات التدريسية للمكلفين بالتدريس، ورفع قرض الطلاب الشهري.
تأتي هذه القرارات بالتزامن مع وصول سعر الصرف إلى عتبة خمسة آلاف ليرة سورية للدولار الأمريكي الواحد، وفقدان المواطنين ثقتهم بالعملة الوطنية، وارتفاع الأسعار وزيادة التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين، ومزيد من التدهور الاقتصادي.
منحة مالية لعاملي الدولة والمتقاعدين
وأصدر الأسد المرسوم التشريعي رقم “2” لعام 2021، القاضي بصرف منحة لمرة واحدة فقط، بمبلغ مقطوع 50 ألف ليرة سورية لكل العاملين المدنيين والعسكريين، وتشمل “المشاهرين والمياومين والدائمين والمؤقتين”، و40 ألف ليرة سورية لأصحاب المعاشات التقاعدية من المدنيين والعسكريين، ويستفيد منها أُسر أصحاب المعاشات، وهي معفاة من ضريبة دخل الرواتب والأجور وأي اقتطاعات أخرى.
وطالت منح الأسد المالية انتقادات من سوريين على مواقع التواصل الاجتماعي، لتدني قيمتها الفعلية أمام الدولار الأمريكي، واقتصارها على موظفي القطاع العام، مطالبين بعدم التأخر في صرفها لكي لا تفقد قيمتها متأثرة بسعر الصرف.
وتبلغ قيمة منحة العاملين (50 ألف ليرة) وفق سعر صرف الدولار اليوم ما يعادل نحو 11 دولارًا أمريكيًا، بينما تبلغ منحة المتقاعدين (40 ألف ليرة) نحو تسعة دولارات أمريكية.
وكان الأسد أصدر مرسومًا تشريعيًا (34)، في 23 من كانون الأول 2020، بمنحة مالية بذات القيمة المالية، ولنفس الشريحة من العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين.
وربط سوريون بين قرار المنحة المالية وقرار رفع أسعار المحروقات الصادر مساء الاثنين 15 من آذار، معتبرين أن المنحة جاءت لامتصاص الاحتقان الشعبي من تدهور الأوضاع المعيشية، إذ أعلن الأسد صرف المنحة بعد ساعات من إعلان وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري، سعر مادة البنزين (أوكتان 90، و95) وأسطوانة الغاز المنزلي.
وأصبح سعر مبيع مادة البنزين “أوكتان 95” للمستهلك بـ2000 ليرة سورية لليتر الواحد، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، بينما أصبح سعر ليتر مادة البنزين الممتاز “أوكتان 90” للكميات المخصصة على البطاقة الإلكترونية “المدعوم وغير المدعوم” 750 ليرة سورية لليتر الواحد، وبهذا تكون الحكومة ألغت البنزين المدعوم.
حلول لامتصاص الغضب الشعبي
يرى الدكتور السوري في الاقتصاد والباحث في معهد “الشرق الأوسط” بواشنطن، كرم شعار، أن المنح التي يقدمها الأسد حاليًا، من الممكن أن تساعد المواطنين بتغطية التكاليف المرتبطة بارتفاع الأسعار لفترة أسبوع أو أسبوعين، لكنها فعليًا محاولة لامتصاص الغضب الشعبي تجاه قرارات أخرى أُصدرت خلال الأيام الماضية، منها رفع سعر المحروقات وتخفيض كمياتها.
وأوضح الباحث، في حديث إلى عنب بلدي، أن الزيادة التي جرت على الأسعار هي عمليًا أقل من الانهيار الحاصل بسعر الصرف خلال الأشهر الأخيرة، كما أن حكومة النظام رفعت السعر أقل مما كان يجب أن ترفعه في حال قررت تحميل المستهلك التكلفة كاملة.
وبيّن الباحث أن السبب الأساسي في ارتفاع الأسعار هو عدم قدرة حكومة النظام السوري على امتصاص الارتفاع بتكلفة الاستيراد، لأنها تدفع الكلفة بالنقد الأجنبي (الدولار الأمريكي)، بينما يكون البيع في السوق الداخلية بالليرة السورية.
وما يحصل في سوريا هو طريقة “فريدة” بالتعامل مع النقص بالمواد الأساسية، إذ لا ترفع الدولة الأسعار بنفس الدرجة اللازمة لتغطية فرق التكلفة التي ستتحملها كدولة بشكل يتناسب معها.
بل ترفعها بطريقة تغطي، على سبيل المثال، 50% من فرق التكلفة، ولا تستخدم باقي الفرق بالاستيراد، فيصبح الوضع الاقتصادي على المواطن خليط ما بين ارتفاع الأسعار وشح المواد.
ويرى الباحث أن الدولة تلجأ لهذه الطريقة في رفع الأسعار، لأنها على قناعة، خاصة في حالة وجود انتخابات، بأن أي زيادة بالدرجة المطلوبة سيواجهها رد فعل من المواطنين الذين لن يتحملوها.
زيادة قيمة القروض الطلابية
ووجه الأسد حكومته بتقديم إعانة مالية إلى حساب صندوق التسليف الطلابي قيمتها خمسة مليارات و200 مليون ليرة، ليُصبح رأسمال الصندوق ستة مليارات ليرة سورية، بهدف تمكين الصندوق من زيادة قيمة القرض الشهري للطلاب إلى 40 ألف ليرة، وزيادة القرض الشخصي للطلاب إلى 300 ألف ليرة سورية.
ووجه الأسد لإعداد الصك التشريعي الذي يمكن بموجبه إعفاء الطلاب المقترضين من الضرائب والرسوم المفروضة على القروض، والتي عادة ما يتحملها الطالب وتُقتطع كنسبة مئوية من قيمة القرض، بحسب ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا).
وبحسب الوكالة، يساهم رفع مبلغ القرض الشهري في تخفيف الأعباء المادية عن الطلبة وأسرهم في ظل الظروف المعيشية الحالية، على أن يبدأ صندوق التسليف الطلابي العمل وفق سقف القروض الجديدة للطلاب بعد شهر من تخصيص مبلغ الإعانة المقرر للصندوق.
وفي تصريحات لإذاعة “شام إف إم” المحلية مساء أمس، الأربعاء 17 من آذار أوضح مدير الهيئة الوطنية لصندوق التسليف الطلابي، مازن أسعد، أن القرض الشهري والشخصي هو لدعم الطلاب الذين بحاجة لدعم مادي لاستكمال دراستهم حتى لا يكون الوضع المادي عائقًا في استكمال تحصيلهم العلمي.
وقال إن أي طالب في الجامعات الحكومية يحق له التقدم للحصول على القرض، وتتم عملية المفاضلة وفقًا لمعايير اجتماعية، ليُستهدف الطلاب الأكثر حاجة، مشيرًا إلى أن القرض الشهري هو راتب شهري بقيمة 40 ألف ليرة يحصل عليه الطالب خلال دراسته الجامعية.
وبحسب أسعد، كان سقف القرض الشهري خمسة آلاف ليرة، والشخصي 50 ألف ليرة، خلال السنوات القريبة الماضية.
رفع أجور الساعات التدريسية
وأصدر الأسد المرسوم رقم “88” لعام 2021 القاضي برفع أجور الساعات التدريسية للمكلفين بالتدريس في مدارس التعليم الأساسي والثانوي وفي جميع مدارس ومراكز التدريب المهني، لدى جميع الجهات العامة في الدولة سواء كانوا من داخل الملاك أم من خارجه، وذلك وفقًا للشهادة العلمية التي يحملونها.
ووفقًا للمادة الثانية من المرسوم، وفقًا لما نقلته “سانا“، يمنح المكلف 600 ليرة سورية كأجر عن حصة التدريس إذا كان من حملة شهادة الإجازة الاختصاصية في التدريس، و520 ليرة سورية إذا كان من حملة شعادة الإجازة غير الاختصاصية في التدريس.
ويمنح المكلف 440 ليرة سورية كأجر عن حصة التدريس إذا كان من حملة شهادة أحد المعاهد التقانية، و360 ليرة سورية للمكلفين الذين لا يحملون الشهادات السابقة.
أزمة معيشية في ازدياد
ويعاني سوريون في مناطق سيطرة النظام من عدة أزمات اقتصادية ومعيشية تثقل كاهلهم، في ظل غياب التغيير في سياسات حكومة النظام الاقتصادية والمالية، رغم استمرار وعودها بانفراج الأزمات منذ سنوات.
واقترب سعر صرف الدولار الأمريكي في السوق السوداء من حاجز 5000 ليرة سورية، الثلاثاء 16 من آذار، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار الليرة السورية والعملات الأجنبية، بينما بقي سعر الصرف ثابتًا، بحسب نشرة مصرف سوريا المركزي، عند مستوى 1256 ليرة للدولار الواحد.
وبلغ سعر صرف الدولار الواحد 4550 ليرة سورية اليوم، بحسب موقع “الليرة اليوم” المتخصص بأسعار الصرف والذهب.
ولا تفلح الإجراءات الأمنية التي تتخذها سلطات النظام النقدية والمالية، ولا القرارات الاقتصادية، في ضبط سعر صرف الليرة السورية، إذ سجل سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية اليوم أعلى مستوى في تاريخها.
ويعاني 12.4 مليون شخص في سوريا، أي حوالي 60% من السكان، من انعدام الأمن الغذائي، في “أسوأ” حالة أمن غذائي شهدتها سوريا على الإطلاق، بحسب تقرير لبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، في 11 من شباط الماضي.
وتتصدر سوريا قائمة الدول الأكثر فقرًا في العالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي.