قال المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات د. عزمي بشارة إن ما قد يقدمه الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، في المستقبل قد يكون أكثر سوءاً مما شهدته ولايته الأولى، خاصة في ما يتعلق بالمنطقة العربية وقضية فلسطين.
وأوضح المفكر العربي في حديث مع التلفزيون العربي بالدوحة الأحد، أن ترمب قد لا يعارض خطوة إسرائيل بضم مستوطنات الضفة الغربية إذا أقدمت على ذلك.
كما توقّع أن يستخدم ترمب خطته الشهيرة مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، المعروفة باسم “صفقة القرن”، كقاعدة أساسية لتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية.
وفي حين تمنى بشارة أن يكون المسؤولون العرب جاهزون للضغط الآتي عليهم مع الرئيس الجمهوري العائد إلى البيت الأبيض، فإنه توقّع أن يطالب ترمب المسؤولين العرب وخصوصاً في بلدان الخليج بأربعة مسائل هي: شراء أسلحة أكثر وتخفيض سعر النفط وتسليح أنفسهم لكي لا تضطر أميركا للدفاع عنهم في مواجهة إيران والتطبيع مع إسرائيل من دون تلبية حقوق الشعب الفلسطيني.
وقال بشارة إن المؤشرات تفيد بأن الآتي أسوأ في ما يتعلق بفلسطين في ظل رئاسة ترمب التي تبدأ في العشرين من يناير/كانون الثاني المقبل.
واستند بشارة في توقعه إلى حقيقة أن الولاية الأولى للرئيس الجمهوري الـ45 غيّرت قواعد اللعبة لتثبيت أنه لا توجد قضية فلسطينية وأنها ليست مهمة لإبرام سلام مع إسرائيل، وبالتالي تغيير في جوهر الموقف من فلسطين، وهو ما لم يراجعه الرئيس جو بايدن الذي أبقى على قرارات ترمب الخاصة بصفقته مع نتنياهو (الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن وضم الجولان إلى إسرائيل). ومن مؤشرات السوء الذي يتوقعه بشارة، أنه إذا أقدمت إسرائيل على ضم مستوطنات الضفة الغربية، فإن ترمب قد يعترف بذلك من دون وجود من يواجه هذه الخطوة من المسؤولين العرب الذين لم يفعلوا شيئاً بعد ضم القدس أواخر 2017.
انطلاقاً من ذلك الواقع، تساءل المفكر العربي: لماذا نستبعد أن ينطلق ترمب من صفقته مع نتنياهو (المسمّاة صفقة القرن) ويذهب بها أبعد أو يطوّرها خصوصاً بعد الضربة الكبيرة التي نتلقاها الآن من الإسرائيليين في الضفة والغارات المستمرة في غزة؟ تساؤل آخر يطرحه بشارة مفاده أنه بعد حرب غزة ولبنان وما ترتكبه في الضفة الآن، هل يمكن تجاهل كل ما فعلته إسرائيل والتطبيع معها من دون أي اعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني؟
سؤال رأى بشارة أن الحكام الذين سيخاطبهم ترمب لإبرام تطبيع مع إسرائيل يجب أن يجيبوا عليه، هم الذين لم يقوموا بدورهم خلال الحرب على غزة، و”على الأقل نتوقع منهم أن يفعلوا شيئاً عندما يخاطبهم ترمب للتطبيع”.
وفي هذا السياق، فإن ترمب سيطلب من الحكام العرب والخليجيين خصوصاً برأي بشارة أربعة مسائل رئيسية: شراء أسلحة أكثر وتخفيض سعر النفط وتسليح أنفسهم والتطبيع مع إسرائيل من دون تلبية حقوق الشعب الفلسطيني. أمام هذا السيناريو، يجب أن تكون هناك مجموعة ضاغطة عربية تطرح مصالحها الوطنية أولاً على الطاولة، وأن تشمل مصالحها تلك قضية فلسطين بدل الاستفراد بها، وفق كلام مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الذي نصح بضرورة أن يكون المسؤولون العرب جاهزون للضغط الآتي عليهم، مرجحاً أن تكون كل من مصر والأردن أكثر المتضررين في حال صعّد ترمب وإسرائيل خطواتهم في سبيل تهجير الفلسطينيين.
ورداً على سؤال عن وجود احتمال أن يستعجل ترمب فعلاً إنهاء الحرب على غزة، أجاب بشارة أن نهاية تلك الحرب تقترب لكن ليس بفضل ترمب بل لأنه لم يتبقَّ شيئاً من غزة.
واستطرد شارحاً أن عدم وقف الحرب حتى الآن يعود إلى أن البديل السياسي غير جاهز وفق الرؤية الإسرائيلية، وهو إدارة غزية منفصلة عن مصالح الغزيين وقضية فلسطين بإشراف عربي وفوقه إشراف إسرائيلي.
أمر مشابه يحصل في لبنان وفق قراءته، ذلك أن الإسرائيليين يواصلون الحرب لأن شروطهم لم يتم القبول بها من قبل المقاومة.
وتوقف المفكر العربي في المقابلة على شاشة التلفزيون العربي عند مجموعة من المفارقات، كتعيين ترمب مايك هاكابي سفيراً لأميركا لدى إسرائيل بالتزامن مع تعيينات كبار الوزراء والمسؤولين في إدارته، “وكأن السفير لدى إسرائيل بمنزلة وزير خارجية” على حد تعبير بشارة الذي فسّر ذلك التزامن بأنه رسالة من ترمب لأصدقائه من اللوبي الصهيوني في أميركا وحلفائه وداعميه لإرضائهم.
وبعيداً عن التداعيات المرتقبة لعودة ترمب على المنطقة العربية والقضية الفلسطينية، ذكّر بشارة بأن الرئيس الأميركي يملك كل الصلاحيات في السياسة الخارجية لهذا البلد، وأشار إلى أن هامش المناورة في حالة ترمب أوسع لأنه محاط بموالين له ولأن هناك انطباع ومزاج عام يفيد بأن الرجل اجتاز كل الصعوبات في وصوله إلى الرئاسة، بالتالي هناك شعور بأن لديه تفويضاً كبيراً رغم أنّه ليست لديه شعبية عابرة للمعسكرات كما كان حال كل من باراك أوباما وجورج بوش الابن مثلاً.
وشرح أن شعار “أميركا أولاً” يعني سياسة الصفقات التجارية بعيداً عن أي التزام تجاه المؤسسات الدولية والديمقراطية، لافتاً إلى أن ترمب هذه المرة محاط بمستشارين متحمسين لهذه السياسة خلافاً لما كان عليه الوضع خلال ولايته الأولى التي كان أركانها سياسيون “كلاسيكيون” مثل (وزير الخارجية السابق ريكس) تيلرسون و(وزير الدفاع السابق جيمس) ماتيس.
مع ذلك، والكلام لبشارة، نفذ ترمب في ولايته الأولى أجندات لم يكن يتخيل أحد تنفيذها (مثل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والجولان جزءاً من إسرائيل) وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن ووقف تمويل وكالة أونروا وإبرام اتفاقيات التطبيع مع مجموعة من البلدان العربية.
ويستدرك بشارة أن ترمب اليوم أقوى، بالتالي نتوقع منه تنفيذ أجندات أشرس، وهذا لا ينفي احتمال أن تكون بعض تهديداته هدفها المقايضة، مثل تلويحه برفع الجمارك إلى 60 في المئة على البضاعة الصينية، و20 في المئة على السلع الأوروبية.
ورداً على سؤال حول أسباب فوز ترمب، صحح بشارة ما يتم تداوله زوراً في هذا المجال في ما يتعلق بأهمية العامل الاقتصادي، مشدداً على أن أداء إدارة بايدن اقتصادياً كانت أفضل بكثير من أداء إدارة ترمب لناحية النمو والبطالة. ومرّ بشارة سريعاً على ما أُشبع نقاشاً وتحليلاً حول عوامل مخاطبة غرائز الناس، والتحريض على المهاجرين غير الشرعيين وعدم انسحاب بايدن مبكراً من سباق الرئاسة لإتاحة مزيد من الوقت للمرشحة كامالا هاريس ولكي تستقل عنه سياسياً، لكنه توقف عند أنّ غالبية العوامل التي أدت إلى انتصار ترمب لا تختلف عن انتخابات 2016 (فوزه في الولاية الأولى) و2020 (خسارته أمام بايدن)، ذلك أن الغالبية اليمينية البيضاء تخشى ما تسميه “سحب الوطن من تحت أقدامها” تارة من رئيس أسود (أوباما) وتارة من سيدة (هيلاري كلينتون)، وتارة من سيدة سوداء (هاريس)، ولكن الفارق بحسب تحليل بشارة أن الاستنفار كان هذه المرة أكبر عند هذه الغالبية اليمينية البيضاء (من ناخبي ترمب) في حين أن المعسكر الديمقراطي كان يعاني من انخفاض نسبة التصويت ومن خمول وتعب من إدارة بايدن. ولاحظ بشارة أن دعايات ترمب الأكثر تأثيراً كانت حول القضايا التي قد لا تعني غالبية الأميركيين على عكس ما يظنه بعض الديمقراطيين، مثل قضايا المتحولين جنسياً. وماذا لو رشح الديمقراطيون شخصاً أبيض؟ يجيب بشارة أن الانتخابات الأميركية غالباً ما كانت تجري في السابق بين رجال بيض وأحدهم يربح، لذلك لا ضمان أنه لو كان مرشح الديمقراطيين من أصحاب البشرة البيضاء، لتغيرت النتيجة، مؤكداً، بالاستناد إلى الأرقام والاستطلاعات، أن كثيرا ممن لم يصوتوا لهاريس فعلوا ذلك لأنها سيدة وسوداء، وغالبية السود صوّتوا لهاريس بينما غالبية البيض لترمب.
أما القاعدة الناخبة لدونالد ترمب، فإنها لطالما كانت موجودة وعددها كبير، وهي لا تزال تؤمن بقيم أميركية بيضاء بروتستانتية تستند إلى ما تراه قيماً للعائلة الأميركية والخوف من المهاجرين والظواهر الجندرية وقناعات من نوع أن الفقر نوع من الكسل وممنوع أن تأخذ الدولة مال الأثرياء (الضريبة) لمساعدة الفقراء، وكل ما فعله ترمب أنه يتحدث باسم هذا التيار من دون خجل وهذا أحد أسباب قوته وفق تقدير المفكر العربي. انطلاقاً من ذلك، خلص بشارة إلى أن كثيرا من المحافظين يؤيدون ترمب لأنهم سلفيون يريدون العودة بأميركا إلى تلك المرحلة وهو ما يجسده شعار ترمب “جعل أميركا عظيمة من جديد”. لكن مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات يلفت إلى أن ترمب ليس من هؤلاء، بل هو مجرد انتهازي محاط بمجموعة من الطفيليين الأغنياء الجدد الوافدين مثله من قطاعات التطوير العقاري من البرجوازية غير المنتجة، وقد التقوا مصلحياً مع هذه الفئة من المحافظين. وأوضح أن هذه الردة الانعزالية في المجتمع الأميركي لم تطل المدن الرئيسية بل الريف والضواحي والمدن الصغيرة. في غضون ذلك، رأى بشارة أنه إذا لم يستغل ترمب ولايته الثانية لإحداث تغييرات بنيوية حقيقية مستفيداً من وجود مناصرين له في المحكمة العليا ومن الغالبية الجمهورية في مجلسي الكونغرس، فستكون فترة صعبة وتمضي، لكن هذه الفترة خطيرة لأن ترمب ورجاله سيستغلونها لإحداث تغييرات جذرية في الثقافة والتعليم والضرائب، ولأن المؤسسات كلها سُدّت أمام القوى التي ستعارض الرئيس المنتخب، ولن يكون أمام معارضيه إلا الشارع والفضاء العام، وهو ما سيؤدي وفق تقدير بشارة إلى اندلاع صراع حقيقي يبدأ ربما بعد مرور أول عام من حكم ترمب.
وفي إطار تحليله للدور الذي أداه عرب ومسلمون في أميركا لمصلحة فوز ترمب، اتفق بشارة مع القائلين إن سياسة بايدن الخارجية أثرت على الآلاف لناحية عدم الحماس للتصويت لهاريس، لكنه جزم بأن الصوت العربي في الانتخابات لم يكن مؤثراً، واختصر المسألة بعبارة: الفارق بين هاريس وترمب لم تصنعه ميشيغن (التي تُعتبر عقر دار الأميركيين العرب والمسلمين في أميركا). واختصر بشارة أزمة العرب والمسلمين في أميركا بأنهم لم يتمكنوا من حجز تأثير خاص بهم على الانتخابات لأنهم لم ينتظموا على أساس قضاياهم ولأنهم غير متفقين على قضاياهم كعرب وكمسلمين. وفي حين أكّد بشارة أن مواقف الحزب الديمقراطي كانت بالغة السوء حيال غزة وقضايا منطقتنا بالنسبة إلى العرب والمسلمين، لكن استراتيجياً وعلى المدى البعيد، الأقليات تنشط في الحزب الديمقراطي لكي تكون مؤثرة، ورهان العرب والمسلمين اليوم ربما يجب أن يكون في ذلك الحزب الذي لا تؤيد غالبية شبابه إسرائيل وتعارض الاحتلال، على حد تعبير عزمي بشارة، الذي أعرب عن قناعته بأن العرب والمسلمين الذين يعتقدون أن ترمب سيحمي قيم العائلة واهمون، لأن ترمب لا يفعل سوى مخاطبة مخاوف الناس وهو شخصياً أغلب الظن غير حريص على أي قيم.