سيريا مونيتور..
أكد المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أن سوريا تعيش مرحلة انتقالية معقدة، حيث يشعر من يزورها بالأمل والفرح، بعد عقود من الحكم السابق. وأوضح أن الشعب السوري، بعد ثورة وُوجهت بحرب شاملة، بات يتنفس الصعداء، إلا أن تحديات كبيرة برزت، أبرزها الفراغ المؤسساتي الذي خلفه انهيار النظام السابق.
الأمن والاقتصاد: أولويتان حاسمتان
شدد بشارة على أن الدولة كانت شبه معطلة، لكن سرعة ملء الفراغ من قبل جهات منظمة حالت دون وقوع فوضى شاملة أو حرب أهلية واسعة. رغم ذلك، فإن غياب الجيش وتوقف الأجهزة الأمنية والوزارات بسبب نقص التمويل شكل تحديات كبرى. ورأى أن الأولوية يجب أن تكون لإعادة الاستقرار الأمني وتحسين الاقتصاد قبل الدخول في تفاصيل سياسية أخرى.
وأوضح أن الخلط بين الدولة والنظام السابق خطأ شائع، فالدولة السورية قائمة منذ الاستقلال وتمتلك كوادر وإدارات لا تزال موجودة رغم تضررها بفعل الديكتاتورية. وأشار إلى أن إعادة بناء الجيش كان ضرورة، وليس مجرد استدعاء العناصر القديمة، بل من خلال دمج الفصائل المسلحة بطريقة صحيحة لضمان عدم تحولها إلى كيانات مستقلة داخل الجيش الوطني.
العدالة الانتقالية وتحديات المرحلة الجديدة
تحدث بشارة عن أهمية بناء منظومة أمنية تعتمد على الشرطة المحلية بدل الاعتماد على الأجهزة الأمنية القمعية السابقة، مؤكداً أن الأمن اليومي يجب أن يكون منفصلاً عن السياسة، بحيث تتولى الهيئات الإدارية مهامها بعيداً عن الولاءات الحزبية.
أما فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية، فقد دعا إلى تشكيل محكمة خاصة للجرائم الكبرى، إلى جانب محاكم أخرى لمعالجة قضايا المواطنين. وأكد أن العدالة يجب أن تجمع بين المحاسبة والمصالحة، لتجنب الفوضى أو استمرار النزاعات التي قد تعيق بناء الدولة. وأوضح أن التجارب التاريخية، مثل ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، أظهرت أن الجمع بين المحاسبة وإعادة الإعمار هو السبيل الأمثل للنهوض.
الدور الجديد للرئيس أحمد الشرع
تطرق بشارة إلى الدور الذي يلعبه الرئيس أحمد الشرع في هذه المرحلة، مؤكداً أن الشرع أظهر قدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة، مثل قرار التوجه إلى دمشق بعد تسويات مع قادة عسكريين. ورأى أن على السوريين تجنب الانزلاق نحو “عبادة الشخصيات”، فبينما يُعتبر انتخاب الشرع خطوة طبيعية لسد الفراغ، لا بد أن يكون النقد البناء حاضراً لضمان عدم تكرار أخطاء الماضي.
وأكد أن الحكومة الانتقالية المقبلة ستكون تعددية، مع الابتعاد عن المحاصصة الطائفية، بحيث يكون المعيار الأساسي هو الكفاءة، وليس الانتماء الطائفي أو السياسي. وشدد على أن المواطنة المتساوية هي الضمان الحقيقي لعدم تهميش أي فئة من المجتمع السوري، مما سيؤدي إلى تراجع الخطاب الطائفي لصالح هوية وطنية سورية جامعة.
أشار بشارة إلى أن الطريق نحو الديمقراطية في سوريا لا يزال غير واضح المعالم، إذ تحتاج البلاد إلى قانون أحزاب جديد، وبيئة قانونية تضمن حرية التعبير والمشاركة السياسية. وأكد أن نجاح المرحلة المقبلة يعتمد على قدرة القيادة الجديدة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والأمني، إلى جانب بناء مؤسسات دولة قوية تحمي الحقوق وتضمن العدالة والمشاركة السياسية لجميع السوريين.