سيريا مونينور..
كشف المدير العام للآثار والمتاحف، نظير عوض، عن نجاح الأجهزة الأمنية السورية في ضبط عدد كبير من القطع الأثرية داخل منازل شخصيات نافذة ورجال أعمال تابعين للنظام السابق. وأوضح أن هذه القطع جرى الاستحواذ عليها من خلال شرائها من عمليات تنقيب غير شرعية تمت خلال سنوات الفوضى.
وأشار عوض،إلى أن بعض كبار المسؤولين والمتنفذين استغلوا نفوذهم للاتجار بالآثار، مستفيدين من الحماية التي كانوا يحظون بها، مضيفاً أن تهريب هذه القطع إلى خارج البلاد تم بتسهيلات من بعض الضباط في الجيش والأجهزة الأمنية للنظام السابق، بينما قام بعض عناصر الجيش والشرطة حينها بتسليم جزء من القطع المضبوطة لاحقاً.
أكد عوض أن ظاهرة التنقيب غير المشروع عن الآثار ليست جديدة، بل تعود إلى مئات السنين، مشيراً إلى أن استعادة القطع المسروقة من المتاحف ممكنة بفضل توثيقها المسبق، لكن المشكلة الكبرى تكمن في استرجاع القطع التي تم التنقيب عنها بشكل غير قانوني، إذ لا توجد لها سجلات رسمية، ما يجعل عملية الاسترداد معقدة وشائكة.
وأضاف أن هناك مئات الآلاف من القطع الأثرية السورية التي خرجت من البلاد وتُعرض حالياً في مزادات ومعارض عالمية، وهو ما يؤكد أن عمليات التهريب لم تكن تتم على مستوى أفراد عاديين، بل كانت تُدار من قبل شخصيات ذات نفوذ واسع.
وأشار إلى أن عمليات التنقيب لم تقتصر على مناطق النظام السابق، بل انتشرت في جميع أنحاء سوريا خلال سنوات الحرب، ما أدى إلى تدمير مواقع أثرية غنية، نتيجة الحفر العشوائي واستخدام معدات ثقيلة تؤدي إلى طمس معلومات تاريخية قيّمة.
شدد عوض على ضرورة اتخاذ إجراءات أكثر صرامة للحد من هذه الكارثة، مشيراً إلى أن غياب المؤسسات الأمنية بعد التحرير فاقم الأزمة، حيث لا يوجد عدد كافٍ من عناصر الأمن العام لضبط عمليات التنقيب والتهريب.
ودعا إدارة الأمن العام إلى تعزيز التعاون مع مديرية الآثار، وزيادة أعداد عناصر الأمن لتغطية المناطق الأثرية وحمايتها، خاصة مع انخفاض أعداد موظفي المديرية من 5000 إلى 2500 موظف. وأوضح أن العديد من المواقع الأثرية باتت غير آمنة حتى خلال النهار، ما يعوق عمليات المراقبة والمتابعة.
وأردف أن المشكلة لا تتعلق فقط بعمليات التنقيب، بل تشمل أيضاً استخدام معدات ثقيلة وأجهزة كشف عن المعادن، مما يسبب دماراً هائلاً للطبقات الأثرية، ويصعّب تقدير حجم الأضرار على أرض الواقع.
جهود دولية لحماية التراث السوري
اتهم عوض النظام السابق بمحاولة تسييس ملف الآثار، مشدداً على أن دور المديرية يتمثل في حماية التراث والحفاظ عليه بعيداً عن التجاذبات السياسية. وأكد أن هذا النهج مكّن سوريا من استعادة دورها في المؤتمرات الدولية والحصول على تمويل لمشاريع حماية التراث الثقافي، مثل مشروع “الصون العاجل للتراث الثقافي السوري” الذي أُطلق عام 2014.
كما أشاد بالجهود التي بذلها المختصون في إدلب لحماية بعض المواقع الأثرية، مثل تغطية لوحات الفسيفساء وصيانة متحف معرة النعمان، رغم صعوبة التواصل المباشر معهم بسبب الضغوط الأمنية التي فرضها النظام السابق.
كشف عوض أن القصف الجوي المكثف، خاصة في ريفي حلب وإدلب، ألحق أضراراً جسيمة بالمواقع الأثرية، كما أن بعض هذه المواقع تحولت إلى ساحات معارك، ما أدى إلى تدميرها بشكل كبير.
وأكد أن المديرية بذلت جهوداً لحماية المواقع الأثرية في مختلف أنحاء البلاد، بالتعاون مع منظمات دولية مثل اليونيسكو، التي تعمل بعيداً عن أي أجندة سياسية، لافتاً إلى وجود مشاريع مستقبلية لإعادة تأهيل هذه المواقع بالتعاون مع بعثات أثرية أجنبية أبدت استعدادها للعودة إلى سوريا.
تشهد العديد من المحافظات السورية، لا سيما درعا، تصاعداً ملحوظاً في عمليات التنقيب غير القانوني، حيث يقوم مهربون محليون بالتعاون مع عناصر أمنية وعسكرية باستخراج الآثار وتهريبها إلى الخارج مقابل نسبة تصل إلى 20% من قيمة كل عملية ناجحة.
وأوضحت مصادر محلية أن التنقيب يتم في مواقع معروفة تاريخياً، باستخدام أجهزة كشف متطورة وجرافات، بتنسيق مع تجار آثار ومسؤولين عسكريين من فصائل مختلفة.
وحذرت المصادر من أن غياب الجهات الرقابية والقانونية يشكل خطراً حقيقياً على التراث السوري، مطالبة بضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية ما تبقى من المواقع الأثرية في البلاد.