أعلنت حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام المسيطرة على شمال غربي سوريا، قبل أيام، إحداث ما سمتها “المديرية العامة للمشتقات النفطية” في إدلب، ولكن اللافت أن إدلب لا نفط فيها.
جاءت هذه الخطوة بعد حادثة مقتل امرأة سورية كانت تنقل “جالوناً” من المحروقات، في 10 شباط/فبراير الجاري، برصاص عناصر هيئة تحرير الشام، في أثناء إطلاقهم النار على المدنيين الذين يقومون بتهريب بضعة ليترات من مادة المازوت على حاجز دير بلوط – أطمة شمالي إدلب.
أثارت الحادثة المذكورة المشكلات الأمنية المتعلقة بشركة “وتد للبترول”، التي تدعي أنها خاصة بينما هي ملك لهيئة تحرير الشام ويديرها القيادي “أبو عبد الرحمن زربة”.
وتبع حادثة مقتل المرأة اقتحام لأحد المخيمات وخروج المدنيين في أطمة بمظاهرات منددة، الأمر الذي كشف عن وجود ذراع أمنية تتبع لشركة “وتد” مهمتها منع عمليات “تهريب” للوقود إلى إدلب.
“وتد” تحتكر سوق المحروقات في إدلب
تحتكر شركة “وتد” للبترول سوق المحروقات في إدلب بالكامل منذ إنشائها عام ٢٠١٧، وتستورد النفط ومشتقاته من مناطق شمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، عبر وسطاء مقربين من الهيئة.
وفي 2018 بدأت الشركة باستيراد النفط من تركيا عبر معبر باب الهوى، عن طريق شركة تركية لم تذكر اسمها، وصرحت مسبقاً أن مصدر النفط هو أوكرانيا، بحسب المعلومات المتداولة في المنطقة.
وفي الآونة الأخيرة، امتد نفوذ “وتد” ليصل إلى احتكار سوق الوقود المعالج، وهو عبارة عن نفط خام يتم منه استخلاص مشتقات نفطية متدنية الجودة بطرق بدائية، عبر التضييق حتى على صغار التجار الذين يستقدمون بضعة براميل من النفط إلى إدلب.
كما منحت “هيئة تحرير الشام” معمل الغاز المُنشأ في إدلب قبل انطلاق الثورة السورية لشركة “وتد” لتحتكر تعبئة أسطوانات الغاز المنزلي بشكل كامل، وبالتالي أصبحت الشركة هي المتحكم في إصدار نشرات أسعار المحروقات والغاز المنزلي في إدلب من دون أي دور لوزارة الاقتصاد في حكومة الإنقاذ.
ووصل الأمر بـ “وتد” لاستخدام القوة لمنع إدخال المحروقات إلى المنطقة، وبات لديها قوة أمنية تمنع إدخال الوقود ولو بكميات قليلة إلى إدلب، لإجبار المدنيين على ملء خزانات الوقود في سياراتهم من محطات الوقود التابعة لها.
تعمل القوة الأمنية تابعة لـ “وتد” الموجودة على معبري دير بلوط والغزاوية اللذين يفصلان مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام عن مناطق سيطرة الجيش الوطني على تفقد خزانات الوقود في السيارات الداخلة إلى إدلب.
ويقوم العناصر على قياس منسوب الوقود داخل الخزان باستخدام العيدان، ومعاقبة السائقين الذين عملوا على ملء خزانات الوقود في سياراتهم من خارج مناطق الهيئة.
وتتراوح العقوبات تدريجياً بين إعادة السيارة أدراجها لتفريغ الوقود قبل العودة إلى إدلب، وبين حجز السيارة لعشرة أيام أو فرض غرامة مالية ومصادرة الوقود، بحسب تكرار عملية الدخول إلى إدلب بخزان وقود ممتلئ.
دوافع إنشاء المديرية الجديدة
أثار ما تقوم به هيئة تحرير الشام والقوى الأمنية لشركة “وتد” انتقادات واسعة من قبل عشرات الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وركزت الانتقادات على دفاع هيئة تحرير الشام عن شركة تدعي بأنها شركة خاصة، مما وضع الهيئة في موقف حرج للغاية بعد نفيها لسنوات تبعية الشركة لها.
ويأتي إحداث “المديرية العامة للمشتقات النفطية” لشرعنة ممارسات “وتد” وفقاً للناشطين في المنطقة.
ويرى ناشطون أن ربط الإنقاذ مديريتها الجديدة برئاسة الحكومة مباشرة، ومنحها حق التقاضي والتمثيل أمام المحاكم، خطوة “خطيرة” حيث يصبح من خلالها الاحتكار عملاً قانونياً منظماً، ويحق للمديرية الجديدة التي هي عبارة عن واجهة ظاهرية لشركة “وتد” مقاضاة من يدخل الوقود إلى إدلب في المحاكم وتغريمه بمبالغ مالية كبيرة بحجة الإضرار بالمؤسسات العامة.
ويتخوف حقوقيون وناشطون من أن تحذو “حكومة الإنقاذ” حذو نظام الأسد في استخدام القوانين والدساتير لخدمة مصالحها الشخصية، حيث تعمل هيئة تحرير الشام عبر ذراعها المدنية حكومة الإنقاذ على احتكار جميع مفاصل الحياة في الشمال السوري.
وتستخدم الهيئة نفوذها وسطوتها للتفرد في السيطرة على القطاعات الاقتصادية والتجارية والزراعية وحتى الخدمية في مناطق سيطرتها، بينما تعيش القطاعات المستهلكة كالتعليم والصحة واقعاً صعباً للغاية.
ودفعت الانتقادات الكبيرة شركة “وتد” لإنشاء شركتين صغيرتين تحملان اسم “كاف” و “الشهباء” للبترول، لاستمرار سياستها الاحتكارية لسوق المحروقات في إدلب.
منذ إحداث الشركتين لم تجر أي منافسة في الأسعار واقتصر عملهما على إنشاء بضعة محطات للوقود وبقيت ناقلات الوقود التابعة لشركة وتد تزودها هاتان الشركتان.
وبقيت أسعار الوقود في إدلب ترتفع بفارق أكبر عن الأسعار في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” شمالي حلب، بينما كانت “وتد” تعلل في نشراتها سبب الارتفاع بأنه يعود إلى “المصدر” أي الشركة الموردة، إلى أن تخلت عن إصدار نشرات أسعار دورية بسبب الانتقادات الكبيرة التي تطولها بعد كل عملية رفع للأسعار.
وكان موقع “تلفزيون سوريا” كشف في تقرير سابق أن شركة “وتد” تمتلك قوة عسكرية وأمنية توجد في الخط الفاصل بين مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام ومناطق سيطرة الجيش الوطني، تمنع تهريب المحروقات لإجبار المدنيين على شراء الوقود من محطات الوقود التابعة لشركة وتد.