نشر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطلع العام الجاري أول رسالة له على تطبيق تلغرام، حذر فيها من خطر الجفاف الذي ضرب البلاد، وخصوصا الولايات الجنوبية الشرقية والوسطى، حيث منبع نهري الفرات ودجلة.
في الأشهر التي تلت الرسالة استمر مستوى هطول الأمطار بالانخفاض دون المعدل السنوي، لتنعكس الكارثة على سوريا والعراق لا على تركيا التي خزنت حاجتها من المياه عبر مئات السدود.
في رسالته قال أردوغان إن تركيا شيّدت 600 سد، و590 محطة لتوليد الطاقة الكهرمائية، ومن بين هذا السدود 9 على نهر الفرات.
جفاف في تركيا
ذكر مركز البحوث المشتركة التابع للمفوضية الأوروبية، في تقرير صدر شباط الفائت أن المناطق الغربية الوسطى وشرق البلاد تعاني من الجفاف، وكان هطول الأمطار دون المتوسط منذ منتصف عام 2019، ولا سيما في النصف الثاني من عام 2020، حيث شهدت تركيا عجزًا مائيًا في نهاية عام 2020. ونتيجة لذلك، أظهرت المؤشرات أن رطوبة التربة انخفضت بشكل ملحوظ، وظهرت أدلة على الجفاف.
في الفترة نفسها التي صدر فيها تقرير المفوضية الأوروبية، نشرت وكالة الفضاء الأميركية ناسا صورة تظهر مستوى الجفاف في تركيا وسوريا والعراق، وقالت إنه مع بداية عام 2021 عانت تركيا من جفاف شديد، جاء بعد عدة مواسم من انخفاض هطول الأمطار.
وكانت أشهر صيف وخريف العام 2019 خالية في الغالب من الأمطار، وتضاءلت مستويات المياه في الخزانات. ثم كان عام 2020 هو الأكثر جفافاً خلال السنوات الخمس الماضية، مع قلة هطول الأمطار بشكل ملحوظ في النصف الأخير من العام. منذ يوليو / تموز 2020، استقبلت جميع الولايات التركية تقريبًا معدل هطول أمطار أقل من المتوسط. من أكتوبر إلى ديسمبر، كان هطول الأمطار في جميع أنحاء البلاد أقل بنسبة 48 في المئة من متوسط 1981-2010، بحسب “ناسا”.
وضع الفرات في تركيا
يعد سدّا أتاتورك وكيبان أكبر سدين من بين 9 سدود بنتها تركيا على الفرات، وتبلغ السعة التخزينية للأول 48 مليار متر مكعب بينما سعة الثانية 30.6 مليار متر مكعب (سد الفرات 11.6 مليارا).
وانخفض مستوى المياه خلف السدين هذا العام بشكل واضح عن العام الفائت بحسب صور الأقمار الصناعية التي حللها موقع تلفزيون سوريا. ما يعني تأثر نهر الفرات بالجفاف الذي ضرب تركيا.
ويقول ويم زويجنينبورغ الباحث في منظمة السلام الهولندية “باكس” (PAX) إن انخفاض هطول الأمطار عام 2020، دفع تركيا لتوفر مزيدا من المياه في سدودها، “تتوقع تركيا موسم جاف وتكافح مع انخفاض مستويات المياه الجوفية، في حين أن كثيرا من الزراعة في الجنوب تعتمد على الري”.
يبلغ متوسط تدفق مياه نهر الفرات من تركيا إلى سوريا بحسب بيانات “الإسكوا” المسجلة من عام 1970 إلى العام 2010 نحو 778 مترا مكعبا في الثانية، وسجلت أدنى مستوى عام 1973 فوصلت إلى 406 أمتار مكعبة وأعلى مستوى في 1988 وبلغت 1590 مترا مكعبا في الثانية.
بحسب تصريحات المهندس جهاد بيرم، رئيس دائرة العمليات في سدّ تشرين الذي تسيطر عليه قسد فإن مستوى تدفق المياه انخفض وبلغ 200 إلى 225 مترا مكعبا في الثانية. وهي تقديرات إن صحت، تعني أن النهر سجل أدنى مستوى تدفق مسجل في تاريخه.
الإدارة الذاتية أعلنت أنها أبلغت الجانب العراقي منذ مطلع شهر أيار بتخفيض تدفق المياه من سد الفرات إلى ما دون الـ 200 متر مكعب في الثانية.
ويؤثر انخفاض مستوى المياه على توليد الكهرباء في سدي تشرين والفرات، بالإضافة إلى ذلك، تشكل قلة المياه خطرا على المحاصيل الزراعية الصيفية في وادي الفرات، حيث يعتمد المزارعون على مضخات الري المنصبة على ضفتي النهر، وعند انحسار المياه في سرير النهر يصبح من الصعب الوصول إليها.
جفاف في سوريا والعراق
بحسب تقرير مركز البحوث المشتركة الأوروبي الصادر في نيسان الماضي فقد ضرب الجفاف شرق سوريا وشمال العراق منذ أوائل عام 2021، خاصة في محافظتي الحسكة ونينوى، بعد قلة الأمطار في فصل الشتاء. وأشار التقرير إلى أن قدرة السكان على التكيف محدودة للغاية، بسبب الصراعات التي عصفت بالمنطقة وتراجع الخدمات العامة. وتوقع المركز حدوث “مشكلات خطيرة” للري ومساحات المراعي وإمدادات المياه لعدة أشهر مقبلة.
نظرة تاريخية
- عند بدء ملء سد الطبقة عام 1973 وسد كيبان في تركيا عام 1974، انخفضت كمية المياه التي تصل العراق من نهر الفرات. وتسبب ذلك بالتوتر الأول في حوض الفرات. وهدد العراق سوريا فتدخلت السعودية كوسيط.
- بعد الانتهاء من سد كيبان، بدأت تركيا في بناء سد كاراكايا في عام 1976. وتقدمت تركيا بطلب للحصول على قرض للبنك الدولي أثناء بناء السد الذي اكتمل في عام 1987، والتزمت تركيا من جانب واحد للبنك الدولي بأنها ستضخ 500 متر مكعب من المياه في الثانية إلى سوريا.
- بدأت سوريا والعراق وتركيا بالالتقاء وإجراء محادثات فنية حول قضية المياه بعد مشكلة السدود. وأصبحت هذه المحادثات رسمية في عام 1980، عندما اجتمعت تركيا والعراق في 22-25 من ديسمبر. شكل البلدان اللجنة الفنية المشتركة (OTK) من أجل مناقشة مياه الحوض. وانضمت سوريا إلى اللجنة في عام 1983.
- في عام 1984، قدمت تركيا اقتراحًا إلى سوريا والعراق لخطة من ثلاث مراحل تتضمن “الاستخدام العادل والمعقول والأمثل” للمياه العابرة للحدود لحوض الفرات ودجلة. ورفضت سوريا والعراق الخطة التي تتضمن دراسة الاحتياجات المائية لكل بلد، وتخصيص الحصص وفقًا لذلك.
- أثناء بناء سد أتاتورك، في عام 1987، وقعت تركيا بروتوكولين مع سوريا. أحد البروتوكولات الموقعة يتعلق بدعم نظام حافظ الأسد لحزب العمال الكردستاني. يشمل البروتوكول الآخر ترك تركيا ما معدله 500 متر مكعب / في الثانية من المياه سنويًا لسوريا، لحين التوصل إلى اتفاق نهائي، ما يعني أن الاتفاق مؤقت.
- بعد هذا البروتوكول، وقعت سوريا والعراق اتفاقية في عام 1990، تركت سوريا 58 في المئة من المتوسط السنوي البالغ 500 متر مكعب / في الثانية من المياه القادمة من تركيا للعراق.
- في العام 1997 رفضت تركيا التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لاﺳﺘﺨﺪام اﻟﻤﺠﺎري اﻟﻤﺎﺋﻴﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ.
- في 2001، تم توقيع بيان مشترك بين سوريا وتركيا الغرض منه دعم التدريب وتبادل التكنولوجيا، والبعثات الدراسية، والمشاريع المشتركة في مجال المياه.
- في أبريل/نيسان 2008، قرَّرت تركيا وسوريا والعراق التعاون في قضايا المياه بإنشاء معهد للمياه يضم 18 خبيراً متخصصاً في المياه من كل بلد للعمل على حل المشكلات المرتبطة بالمياه في البلدان الثلاثة. وكان من المقرر أن يجري هذا المعهد دراساته في مرافق سد أتاتورك، وهو أكبر السدود من حيث سعته التخزينية في تركيا، ويجهز مشاريع للانتفاع المنصف والفعال من موارد المياه العابرة للحدود.
- لم يتم توقيع أي اتفاقية دائمة بين البلدان الثلاثة لتوزع مياه الفرات حتى العام 2011.
- تصنف تركيا نفسها كدولة فقيرة بالموارد المائية، وبحسب مقال منشور على موقع وزارة الخارجية تقع تركيا في منطقة شبه قاحلة، ولديها فقط نحو خمس المياه المتاحة للفرد بالمقارنة مع المناطق الغنية بالمياه مثل أميركا وأوروبا. الدول الغنية بالمياه هي تلك التي لديها 10.000 متر مكعب من المياه للفرد سنويًا. هذا أعلى بكثير من 1.350 متر مكعب للفرد في تركيا.
- تلخص الخارجية التركية سياستها تجاه الأنهر العابرة للحدود بأنها ذات خصوصيات مختلفة وتعكس كل حالة من حالاتها جوانب إقليمية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتاريخية محددة. لذلك، يجب معالجة قضايا المياه العابرة للحدود فقط بين البلدان المشاطئة دون تدخلات من قبل أطراف ثالثة.