على الرغم من محاولات النظام السوري إظهار نفسه خارج “محور المقاومة” بالتزامن مع حرب غزة وجنوب لبنان، تظهر الوقائع أن النظام غير قادر عن الاستغناء أو الانفكاك عن الدعم الإيراني. هذا التناقض في المواقف يكشف عن أزمة النظام السوري في محاولاته لإدارة التوازن بين القوى الإقليمية والدولية.
وفي سياق محاولات النظام للتنصل من استحقاقات “محور المقاومة” وما وصفه بعض المحللين “خذلانه لحزب الله في مواجهته مع إسرائيل” في أعقاب هجوم 7 أكتوبر، تتضح براغماتية النظام السوري بشكل فاقع. وتعكس هذه الديناميكية المعقدة ضعف النظام وحاجته الملحة للدعم الإيراني للبقاء.
ويكشف موقع تلفزيون سوريا في هذا التقرير تفاصيل لقاء سري جمع السفير الإيراني لدى النظام حسين أكبري واللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي التابع للنظام والذي جرى في 5 يوليو/تموز 2023:
هذا الاجتماع لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل عكس أبعاداً استراتيجية عميقة في العلاقة بين إيران والنظام السوري في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية المعقدة التي تواجه الطرفين.
ويتضمن ملف الاجتماع الذي سرب من قبل مجموعة “انتفاضة حتى الإطاحة” المقربة من منظمة مجاهدي خلق، حركة المعارضة الإيرانية الرئيسية، تفاصيل اللقاء المذكور والذي نظمه مهدي شوشتري، مساعد وزير الخارجية والمدير العام لغرب آسيا وشمال أفريقيا، وتم إرساله إلى كاظم شافعي، المدير العام للشؤون الدولية في مجلس شورى النظام الإيراني (البرلمان).
ويتضح من بنود الاجتماع، عمق التعاون والتنسيق بين النظامين الإيراني والسوري، كما يعطي نظرة داخلية على كيفية تعامل الجانبين مع التحديات الاقتصادية والسياسية، وأهمية الدعم الإيراني المستمر للنظام السوري.
وبحسب ملف الاجتماع فقد تطرق اللواء علي مملوك في اللقاء إلى محور المقاومة واحتياجاته الاقتصادية الحيوية في كل من إيران وسوريا ولبنان، مشيراً إلى أن الدعم الإيراني لمحور المقاومة ممتد في كل مكان من جنين إلى قطاع غزة.
وأكد مملوك على ضرورة مواصلة هذا الدعم، مشدداً على أن إيران لم تقصر يوماً في مساعدة سوريا والدفاع عنها. كما دعا إلى تبني نهج هجومي في المسائل القانونية بدلاً من النهج الدفاعي، مطالباً بإنشاء لجنة سوريّة لحقوق الإنسان تتكون من محامين رفيعي المستوى يتمتعون بمصداقية في الغرب لمواجهة التداعيات القانونية للأحداث في سوريا، لا سيما تلك المتعلقة بجرائم استخدام النظام للأسلحة الكيميائية في بحق المدنيين السوريين العزل.
الملف يظهر بوضوح أن النظام السوري يعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني لتلبية احتياجاته الأمنية والاقتصادية والعسكرية. فتصريحات اللواء علي مملوك تعكس حالة من الاستجداء لاستمرار هذا الدعم، وهو ما يوضح مدى هشاشة النظام السوري بدون الدعم الإيراني.
وفي هذا الصدد يقول اللواء علي مملوك: “لقد مررنا بفترات صعبة للغاية، وكانت إيران هي الرائدة في مساعدة سوريا، ولم يكن هناك من يساعد سوريا سوى إيران وحزب الله.. كل هذا كان على الرغم من العقوبات المفروضة على إيران. ولكن إيران لم تقصر في مساعدة سوريا والدفاع عنها، لذا يرجى الاستمرار في هذه المساعدة قدر الإمكان. إيران لديها إمكانيات كثيرة، وهي بالتأكيد شعب صبور، ونحن نعمل ليل نهار على زيادة اللقاءات الثنائية بين البلدين، من العلماء إلى الشعب”.
في المقابل، يرد السفير الإيراني حسين أكبري: “نحن نبذل قصارى جهدنا في المجال الاقتصادي ونعتقد أن الأداة الوحيدة التي يملكها العدو ضد المقاومة هي القضايا الاقتصادية والعقوبات، ولذلك، ينبغي لنا حقاً أن نعتبر حل المشكلة الاقتصادية بمثابة حل لمشكلة الحرب، لذلك يجب أن نحاول تمرير المسائل البيروقراطية الإدارية في تسهيل وإقرار القوانين”.
وأضاف أكبري: “لقد أثار رئيسكم (رئيس النظام السوري بشار الأسد) نقطة مهمة جداً، وقد وضعتها كنقطة رئيسية في جدول أعمالي. وقال إننا نحن البلدين لم نستطيع تقديم شعبي كلا البلدين ثقافياً واجتماعياً لبعضهما البعض كما ينبغي. ولذلك، طلبنا أيضاً من زملائنا الدراسة والبدء في العمل الجاد في هذا الشأن”.
وتلعب إيران دوراً حاسماً في توفير الدعم اللوجستي والاقتصادي والعسكري للنظام السوري منذ عقود، ويعكس هذا اللقاء تلك العلاقة الاتكالية التبعية رغم القدرات الإيرانية المحدودة أو المحددة ضمن شروط وتنازلات يجب تقديمها من قبل النظام لإيران.
وتبين تصريحات على مملوك التي تستجدي الدعم الإيراني، وردود أكبري حول تسهيل التعاون وإزالة القضايا البيروقراطية بوضوح استعداد النظام السوري لتقديم المزيد من التنازلات على مستويات مختلفة تشمل الجوانب الدينية والثقافية والاقتصادية لإيران.