بسام البليبل
تباينت الآراء في تفسير دوافع عملية “طوفان الأقصى” وأهدافها وتوقيتها..؟! فكانت من وجهة النظر الأمريكية، وربما الأوربية، وبعض العرب، أنّ حماس لم تقم بهذه العملية نيابة عن الفلسطينيين ومعاناتهم وتطلعاتهم، وإنما نيابة عن إيران، ولمنع التطبيع الذي بات وشيكاً بين السعودية وإسرائيل.
وكانت من وجهة نظر السياسيين الإسرائيليين، ولا سيما اليمينيين، أن هذه العملية قد تمت بسبب فشل حكومة نتنياهو سياسيًا وعسكرياً، وتماديه في سياسة احتواء حماس، والتحالف مع الشيطان، والتقاعس عن اجتثات قدرات حماس التصنيعية، وتدمير بنيتها العسكرية بالكامل، بل وإبادتها.
وثمة من يرى من السوريين تحت وطأة الصراع الذي نعيشه، وتشتتنا الذهني والحياتي، وموقفنا من الأيديولوجيا الحمساوية، وعلاقاتها، التي ندينها، مع النظام السوري وإيران، وبعيداً عن فهم سـياقات الصراع الصهيوني الفلسطيني، أن عملية “طوفان الأقصى” لعبة إيرانية، لخدمة أجنداتها الإقليمية، وتخفيف الضغوط عن الأسد، وصرف الأنظار عن جريمة الكلية الحربيـة في حمص التي يُشتبه بضلوع النظام السوري وإيران بها، وجرائم طيران النظام والطيران الروسي في شمال غرب سوريا.
وأعتقد أنّ تقييم عملية “طوفان الأقصى” يجب أن يسـبقها أولاً النظر في أسبابها ودوافعها انطلاقاً من اعتبارات فلسـطينية عربية، وفلسطينية إسرائيلية، ومن ثم الحكم عليها، وتقييم أهدافها ونتائجها.
– وحيث أننا إزاء واقع عربي هو الأسوأ في تاريخ العرب المعاصر، وفي ظل خضوع أربـع عواصم عربية للاحتلال الإيـراني، وثلاث دول عربية مصــرية، وأردنية، وفلسـطينية ممثلة بمنظمة التحرير، مرتبطة بمعاهدات سـلام مع الكيان الصهيوني، والعديد من الدول العربية التي تربطها مع هذا الكيان علاقات سـرية، وأخرى تجارية واقتصاديــة، أتبعها تبني العديد من الدول العربية لسـياسـة التطبيع المذلة والمخزية، والتي هي في طور التوسع ما يعني دمج إسرائيل بالمنطقة، والتهديد بتصفية القضية الفلسـطينية، وترك مصير الفلسـطينيين للحكومات الإسرائيلية.
– وتبعاً لما سبق، فقد بات الفلسطينيون مقتنعين بأن القضية الفلسطينية لم تعد قضية عربية، إن لم يكن قد تم تجاوزها بالفعل، وأنّ عبء النهوض بها يقع على عاتق الفلسطينيين وحدهم.
وانطلاقاُ من واقع فلسطيني داخلي، لوطن وشـــعب يخضعان لأطول وأقسـى احتلال في العصر الحديث، في ظل حكومة إسـرائيلية تتبني سـياسة يمينية متطرفة، وخطط تطوير استـيطانية، وسياسة حصار، وتهويد، وطرد، وتهجير، واعتقال، وقتل.. واعتداءات متكررة على المســـجد الأقصى.
وعلى خلفية خمسة حروب شنتها إسرائيل على غزة، وتحريض اليمين الإسرائيلي على اجتثاث حماس، وإعلان نتنياهو أنه سيصفي الحقوق الفلسطينية والقضية الفلسـطينية بالتطبيع مع الدول العربية، بل وذهابه أبعد من ذلك، عندما رفع من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة خريطة الشرق الأوسـط الجديد، وعليها باللون الأزرق دولة إسـرائيل مع الضفة الغربية بأكملها، وغزة، والقدس، وكذلك مرتفعات الجولان، دون أي ذكر لفلسطين.
وعلى ذلك لم يعد من بد أمام المقاومة الفلسطينية من اتخاذ القرار الأصعب، رغم إدراك حماس للتبعات الخطيرة لاتخاذ قرار المقاومة العسكرية، وإعلان الحرب على الكيان الصهيوني، لأنه السبيل الوحيد المتاح لإيقاف هذا التداعي الذي يهدد الوجود الفلسـطيني وقضيتهم لصـالح إسرائيل.
القرار الصعب..! كان قرار حماس بشــن الحرب على عدو يفوقها عدة وعتــادًا ودعمًا خارجيًا مطلقاً، وفي ظـــل انقسام فلسطيني، وخذلان عربي، في غاية الجرأة والصعوبة، ومتوقع النتــائج لردة فعل العدو الانتقامية بالقياس مع خمسة حروب سابقة، إحداها استمرت 51 يوماً، ولكنها لم تنهِ المقاومة، ولم تجبر الفلسطينيين على الاستسلام.
ولكن مع انعدام الخيارات، وخطورة ما يتهدد القضية الفلسطينية، عبر مسارات محلية وإقليمية ودولية، كان لابد من هذا القرار الصعب، والتحلي بالثقة بالنفس، التي تدعمها القدرة على التخطيط والتنظيم، والسرية المطلقة، والبراعة في القيادة والسيطرة، والتحكم والتشويش، وما نجم عن كل ذلك من اجتياح للأسوار العازلة، واقتحام 21 بلدة ومستوطنة، وأحد عشر معسـكراً صهيونياً، خلال سـاعات قليلة، إضافة للعدد غير المسبوق من القتلى والأسرى الإسرائيليين، الذين سيشكلون قوة الردع والمساومة في المرحلة الثانية من هذه الحرب.
الأمر الذي فضح هشاشة أقوى الجيوش في العالم، وفشل القيادة الإسـرائيلية السـياسية والاستخبارية والعسكرية الهائل، وتجلى في كلمة نتنياهو عندما قال للإسرائيليين وهو في حالة صدمة: “نحن في حالة حرب” فرد عليه المعلقون الإسرائيليون “نحن في حرب العار”! وربما كان أصدق وصف لحرب “طوفان الأقصى” عنوان مقال الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، في صحيفة نيويورك تايمز: (هجوم حماس أسوأ يوم في تاريخ إسرائيل)!
لا شك أن نتنياهو سيستعمل القوة المفرطة للانتقام من حماس، ولإعادة الاعتبار لحكومته وجيشه وأجهزته الأمنية، وما لحقها من نقد وتجريح واتهام، ولكن هذا لن يغير من:
– اقتناع الشعب الإسرائيلي اليوم أنّ الإرهاب والعنف الذي مارسته إسرائيل على مدى سنوات لم ولن يجلب لهم الأمان والسلام.
– إثبات أن المقاومة رقم صعب في المعادلة الإسرائيلية الفلسطينية، وأن تجاوز الفلسطينيين في أي محاولة لتصفية قضيتهم أمر مستحيل.
– إثبات فشل الخيار العسكري في حل القضية الفلسطينية، وأنه لابد من التسوية السلمية العادلة.
– لفت النظر إلى التواطؤ الأوربي الأمريكي مع إسرائيل المتهمة بالفصل العنصري والإرهاب.
وبغض النظر عن رأينا في حماس، فإن الإنجاز العسكري الذي حققته مبعث افتخار واعتزاز وتضامن من كل الشعوب العربية، ومبعث خزي وعار على كل الحكام العرب، الذين لم يقولوا كلمة واحدة للتضامن مع حق الفلسطينيين بمقاومة الاحتلال، والتنديد بجرائم الصهاينة.
(نعم لقد هدفت حماس من هذه الحرب الحصول على صورة نصر، ولكنها عادت بألبوم كامل).