سيريا مونيتور – نادر دبو
درعا، سوريا – تعيش محافظة درعا، جنوبي سوريا، أزمة مائية غير مسبوقة، مع تدهور متسارع في أوضاع توفير المياه نتيجة عوامل مركبة، تتقدمها قلة الأمطار هذا العام، والتعديات المتكررة على مصادر المياه، وغياب الكوادر الفنية، إضافة إلى النقص الحاد في المحروقات والكهرباء، ما أدى إلى شلل في تشغيل محطات الضخ وتأمين المياه للأهالي.
تكاليف مرهقة.. والمواطن عاجز
في ظل غياب البدائل الفعالة، يضطر السكان إلى شراء صهاريج المياه من آبار خاصة، بأسعار تفوق قدرتهم.
يقول المواطن محمد الزعبي في حديث لـ مراسل “سيريا مونيتور”:
“لا نملك القدرة على جلب صهريج مياه، فتكلفته تصل إلى 90 ألف ليرة سورية، في حين أن راتبي الشهري لا يتجاوز 150 ألفاً. الوضع لا يُحتمل، والمياه لم تعد متاحة حتى للشرب.”
وأشار الزعبي إلى أن الحفر العشوائي للآبار ساهم في استنزاف المياه الجوفية دون تنظيم أو رقابة، ما أدى إلى ندرة المياه الصالحة للشرب، فضلاً عن تدهور الواقع الزراعي بشكل حاد.
من جهته، عبّر شادي العمارين، من ريف درعا، عن استيائه من تكرار أزمة المياه دون حلول، قائلاً:
“لسنا قادرين على شراء المياه، فحتى بعد انخفاض سعر المازوت، لم تنخفض أسعار الصهاريج. والمشكلة الأكبر أننا ما عم نشوف المياه خالص.”
وأردف العمارين: “تقدمنا بعدة شكاوى إلى المحافظة وإلى وحدة المياه، ولكن دون أي استجابة تُذكر. نشعر أن أحداً لا يسمعنا.”
ونوه إلى أن الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، مطالباً الجهات المسؤولة بالتدخل العاجل وتنظيم توزيع المياه وتوفيرها للفقراء قبل الأغنياء.
وحدة مياه نوى توضح الأسباب وتدق ناقوس الخطر
في تصريح خاص لـ”سيريا مونيتور”، شرح المهندس أحمد أبو السل، رئيس وحدة مياه نوى في درعا، الأسباب التقنية والإدارية التي أدت إلى حرمان مدينة نوى من حصتها من المياه.
وقال أبو السل:
“التعديات على خط الدفع الرئيسي المغذي لمدينة نوى تتم عبر التلاعب بالسكورة الفرعية التي تغذي بعض القرى مثل جلين، المزيرعة، عدوان، تسيل، والشيخ سعد، حيث يتم فتح هذه السكورات خارج الأيام المخصصة لهم.”
وأشار إلى أن نظام الضخ يعمل بالتناوب: يوم للمدينة ويوم للقرى المجاورة. ونظراً لفارق المناسيب بين منسوب وادي الأشعري (392م) وخزان تل جموع (620م)، بفرق يبلغ 228 متراً، فإن أي فتح غير نظامي يؤدي إلى إيقاف الضخ ومنع وصول المياه إلى الخزان.
ونوه أبو السل إلى أن أكثر من 120 ألف نسمة في نوى يعانون من هذا الوضع، مشيراً إلى أن التعديات لا تقتصر على القرى بل تطال بعض أحياء نوى نفسها، وخاصة على الطريق السياحي ومناطق شرق وغرب المدينة، رغم المحاولات المستمرة من الوحدة لتنظيم الضبوط ومعاقبة المخالفين.
وأردف:
“الأزمة لا تقتصر على التعديات، بل تشمل أيضاً شح الأمطار، نقص الكوادر، قلة المحروقات، وترهل الشبكة بشكل كبير، ما يزيد من الأعطال ويعيق عمليات الصيانة.”
وأكد أن هناك نقصاً حاداً في المعدات والآليات، إضافة إلى تدني الأجور الشهرية للعاملين، وهو ما يعطل استجابة وحدة المياه بشكل فوري.
وأشار إلى أن حصة مدينة نوى من مياه الأشعري كانت 700 م³ في الساعة، لكنها انخفضت حالياً إلى 300 م³ فقط، ولا يصل منها إلى خزان تل جموع سوى 180 م³ نتيجة الضياعات والاحتكاك.
وأكد على ضرورة إعادة تفعيل محطة تل جموع الأرضية التي تعرضت للسرقة، باعتبارها الحل الأمثل لمنع العطش عن نوى.
كما شدد على أهمية ضبط التعديات من نقطة البداية في وادي الأشعري، والحد من هدر المياه وتلوثها، كونها صالحة تماماً للشرب.
وختم بالقول:
“خط الدفع الرئيسي يعاني من أعطال مستمرة نتيجة الضغط العالي الناجم عن فرق المناسيب. إذا لم يتم التدخل السريع، فإن وضع المياه في نوى سيتحول إلى أزمة إنسانية حقيقية.”
تجدر الإشارة إلى أن محافظة درعا تشهد منذ سنوات تدهوراً متواصلاً في البنية التحتية والخدمات الأساسية، نتيجة الحرب التي شهدتها المنطقة، والتراجع الكبير في أداء المؤسسات الخدمية. وفي ظل غياب حلول جذرية، يبقى السؤال المطروح:
هل تتحرك الجهات المعنية أخيراً لوضع حد لأزمة المياه التي تهدد حياة مئات الآلاف؟