رد دمشق «دبلوماسي وإيجابي» سوريا: المطالب الأمريكية تركز على الأمن وتتجاهل تل أبيب وموسكو وحماية الأقليات

سيريا مونيتور, منهل باريش 

في دمشق، لا أحد من الوزراء أو مسؤولي القصر، يعرف على وجه الدقة مضمون رد الإدارة السورية الانتقالية على ورقة المطالب الأمريكية، تلك الوثيقة المكتوبة التي سلمتها نائبة مساعد وزير الخارجية للوزير السوري أسعد الشيباني باليد على هامش مؤتمر بروكسل التاسع لدعم الشعب السوري. لكن ما يتردد في أوساط الدبلوماسية الدولية يشير إلى أن الرد السوري، الذي وصل إلى واشنطن قبل أيام، قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات بين دمشق والبيت الأبيض، وإن كانت محفوفة بالتحديات.
وكانت واشنطن قد تسلمت رد الإدارة السورية مكتوبا قبل أيام قليلة، وينظر مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية إلى رد وزير الخارجية السورية بأنه «إيجابي نسبيا ويعكس رغبة بالتعاون» حسب وصف مصدر مطلع على المراسلات بين الجانبين. وأضاف المصدر في حديث مع «القدس العربي» أن الشيباني «فصل في رده على النقاط الثماني الواردة في قائمة المطالب الأمريكية». ورفض المصدر التعليق حول اطلاعه على رسالة الوزير السوري، واكتفى بالتعليق على الرد بأنه «دبلوماسي وإيجابي» بدون أن يبدي تحفظا على أي منها، بما فيها قضية إبعاد المقاتلين الأجانب والترحيب بعمليات التحالف الدولي لمكافحة داعش. ولفت المصدر إلى أن الوزير السوري كان «حذرا وتجنب حسم كامل الأمور» المتعقلة بالشروط الأمريكية، وأصر الشيباني على «التواصل الفيزيائي المباشر من أجل مناقشة التفاصيل في الجوانب الحساسة والمعقدة» حسب المصدر.
ورغم التسريبات الشحيحة التي نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» حول شروط واشنطن لرئيس الفترة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع يبدو أن ملف المقاتلين الأجانب ومنع اشراكهم في مناصب الدولة السورية ليس هو أصعب الملفات، بل يضاف إلى ذلك، رغبة أمريكا أن يصدر الرئيس موقفا علنيا يرحب بنشاط وعمل «التحالف الدولي للقضاء على داعش».
ومن بين الشروط حظر نشاط الفصائل الفلسطينية السياسي والأمني والعسكري ووقف حملات التبرعات الخاصة بها، بدون الحديث عن طردها من الأراضي السورية أو حظر إقامة قادتها بصفتهم أفرادا لاجئين.
وتعتبر الإدارة الأمريكية أن منع النشاط الإيراني في سوريا مسؤولية يجب على إدارة الشرع ان تتعهد بها من خلال حظر استخدام الأراضي السورية لنقل السلاح والأموال إلى حزب الله اللبناني، في إشارة مباشرة إلى الحد من النفوذ الإيراني في سوريا وملاحقة الشبكات الأمنية والاقتصادية المرتبطة بالحرس الثوري خلال السنوات الماضية.
على صعيد آخر، خصصت القائمة الأمريكية بندا مهما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، حيث دعت إلى تسهيل الكشف عن مخازن هذه الأسلحة والتعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتفكيك الترسانة السورية. تقرير أمريكي حديث، استندت إليه صحيفة «نيويورك تايمز»، كشف عن تقديرات مفتشين دوليين بوجود 100 موقع للأسلحة الكيميائية في سوريا، وهو رقم يتجاوز بكثير التقديرات السابقة. هذه المواقع، التي كانت تُستخدم للبحث والتصنيع والتخزين، تحتوي على مخزونات من غاز السارين والكلور والخردل، وهي أسلحة ذات تأثير مدمر استخدمها نظام بشار الأسد ضد المعارضة والمدنيين خلال الحرب.
من المطالب الأخرى، تخصيص جهة اتصال مباشرة لمتابعة مصير المفقودين الأمريكيين في سوريا والبالغ عددهم 12 شخصا ومن بينهم الصحافي الأمريكي أوستن تايس. إلى جانب ضمان حقوق الأقليات وتمثيلها في الحكومة الانتقالية. وفيما يثير الانتباه، غابت عن الورقة أي إشارة إلى روسيا، أو ضمان أمن إسرائيل، أو قضية غزة، أو أي اقتراح يتعلق بتهجير الفلسطينيين إلى سوريا. كما لم تُحدد الورقة أقليات بعينها مثل الدروز أو الأكراد، ولم تؤكد على محاسبة مرتكبي عمليات القتل خارج القانون ضد العلويين في الساحل السوري، وهو ما وصفه المصدر بأنه «إغفال متعمد» يعكس تركيز واشنطن على أولوياتها الخاصة.
صراع التوجهات داخل إدارة ترامب
تعكس ورقة المطالب بوضوح التوجه الجديد لإدارة الرئيس دونالد ترامب، التي تبدو غير مهتمة بتعزيز الديمقراطية أو دعم إعادة الإعمار في سوريا، بل تركز على تحقيق مصالح الأمن القومي الأمريكي، وخاصة مكافحة الإرهاب ومنع عودة النفوذ الإيراني والروسي. داخل البيت الأبيض، يتصارع اتجاهان حول كيفية التعامل مع الحكومة السورية الانتقالية، الاتجاه الأول، بقيادة مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، ويساندها سيباستيان غوركا، مسؤول مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي، يرى أن إدارة الشرع «مجرد قشرة ديمقراطية تحكمها الشريعة»، ويحذر من أي تساهل معها. أما الاتجاه الثاني، الذي تمثله وزارة الخارجية ومبعوث ترامب للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، فيؤمن بإمكانية التوصل إلى «اتفاق سلام ملحمي» يشمل دول المنطقة، ويعتقد أن قادة مثل أحمد الشرع قد «تغيروا» عما كانوا عليه في الماضي. ويتخوف دبلوماسيون أمريكيون من أن إهمال سوريا قد يتيح لإيران وروسيا إعادة بناء شبكات نفوذهما الأمنية والاقتصادية.
يتزامن رد الشيباني مع استعدادات الحكومة السورية الانتقالية للمشاركة في اجتماعات الربيع السنوية لمجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، المقرر عقدها في واشنطن العاصمة بين 21 و26 نيسان (أبريل) الجاري. وسيقود الشيباني وفداً يضم وزير المالية محمد يسر برنية وحاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، في زيارة تُعد الأولى من نوعها لمسؤولين سوريين كبار إلى الولايات المتحدة منذ عقود. لكن التحدي الأول الذي يواجه الوفد يكمن في الحصول على تأشيرات الدخول، وهو اختبار مباشر لقدرات الشيباني الدبلوماسية.
وتجري دول عربية اتصالات مكثفة مع البيت الأبيض لتأمين استثناءات لأعضاء الوفد الحاملين لجوازات سفر دبلوماسية صادرة حديثاً. وتشير مصادر إلى أن هذه الجهود قد تُثمر عن تأشيرات مقيدة تتيح حضور جلسات الأمم المتحدة في نيويورك، لكن الحصول على تأشيرات تسمح بدخول واشنطن، حيث مقر البنك الدولي وصندوق النقد، سيُعد مؤشراً قوياً على تقدم العلاقة بين دمشق وواشنطن. وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن نجاح الشيباني في قيادة هذه الزيارة قد يعزز مكانته كرجل دبلوماسية قادر على التعامل مع تعقيدات المشهد الدولي.
يظل ملف الأسلحة الكيميائية أحد أكبر التحديات التي تواجه الحكومة السورية الانتقالية. التقرير الأمريكي الذي استندت إليه «نيويورك تايمز» أشار إلى أن هذه المواقع، التي تُستخدم للبحث والتصنيع والتخزين، تحتوي على أسلحة مثل السارين، وهو سلاح أعصاب قاتل خلال دقائق، والكلور والخردل، اللذين يسببان حروقاً واختناقاً. استخدم نظام الأسد هذه الأسلحة ضد المدنيين والمعارضة خلال الحرب، ما جعلها رمزاً للوحشية التي شهدتها سوريا. وبعد سقوط النظام، يبقى تأمين هذه المخزونات لغزاً يثير قلق المجتمع الدولي.
خلال زيارته إلى مقر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في لاهاي في آذار (مارس) الماضي، أعلن الشيباني التزام حكومته بتدمير بقايا برنامج الأسلحة الكيميائية والامتثال للقانون الدولي. ورغم السماح لفريق المنظمة بدخول سوريا هذا العام لتوثيق المواقع، يبدي الخبراء تفاؤلاً حذراً، مشيرين إلى صعوبة تحديد مواقع هذه الأسلحة باستخدام الأقمار الاصطناعية، والمخاوف من أن تكون غير مؤمَّنة. يُذكر أن النظام السوري السابق انضم إلى المنظمة عام 2013 تحت ضغوط روسية وأمريكية، وكشف عن جزء من مخزونه لتفادي ضربات جوية بعد هجوم كيميائي في ريف دمشق أودى بحياة أكثر من ألف شخص.
اجتماعات واشنطن لن تكون مجرد منصة اقتصادية، بل اختباراً لقدرة الحكومة الانتقالية على ترجمة تعهّداتها إلى خطوات عملية. هل ستنجح دمشق في كسب ثقة واشنطن بدون التضحية باستقلال قرارها؟ وهل يمكن للشيباني أن يحقق توازناً بين المطالب الأمريكية والتحديات الداخلية التي تواجهها سوريا بعد عقود من الحرب والدمار؟ الأيام المقبلة ستحمل الإجابة.

https://www.alquds.co.uk/%d8%b1%d8%af-%d8%af%d9%85%d8%b4%d9%82-%d8%af%d8%a8%d9%84%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%b3%d9%8a-%d9%88%d8%a5%d9%8a%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d9%8a-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b7/

Read Previous

الصين تعيد حساباتها في سوريا بعد سقوط الأسد: مخاوف من نفوذ الأويغور ومساعٍ لحماية المصالح الاقتصادية

Read Next

نتنياهو يعلن إقامة مناطق أمنية في سوريا ولبنان لحماية إسرائيل

Most Popular