سامر الأحمد، محمد حسان
لم يكن تمرد مجموعات فاغنر العسكرية على الحكومة الروسية ووزارة الدفاع وقادتها العسكريين مفاجئاً، خاصة في الفترة الأخيرة من الحرب الروسية الأوكرانية مع الظهور المستمر لزعيم تلك القوات يفغيني بريغوجين، الذي تكرر ظهوره خلال الأشهر الماضية منتفداً تارة ومهدداً تارةً أخرى للقادة العسكريين الروس، بسبب ما قال إنه نقص في الذخيرة والمعدات المقدمة لقواته على جبهات أوكرانية وخاصة باخموت، ما تسبب بمقتل العشرات من قواته على مدار الفترة الماضية.
خلاف مجموعات فاغنر مع الحكومة الروسية لم يكن وليد الحرب الأوكرانية، وأن كانت الحرب هناك هي من تسببت بزيادة الشرخ وتفجير الخلاف للعلن على شكل تمرد عسكري، لكن هذا الخلاف بدء في سورية منذ عام 2017 وزاد خلال السنوات الماضية، حتى وصل إلى ما وصل إليه قبل أيام، ويمكن تلخيص أسباب الخلاف بين فاغنر والحكومة الروسية في سورية بأربعة نقاط رئيسية.
معركة تدمر
السبب الأول للخلاف بين الطرفين يعود إلى معركتي تدمر الأولى والثانية خلال نهاية عام 2016 وبداية عام 2017، التي خاضتها قوات فاغنر مدعومة بالجيش السوري لطرد تنظيم “داعش” من المدينة الأثرية، وكان سبب الخلاف وقتها يعود لعدم تزويد القوات الروسية العاملة في سورية لقوات فاغنر بالسلاح الكافي خلال فترة المعركة، ما تسبب في تأخر العملية ووقوع خسائر كبيرة في صفوف قوات فاغنر في معركة طرد التنظيم من المدينة.
يصف الكاتب الروسي لكيريل رومانوفسكي في كتاب مذكرات الذي صدر مؤخراً، ورومانوفسكي هو مراسل لوكالة أنباء ريا فان التابعة ليريغوجين زعيم فاغنر، وأحد أبرز الصحفيين الذي تابع فاغنر حول العالم وتوفي بسبب السرطان في يناير الماضي، تفاصيل الخلاف بين زعيم فاغنر والجنرال ألكسندر دفورنيكوف الذي كان يشغل حينها قائد للقوات الروسية في سورية، يصف الكاتب المشهد على أحد التلال المحيطة في مدينة تدمر، حيث يجلس بريغوجين بجانب دفورنيكوف وهما يتابعان مجريات المعركة، وفي تلك الجلسة قتل عدد من عناصر فاغنر وتعالت الأصوات بخصوص نفاذ ذخائر المدفعية من قوات فاغنر حيث صرخ قائد فاغنر، “دفورنيكوف أيها الوغد، أعطنا 100 قذيفة مدفعية”.
خلاف الطرفين في معركة تدمر ضد “داعش”، تعمق أكثر بعد السيطرة على مدينة تدمر مطلع شهر مارس 2017، حين قامت وزارة الدفاع الروسية بتوزيع الأوسمة والنياشين لقادة عسكريين في القوات الروسية والمليشيات المحلية السورية، للشجاعة التي أبدوها في معركة تدمر، ولم تتلق قوات فاغنر الطرف الفعال والرئيسي في المعركة أي منها، ما أعتبره بريغوجين خلال ظهوره الإعلامي المتكرر سرقة جهود فاغنر وتضحياتها ونسبها للقادة العسكريين الروس.
تدمير قوات فاغنر قرب ديرالزور
السبب الثاني للخلافات، يعود إلى شهر فبراير عام 2018، حين دفعت القيادة العسكرية الروسية قوات فاغنر للتقدم إلى منطقة خشام شرق دير الزور والمسيطر عليها من قبل قوات سورية الديمقراطية والقوات الأمريكية، بهدف السيطرة على معمل غاز كونيكو، أهم معامل الغاز في سورية، لكن محاولة التقدم فشلت فشل ذريع، حيث قامت قوات التحالف الدولي العاملة في سورية وعلى رأسها الولايات المتحدة بقصف جوي ومدفعي لقوات فاغنر المتقدمة، ما تسبب بمقتل ما لا يقل عن 200 عنصر من تلك القوات وجرح العشرات، إضافة لتدمير عشرات الآليات العسكرية لتلك القوات.
تقدم قوات فاغنر وتوليهم عملية السيطرة على حقل كونيكو، جاء بعد حصول بريغوجين وعود من قادة القوات الروسية العاملة في سورية الحماية الجوية الكاملة لقواته المتقدمة على الأرض، سواء من الطيران الروسي أو أنظمة الدفاع الجوي بما فيها ” س 300″، إضافة لتحذيره في حال وجود أي تعديل في الخطة لتدارك تبعات الرد الأمريكي، لكن جميع تلك الوعود لم تنفذ، وتركت قوات فاغنر تحت رحمة سلاحي الجو والمدفعية الأمريكي، والتي عرفت في روسيا بـ “مذبحة فبراير الأحمر”.
فاغنر اعتبرت تلك الحادثة خيانة مباشرة لها من وزارة الدفاع الروسية، خاصة بعد تصريحات جيمس ماتيس وزير الدفاع الأمريكي خلال أفادته أمام الكونغرس في تلك الفترة، أن الروس نفوا علاقتهم بمجموعة فاغنر خلال عمليات تواصل مباشر بين الطرفيين في اللحظات الأولى لتقدم تلك القوات لاستهداف مناطق وجود القوات الأمريكية، ما أضطر الأخيرة للرد.
بينما قالت وزارة الدفاع الروسية في تصريحات لها بعد الحادثة بساعات ” إن الحادثة هو عمليات استطلاع وتفتيش للقوات السورية لم يتم تنسيقها مع قيادة مجموعة العمليات الروسية في قرية الصالحية، وأنه لا يوجد جنود روس في هذه المنطقة من محافظة دير الزور السورية”.
تجنيد السوريين للقتال في ليبيا
السبب الثالث للخلاف، بداء عام 2020 في محافظة الحسكة شمال شرق سورية، حين استغلت فاغنر الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي عاشتها المنطقة تلك الفترة، نتيجة سوء موسم القمح وتدهور العملة السوريةـ إضافة للتضييق الأمني الذي فرضه النظام وقوات سوريا الديمقراطية على شباب المنطقة نتيجة التجنيد الاجباري، ما أدى إلى قيام مئات الشباب من أبناء العشائر العربية هناك إلى التسجيل في صفوف فاغنر، حيث تم نقلهم إلى ليبيا للقتال في صفوف فاغنر، التي كانت تدعم الجنرال الليبي خليفة حفتر في مواجهة حكومة طرابلس، وبالفعل تم نقل مئات الشباب المجندين إلى الشرق الليبي ضمن عقود “حماية المنشآت النفطية”.
هذه الخطوة أثارت ردود فعل رافضة من وجهاء ومثقفي العشائر العربية، التي طالبت قيادة القوات الروسية بالتدخل لوقف تحويل أبناء العشائر إلى مرتزقة عابرين للحدود، وفعلا تم إصدار بيانات من عدة عشائر مثل: حرب، بني سبعة، الشرابين، طي للمطالبة بوقف عمليات التجنيد، وبعد أسابيع حصلت اجتماعات بين وجهاء العشائر مع قيادة القوات الروسية في القامشلي وحميميم، ووفق مصادر محلية تم مناقشة ضرورة وقف عمليات التجنيد ووضع حد لنشاط فاغنر في المنطقة التي حاولت شق صف المكون العشائري، وبالفعل تم إيقاف عمليات التجنيد منتصف صيف عام 2020.
الخلافات مع القوات الشيشانية
السبب الرابع للخلافات، هو ما تلا بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث شهدت محافظة الحسكة أيضاً، خلافات بين فاغنر والكتيبة الشيشانية، التي كانت تتمركز في محيط مطار القامشلي إلى جانب القوات الروسية العاملة في المطار، وأسباب الخلاف تعود إلى قيام الكتيبة الشيشانية برفع صور قاديروف واعتباره بطلاً للحرب الأوكرانية، فيما تعتبر فاغنر أن مقاتليها كانوا ومازالوا رأس الحربة وهم من انقدوا هيبة الجيش الروسي بعد فشل الهجوم على كييف.
إضافة إلى تلك الخلافات كان المقاتلون الشيشان يمارسون الصلاة والعبادات بشكل جماعي ما أزعج مقاتلو فاغنر وبعض الضباط الروس، وتصاعدت الخلافات، ولكن قيادة الضباط الروس كانت تميل لعدم إزعاج الكتيبة الشيشانية وخاصة ان القوات الروسية في القامشلي تضم مقاتلين مسلمين من داغستان، فيما فاغنر هي شركة خاصة، وهذا ما أدى إلى عدم التعاون بين الطرفيين وفصل نشاط فاغنر هناك عن نشاط القوات الروسية وعملها بشكل مستقل.
بعد انقلاب بريغوجين الفاشل
تداعيات تمرد فاغنر العسكري في روسيا جاءت مبكرة على الأراضي السورية، فمنذ إعلانها السيطرة على روستوف وتهديدها بالتقدم إلى موسكو، تحركت الشرطة العسكرية الروسية والقوات الروسية في سورية، بدعم من المليشيات الإيرانية لتطويق مقرات فاغنر في شرق سورية خاصة ريف حمص ومحافظة دير الزور، وقامت باعتقال جميع عناصر تلك المليشيا، وتسببت العمليات بمقتل ثلاث عناصر من الشرطة العسكرية الروسية في دير الزور، بعد اشتباكات دارت بين الطرفين في مدينة الميادين، ونقل جميع عناصر فاغنر المعتقلين إلى قاعدة حميميم العسكرية، بينما سلمت الشرطة العسكرية الروسية نقاط فاغنر السابقة في تلك المناطق للمليشيات الإيرانية، وسط حديث عن محاولة إيرانية لاستقطاب المقاتلين السوريين الذين كانوا يتبعون لفاغنر في ريف حمص نظرا لخبرتهم القتالية ونقلهم إلى مقرات المليشيات الإيرانية في دير الزور والحسكة.
لابد أن فاغنر كان لها دور مهم في حماية المصالح الروسية في سورية، ودعم نظام الأسد في بسط سيطرته على أجزاء من البلاد، ولكنها حصلت بالمقابل على عقود استثمارية وتعهدات من نظام الأسد بمبالغ مالية كبيرة خاصة في حقول النفط والغاز، ليبقى السؤال ما مصير هذه الاستثمارات والعقود، ومن سيخلف فاغنر في سوريا؟، ولكن السؤال الأهم هل يمكن أن نشهد تكرار لتمرد ميليشات على الدولة المؤسساتية على غرار تمرد فاغنر في روسيا أو الدعم السريع في السودان، وخاصة أن الحرب السورية خلال أعوامها الطويلة دفعت نظام الأسد إلى الاستعانة بعدد كبير من المليشيات المحلية والعابرة للحدود والتي تربطه بها مصالح شخصية واقتصادية بعيدا عن وزارة الدفاع وقيادة الجيش النظامي؟.