رسائل ذات أبعاد مختلفة.. ما سر تحذير أردوغان من احتلال إسرائيل لدمشق؟

اسم الكاتب : ثائر المحمد 

 

في حديثٍ جرى على متن طائرته الخاصة، أثناء عودته من ألبانيا، محاطاً بمستشاريه ومجموعة من الصحفيين، كشف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن مخاوف بلاده من التحركات الإسرائيلية في المنطقة، مشيراً إلى أن احتلال دمشق من قبل إسرائيل قد يؤدي إلى تغييرات جذرية في الخريطة السياسية لسوريا، وصولاً إلى الشمال السوري والحدود التركية.

هذا التصور الذي قد يكون كارثياً ويشكل تهديداً مباشراً للمنطقة، بحسب أردوغان، يستدعي اتخاذ إجراءات فعّالة من دمشق، وموسكو، وطهران لحماية وحدة الأراضي السورية.

وفور انتشار تصريحات أردوغان، برزت العديد من التساؤلات حول مستقبل المنطقة، أهمها ما إذا كانت إسرائيل تسعى حقاً للتوغل شمالاً حتى تصل إلى حدود تركيا، فمثل هذا السيناريو قد يضع سوريا تحت سيطرة إسرائيلية كاملة، على اعتبار أنها ستتوغل من الجنوب إلى أقصى الشمال، كما تساءل مراقبون عما إذا كان النظام السوري قادراً على الصمود أمام هذا التحدي، خاصة مع انشغال حلفائه الروس والإيرانيين في صراعاتهم بميادين أخرى.

كما أن هذه التصريحات تفتح الباب لتساؤلات أخرى حول المصلحة التركية الحقيقية في مواجهة إسرائيل، وهل تسعى أنقرة فقط إلى بسط نفوذها على مناطق “قسد” في الشمال السوري، مستغلة حالة الفوضى التي تعيشها البلاد؟ أم أن أردوغان يطمح إلى دور أكبر في المنطقة، يستغل فيه ضعف النظام السوري وتشتته بين حلفائه؟

ماذا قال أردوغان؟

رداً على سؤال صحفي حول “تصريحات إسرائيلية صريحة بأنهم سيغزون دمشق بعد لبنان، واحتلال دمشق يعني قدوم الجنود الإسرائيليين إلى الحدود التركية والتفكك الكامل للخريطة السورية”، أجاب أردوغان قائلاً إن “إسرائيل ستأتي إلى الشمال السوري لحظة احتلالها لدمشق”، حال تم ذلك.

ويمكن تلخيص تصريحات أردوغان بعدة نقاط، وهي:

  1. إسرائيل تعلن بوضوح أنها ستحتل دمشق بعد لبنان، وهذا يعني وصول الجنود الإسرائيليين إلى حدود تركيا، وهو ما سيؤدي إلى تمزيق خريطة سوريا بالكامل.

  2. قوات إسرائيل ستواجه مقاومة عادلة ونبيلة من الرجال الشجعان الذين يدافعون عن وطنهم في كل بقعة أرض تمتد إليها أيديها الملطخة بالدماء، النصر سيكون حليف الصابرين.

  3. سوريا عاشت معاناة كبيرة، ويتعين على الإنسانية أن تعارض إضافة معاناة جديدة لهذا البلد.

  4. تركيا ومنذ بداية الأزمة السورية لطالما أكدت على احترامها لوحدة أراضي سوريا.

  5. أنقرة استخدمت كافة الوسائل الدبلوماسية لحماية سيادة سوريا، وكل خطوة اتخذتها تركيا كانت تهدف إلى تخفيف التوتر في المنطقة وإرساء أساس لإيجاد حل للأزمة.

  6. “اليوم، يمكن للاستخدام الفعال للقنوات الدبلوماسية أن يمنع تصعيد الصراع في المنطقة”.

  7. يتوجب على الإنسانية أن تقف ضد إسرائيل التي تحولت إلى وحش يقتل السلام والاستقرار.

  8. سنواصل العمل من أجل استعادة وحدة سوريا وتحقيق السلام والاستقرار فيها، وسنزيد جهودنا لخلق أجواء سلام عادل ومشرف ودائم وشامل في سوريا.

  9. أنقرة ومنذ بداية الحرب في سوريا تتابع بدقة الخطوات التي ستتخذها روسيا، لأنها تعمل بشكل مشترك مع سوريا (النظام).

  10. في حين تتحرك روسيا وإيران وسوريا في آلية ثلاثية، على الجانب الآخر هناك قوات تحالف مكون من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا تقوم بحماية “تنظيم بي كي كي/ واي بي جي الإرهابي”.

  11. من الضروري أن تتخذ روسيا وإيران وسوريا إجراءات أكثر فعالية إزاء هذا الوضع الذي يشكل أكبر تهديد لسلامة الأراضي السورية.

  • لذلك، فبينما تبدو جهود إسرائيل لنشر الحرب في المنطقة برمتها واضحة من جهة، فإن الأنشطة الانفصالية والمدمرة للتنظيمات الإرهابية ماثلة للعيان أيضاً من جهة أخرى.
  • “إننا بحاجة إلى إنقاذ المنطقة من خلال التضامن، وترك حسابات المصالح الضيقة جانباً”.

تركيا تستشعر المخاطر

قال الباحث في العلاقات الدولية والشأن التركي، محمود علوش، إن تركيا تستشعر مخاطر متزايدة حول احتمالية امتداد الحرب الإسرائيلية في لبنان إلى سوريا، مرجحاً أن يكون القلق التركي نابعاً من عدة اعتبارات. أولها، أن تركيا تتخوف من أن نجاح إسرائيل في أهدافها بتغيير خارطة الشرق الأوسط عبر الحرب، يعني بالضرورة خلق واقع إقليمي جديد ستكون تل أبيب متسيدة فيه، بالتالي سيكون هناك عواقب جيوسياسية سلبية على تركيا.

وأشار علوش في حديث لموقع تلفزيون سوريا، إلى خشية تركية من محاولة إسرائيل احتلال أجزاء من سوريا، أو التدخل في سوريا بشكل أكبر، مما يؤدي إلى إعادة إشعال الصراع، وبالتالي، سيكون لذلك انعكاسات كبيرة على الدول التي لها دور في البلاد، بما فيها تركيا وروسيا وإيران.

كما تعتقد أنقرة أن أي محاولة لجر الحرب إلى سوريا سيشكّل استفادة لـ “المشروع الانفصالي الكردي” في شمال شرقي البلاد، مرجحاً أن تستفيد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من أي تدخل عسكري إسرائيلي واسع في سوريا. وبحسب علوش، هذه العوامل الثلاثة، يبدو أنها تشكل قلقاً لتركيا، خاصة أن كل الاحتمالات مفتوحة، على اعتبار أن إسرائيل تدير الحرب من منظور الفرص التي أوجدتها لإعادة تشكيل الشرق الأوسط.

ويرى الباحث أنه لا يوجد أي خطوط حمراء قد تردع إسرائيل في تصعيد الصراع، بالتالي كل الاحتمالات مفتوحة بما يتعلق بالمسألة السورية، مضيفاً: “أعتقد أن أردوغان سعى من خلال الرسائل التي أرسلها إلى روسيا وإيران، إلى الإشارة لضرورة إعادة دفع وتسريع مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق في هذه المرحلة، وكذلك أعتقد أن سوريا معرضة فعلاً لتكون ساحة حرب بشكل أكبر في الفترة المقبلة”.

“رسائل مباشرة”

من جهته، لفت الأكاديمي والباحث السياسي سمير صالحة، إلى تصاعد الخطاب السياسي التركي ضد إسرائيل، وضد كل من يدعم إسرائيل في اعتداءاتها سواء في قطاع غزة أو جنوبي لبنان. والآن يبدو أن الملف السوري قد دخل على الخط، مضيفاً: “نلاحظ أيضاً وجود حراك دبلوماسي سياسي في السابق بهدف تقريب العلاقات بين أنقرة والنظام في دمشق، ومع هذا التصعيد الإسرائيلي باتجاه سوريا، السيناريو بهذا الخصوص حتى الآن غير واضح المعالم، وهذا ما يقلق أنقرة”.

وذكر صالحة في حديث مع تلفزيون سوريا، أن تركيز أردوغان منصب على مسألة أن أي عدوان إسرائيلي على دمشق يعتبر مساساً بوحدة سوريا، مما يشير إلى أن أنقرة تستعد لعدة سيناريوهات في حالة حدوث تدخل عسكري إسرائيلي مباشر في سوريا. النقاش حول السيناريوهات مفتوح، لكن البداية تشير إلى أن الرئيس أردوغان وجه رسائل مباشرة إلى روسيا وإيران والنظام السوري، مشيراً إلى وجود تكتلات إقليمية ودولية متقابلة، حيث يقف تكتل ثلاثي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا مقابل التكتل الثلاثي الآخر.

على الرغم من أن أنقرة تسعى للبقاء خارج هذه التكتلات والتركيز على الجهود الدبلوماسية، إلا أن أي تحرك عسكري إسرائيلي ضد الأراضي السورية سيواكبه على الأرجح تحرك تركي عسكري مقابل (ليس تجاه إسرائيل بشكل مباشر إنما لقطع الطريق عليها)، وفق صالحة.

النظام السوري “الحلقة الأضعف”

يرى المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي، رائد جبر، أن النظام السوري هو الطرف الأضعف بين الفاعلين المؤثرين في سوريا، مضيفاً أن دعوة أردوغان تأتي في توقيت مهم للغاية، نظراً لتصاعد الحملة الإسرائيلية وتوسيع أهدافها. في البداية، بدأت إسرائيل بقصف بعض المواقع في لبنان، ولكن سرعان ما توسعت الأهداف بعد السقوط السريع لحزب الله، ما دفع نتنياهو لمزيد من التقدم.

وقال جبر في حديث مع تلفزيون سوريا، إن هذا التحذير من أردوغان يأتي في محله، حيث أن الدول الثلاث، تركيا، روسيا، وإيران، هي الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا. تلك الدول التي كانت تسعى لتنسيق سياساتها بشأن ترتيب الأوضاع المستقبلية في سوريا، ولديها وجود عسكري داخل الأراضي السورية، وإذا قامت إسرائيل بتوسيع عملياتها حتى لو اقتصر الأمر على الوصول إلى دمشق أو إضعاف النظام وربما إسقاطه، سيكون لهذا تأثير خطير على مصالح تلك الدول الثلاث.

ورغم أن إيران جزء من المشكلة بالنسبة لغالبية المجتمع السوري، فإن دعوة أردوغان تشكل مسؤولية كبيرة على هذه الدول. ومن الجانب الروسي، تُعتبر هذه الدعوة ذات أهمية كبرى بحسب الباحث، فرغم تصاعد اللهجة الروسية تجاه التصرفات الإسرائيلية في لبنان وسوريا، لم نشهد حتى الآن تحركاً جاداً من روسيا، العضو الدائم في مجلس الأمن، والذي لديه القدرة على توجيه إنذار أو تقليص حجم المعركة القائمة.

وبحسب جبر، روسيا، مثل أردوغان، تراقب التداعيات المحتملة بقلق، لأن انهيار النظام في سوريا قد يغير الخريطة السياسية بالكامل، وقد يؤدي إلى تداعيات كبيرة تشمل الوجود الأميركي في الشمال السوري وإمكانية إقامة كيان كردي. بناءً على ذلك، حذر أردوغان من خطر يحيط بسوريا بوضعها الجغرافي والسياسي الحالي.

ورغم أهمية توقيت هذه الدعوة، من غير المتوقع أن يشهد الجانب الروسي رداً مكافئاً بنفس درجة الحماسة التي أبدتها تركيا.

الدور التركي المرتقب

رغم الحماس التركي لوضع حد لإسرائيل، إلا أن الكاتب صالحة، أكد على نقطة أساسية وهي أن الجهود التركية بمفردها لا تستطيع تحقيق النتائج المرجوة، سواء كان ذلك في اتجاه التهدئة أو إقناع الأطراف بالجلوس إلى طاولة الحوار. وذلك يعود إلى تعدد اللاعبين وتداخل الملفات، سواء على المستوى السياسي أو الأمني أو العسكري، لذلك، يُستبعد أن تكون أنقرة قادرة بمفردها على تحقيق هذا التحول في المواقف والسياسات.

أنقرة تنتقد بشكل علني وبنبرة تصعيدية الجانب الإسرائيلي وسياساته وممارساته، سواء كان ذلك في لبنان أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو حتى في سوريا. ومع ذلك “يجب أن نكون حذرين في هذا السياق، نحن دائماً ننتقد سياسات إيران ونحملها المسؤولية عن تعقيد الأمور، سواء في لبنان أو في سوريا، ولكن لا يمكن بأي حال من الأحوال طرح معادلة تقايض فيها إسرائيل بإيران في الملف السوري”، بحسب الكاتب.

وأضاف صالحة: “صحيح أن إخراج إيران وميليشياتها من سوريا هو مطلب أساسي، لكن تقدم القوات الإسرائيلية تحت ذريعة محاربة إيران في سوريا لا يقدم أي ضمانات حقيقية حول نوايا إسرائيل. الرئيس أردوغان يدرك أن إسرائيل ربما لن تصل إلى الحدود الجنوبية لتركيا، لكنه يعلم أن أي تدخل بري إسرائيلي في سوريا سيعزز النفوذ الأميركي في المنطقة”، ويشجع المشاريع الانفصالية لـ “قسد” و”مسد”.

لذلك، إذا أطلقت إسرائيل عملية برية، يعتقد صالحة، أن أنقرة لن تتردد في تنفيذ عملية عسكرية استباقية في مناطق شرق الفرات، على أن يكون الهدف من هذه العملية حماية مصالح تركيا ومنع قيام كيان انفصالي يستهدف سوريا ويمثل تهديداً لتركيا.

وتابع: “السؤال الحقيقي ليس كيف ستتعامل إسرائيل مع إيران في سوريا، بل كيف ستتعامل روسيا مع السيناريو المحتمل للتصعيد العسكري الإسرائيلي في سوريا؟ لأن روسيا، بصفتها الضامن الأقوى في سوريا، تمتلك الورقة الرئيسية في هذا الملف، وأي تصعيد يحتاج إلى دراسة متأنية ونقاش مطول من الجانب الروسي”.

روسيا “لا تبدو متحمسة”

في الجانب الآخر، روسيا لا تبدو متحمسة أو على نفس درجة الحماسة التركية للتعامل مع السياسات الإسرائيلية، لأن روسيا لديها أولويات أساسية الآن في معركتها في أوكرانيا ومواجهتها الكبيرة مع الغرب عموماً. وبحسب الباحث جبر، إن الوجود الروسي في سوريا هو فقط واحد من الأوراق والعناصر المهمة بالنسبة إلى موسكو، ولكنه ليس الأولوية القصوى في هذه المرحلة.

في السابق، كانت روسيا تعمل على إبعاد النظام السوري عن دائرة النار، وهذا يعود إلى رغبتها في تثبيت أقدامها عسكرياً وسياسياً في منطقة الشرق الأوسط، وهو إنجاز مهم بالنسبة لموسكو. ومن المرجح أن روسيا ستسعى إلى مساعدة النظام السوري، لكنها لن تتدخل بشكل حاسم إذا قامت إسرائيل بعملية عسكرية واسعة النطاق قد تصل إلى دمشق. بدلاً من ذلك، قد تسعى موسكو إلى تسوية سياسية مع إسرائيل والغرب، تتضمن انسحاب القوات الإيرانية مقابل وقف إطلاق النار، ولكن لا يمكن الاعتماد على دور روسيا بشكل أكبر من ذلك.

“النظام سيجد نفسه وحيداً”

من جهته، استبعد الكاتب والمحلل السياسي أسامة بشير اندلاع حرب واسعة. وإن حدث اجتياح إسرائيلي في سوريا، فإن روسيا لن تتدخل للدفاع عن النظام السوري. روسيا قد تتدخل فقط إذا تعرضت مواقعها للقصف، حيث ستدافع عن نفسها، لكنها لن تشارك في حرب للدفاع عن النظام السوري، وكذلك إيران.

ويعتقد بشير أن النظام السوري سيجد نفسه وحيداً، وإذا تمكن من الدفاع عن نفسه فسيواصل، وإذا لم يستطع، فسيسقط دون دعم فعلي من إيران أو روسيا. مشدداً في حديث مع تلفزيون سوريا، على أن روسيا أو إيران لن تتدخلا في حرب واسعة أو مواجهة مباشرة دفاعاً عن النظام.

وتدرك روسيا تماماً أن أي حرب مع إسرائيل ستعني تورطها في صراع مع الناتو، وهو ما لا يمكنها تحمله حالياً. ووفق بشير، روسيا غير قادرة على فتح جبهة جديدة في سوريا وستلتزم الصمت، وربما تتجه للحل السياسي كما أشار البعض. قد تلجأ إلى السياسة لإيجاد تفاهمات وحلول لوقف التصعيد، ولكن من غير المرجح أن يكون هناك حل سياسي وشيك، خاصة في ظل السياسات الحالية لإسرائيل.

المصدر : تلفزيون سوريا

Read Previous

قد تكون محاولة اغتيال ثالثة.. القبض على مسلح قرب تجمع انتخابي لترامب

Read Next

التحولات السياسية في دمشق تقلق فصائل فلسطينية.. قيود النظام ومخاوف الاستهداف

Leave a Reply

Most Popular