ترجمة سيريا مونيتور
في وقت سابق من هذا الشهر، تجمعت العائلات حول شاحنة مبردة عند نقطة حدودية سورية تركية، في انتظار السائقين لتوزيع حمولتهم الفظيعة؛ جثث 52 رجلًا سوريًا قتلوا في حرب على بعد 600 ميل.
حيث قال أقاربهم إن القتلى من المرتزقة الذين جندتهم الميليشيات المدعومة من تركيا في سوريا للقتال بالنيابة عنها مع أذربيجان ضد أرمينيا.
قال ابن عم محمود نجار، المقاتل السوري الذي يبلغ من العمر 38 عاما، “لقد ذهبوا لاختراق الحدود”. وأضاف في مقابلة عبر الهاتف أن جثة النجار في شاحنة التبريد كانت تحمل الرقم 12.
أثار مقتل المقاتلين السوريين إنذارات حول إمكانية أن يتفاقم هذا الصراع المستمر منذ عقود، حيث يجتذب قوى خارجية مثل تركيا وخصمها روسيا، وربما يزعزع استقرار جيران مثل إيران وجورجيا.
إلا أن تركيا نفت إرسال مقاتلين سوريين لمساعدة أذربيجان حليفتها القديمة. لكن أقارب اثنين من المقاتلين – نجار وابن أخيه – قالوا في مقابلات إن الميليشيات المدعومة من تركيا وعدت بمرتبات شهرية وإن المقاتلين سافروا إلى أذربيجان من جنوب تركيا.
وقد سعت تركيا في الأشهر الأخيرة إلى إبراز قوتها العسكرية داخل أراضي جزء كبير من البدان المجاورة لها بنشاطات جديدة. ودعم تركيا الحماسي للجهود الحربية الأذربيجانية وتقديم المساعدة العسكرية – بما في ذلك الطائرات المسلحة بدون طيار – شجع أذربيجان، ووضع تركيا في قلب الصراع ومنح أنقرة مكانة، كما تأمل، في التأثير على أي تسوية سلمية.
من جهة أخرى، فقد ارتفع عدد القتلى المدنيين في الوقت الذي تعرضت فيه المدن والبلدات في ناغورنو- قره باخ وما حولها، وهي جيب عرقي أرميني في الأراضي الأذربيجانية، للهجوم بوتيرة متزايدة بسبب الأسلحة التي تم الحصول عليها من مجموعة متنوعة من الموردين، بما فيها تركيا وروسيا وإسرائيل. حيث استشهدت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت في بيان يوم الجمعة بتقارير عن مقتل ما لا يقل عن 53 مدنياً منذ اندلاع القتال الشهر الماضي، بينهم أطفال.
كما أفاد صحفيون في الأراضي الأذربيجانية الواقعة على أطراف ناغورنو – قره باخ عن هجمات بالصواريخ والمدفعية على ثلاث بلدات على الأقل. شمل هجوم أذربيجان على ستيباناكيرت، عاصمة ناغورنو – قره باخ، استخدام الذخائر العنقودية التي تصنعها إسرائيل، وفقًا لتقرير الأسبوع الماضي من قبل باحثين في منظمة العفو الدولية الذين فحصوا لقطات مصورة للذخائر.
ورداً على مزاعم في وقت مبكر من القتال بأن أرمينيا أطلقت نيرانها الصاروخية على مدينة جانجا الأذربيجانية، قال الباحثون إنهم أكدوا استخدام أرمينيا لنظام مدفعي صاروخي روسي لكنهم لم يتمكنوا من تحديد ما الذي تم استهدافه.
وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول أصدرت كل من الولايات المتحدة و فرنسا وروسيا بيانًا جاء فيه أن “الطبيعة غير المتناسبة لمثل هذه الهجمات” تشكل “تهديدًا غير مقبول لاستقرار المنطقة”.
كما استضافت وزارة الخارجية الروسية يوم الجمعة محادثات لوقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا، بهدف الحصول على فترة راحة قصيرة على الأقل من القتال والسماح للأطراف المتحاربة بتبادل الأسرى وجثث القتلى. وبالفعل فقد بدأت هدنة يوم السبت، لكن بعد يوم واحد تبادلت أرمينيا وأذربيجان التهم بخرقها وسط تقارير عن هجمات جديدة.
وأعرب إبراهيم كالين مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن شكوكه في أن يكون وقف القتال مقدمة لهدنة. وقال في مقابلة مع قناة الجزيرة الإخبارية “نعم لوقف إطلاق النار، لكن وقف إطلاق النار يجب أن يكون مستداما، الطريقة الوحيدة لجعله مستداماً هي التحدث عن احتلال أرمينيا للأراضي [الأذربيجانية].”
اشتعل الصراع في ناغورنو – قره باخ منذ أواخر الثمانينيات، عندما كانت أرمينيا وأذربيجان جمهوريتان ضمن الاتحاد السوفيتي. عندها سعى السكان الأرمن في المقاطعة إلى الاتحاد مع أرمينيا وأعلنوا الاستقلال عن أذربيجان. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي اندلعت الحرب، مما أسفر عن مقتل ما يصل إلى 30 ألف شخص قبل إعلان وقف إطلاق النار في عام 1994.
اندلع الصراع عدة مرات منذ ذلك الحين، بما في ذلك في عام 2016 وفي يوليو/حزيران. ويمثل القتال الأخير الذي بدأ في 27 سبتمبر/أيلول أسوأ قتال منذ عقود.
ويعد انتشار المرتزقة السوريين نموذجاً مكرراً لما حدث في ليبيا، حيث تقاتل تركيا وروسيا على طرفي نقيض في الحرب الأهلية هناك. غير أن معظم المقاتلين السوريين في ليبيا وظفتهم تركيا التي ترعى ميليشيات داخل سوريا تعارض حكومة بشار الأسد. من جهتها، نجحت شركة أمنية مدعومة من الكرملين تعمل في ليبيا، في جلب مقاتلين سوريين متحالفين مع الأسد.
وقد صور المسؤولون الأتراك الارتباطات الخارجية الواسعة لبلادهم – في شمال العراق وسوريا وليبيا وأذربيجان – على أنها جزء من تعزيز تركيا المتحمس لمصالحها المتعلقة بالأمن والطاقة. ومع ذلك، يقول منتقدو أردوغان إن هناك أيضًا محاولة لصرف الانتباه عن نقاط الضعف الداخلية لحكومته، بما في ذلك الاقتصاد المتدهور، وتعزيز الدعم المحلي بين حلفائه القوميين.
من جهتها فقد اتبعت روسيا أسلوباً دبلوماسياً بين أرمينيا وأذربيجان لتستفيد من بيع الأسلحة للجهتين لعدة سنوات. أرمينيا، التي تنفق حوالي ربع ما تنفقه أذربيجان على الدفاع، تستفيد أيضًا من الحماية الروسية بموجب منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي تحالف عسكري تقوده روسيا بين ست دول سوفيتية سابقة لا تشمل أذربيجان.
وقد أعطت حكومة الرئيس فلاديمير بوتين إشارات متضاربة حول ما إذا كانت ستتدخل، قائلة إن روسيا ستفي بالتزاماتها بموجب المعاهدة للدفاع عن أرمينيا بشكل مناسب، لكن التزاماتها لا تمتد إلى القتال في إقليم ناغورنو – قره باخ.
وكانت أقوى كلمات موسكو حتى الآن إدانة استخدام أذربيجان لمرتزقة سوريين. حيث حذر رئيس المخابرات الخارجية الروسية سيرجي ناريشكين الأسبوع الماضي من أن المنطقة قد تصبح منصة انطلاق للمتشددين الإسلاميين لدخول روسيا.
أما أردوغان فقد نفى مرة أخرى في حديثه مع أعضاء حزبه السياسي الأربعاء، إرسال تركيا لمقاتلين سوريين إلى الحرب. حيث قال: “لديهم عمل في أرضهم. لن يذهبوا إلى هناك”، مضيفًا أن تركيا “مستعدة لتقديم كل أنواع الدعم لإخواننا وأخواتنا الأذريين، وسنفعل ذلك مرة أخرى”.
غير أن المرتزقة السوريون، الذين تم تجنيدهم من مختلف الميليشيات المدعومة من تركيا، قدموا روايات مفصلة من الخطوط الأمامية تصور معركة طاحنة. حيث قال ابن عم محمود نجار إنه تلقى وعائلته تحديثات عن القتال من سوريين يسافرون مع شركة النجار ويحملون خطوط هاتف دولية. وتحدث ابن العم شريطة عدم الكشف عن هويته لتجنب إغضاب مجندي المرتزقة في سوريا.
لاحظ “نجار” الذي كان لديه طفلان وعمل سابقًا في مصنع نسيج في حلب، كما تم تعيينه مؤخرًا كحارس أمن للمحكمة المحلية في مارع في شمال سوريا وكان يكافح من أجل تغطية نفقات عائلته، أن شباباً سوريين آخرين جندتهم تركيا للقتال في ليبيا، عادوا إلى بلادهم وقد ملؤوا جيوبهم بالمال. لذلك عندما عرض عليه ابن شقيقه، البالغ من العمر 18 عامًا، فرصة القتال في أذربيجان مقابل 2000 دولار شهريًا، اغتنم الفرصة بحسب ابن عمه.
“المال هو السبب الوحيد. من يريد الذهاب إلى اذربيجان؟ من يعرف حتى أين تقع أذربيجان؟ ” هذا ما قاله ابن عم النجار. إذ بدا أن النجار وابن أخيه وعشرات من رفاقهم لم يكونوا مستعدين لما قد سيأتي.
وبحسب ابن عم النجار فإن المقاتلين سافروا من جنوب تركيا. وفي يومهم الأول في أذربيجان، حصلوا على زي موحد بدرجات تمويه خضراء فاتحة. وفي اليوم التالي، تم إرسالهم إلى الجبهة. كما قال أيضاً: “كانت المنطقة محصنة بشدة من قبل الأرمن”. كان المرتزقة السوريون بمفردهم إلى حد كبير في مكان غير مألوف ، محاطين باللغات والتاريخ والمظالم التي لم يفهموها. وكان برفقتهم ثلاثة مرشدين أذربيجانيين.
وأضاف أنهم أمضوا تسع ساعات في صعود الجبل. بعدها تم إرسال النجار لتطهير مبنى لكنه قتل برصاصة قناص مزقت رأسه، بحسب ابن عمه، الذي قدم صورة لجثة النجار إلى صحيفة واشنطن بوست بشرط عدم نشرها. كما قتل ابن شقيق النجار في نفس اليوم. وظلت الجثث طوال الليل حيث سقطت لأن إخراجها كان خطيراً للغاية.
المصدر: واشنطن بوست