عميل للموساد و”جلاد الرقة”.. القضاء النمساوي يفتح ملف خالد الحلبي

وجّهت النيابة العامة في العاصمة النمساوية فيينا، أمس الأربعاء، اتهامات بارتكاب جرائم حرب وتعذيب إلى العميد السابق في استخبارات نظام الأسد المخلوع، خالد الحلبي (62 عاماً)، وهو أرفع مسؤول سوري يُتهم في أوروبا بهذه الجرائم حتى الآن، وذلك بعد ملاحقة دامت أكثر من 12 عاماً.

ووفقاً لتقرير نشرته اليوم الخميس صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، كان الحلبي عميلاً مزدوجاً للاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) في سوريا، وبقي متخفياً في أوروبا لأكثر من عقد تحت حماية عناصر من الموساد والاستخبارات النمساوية، قبل أن يعتقل في كانون الأول 2024، وذلك بعد أن تمكّن المحققون من الاستدلال إليه من خلال صورة نشرها الحلبي لنفسه على مواقع التواصل الاجتماعي وهو على جسر في مدينة بودابست.

ووجهت إلى الحلبي -المعروف بلقب “جلاد الرقة”- لائحة اتهام رسمية بتهم التعذيب وجرائم الحرب ارتكبها في مدينة الرقة السورية بين عامي 2011 و2013. إلى جانبه، وجه المدعون العامون في فيينا اتهامات أيضاً إلى ضابط كان يخدم في فرع الأمن الجنائي بالرقة، هو المقدم “مصعب أبو ركبة” (53 عاماً)، ومن غير المعروف إن كان قد جرى احتجازه أيضاً.

وفي حين نفى المتهمان عبر محاميهما أي علاقة لهما بالتعذيب أو إساءة معاملة المحتجزين؛ أكدت جهات الادعاء أن التحقيقات أثبتت مسؤوليتهما عن الانتهاكات التي وقعت أثناء قمع الثورة السورية ضد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

من الرقة إلى باريس

واستعرضت الصحيفة خلاصة ما وجده معدّا التقرير، سعد الناصيف وكارلوتا غال، عن القضية بعد أن سافرا إلى فيينا وتحدثا مع مسؤولين، وكذلك مع ضحايا الحلبي.

قبل فراره من سوريا عام 2013، كان الحلبي -وهو من مدينة السويداء– ضابطاً في مخابرات نظام الأسد المخلوع، وتولى في 2008 منصب رئيس فرع أمن الدولة (رقم 335) في الرقة.

وبعد أن بدأت المظاهرات بالانتشار في أرجاء البلاد في آذار 2011، شنت أجهزة الأمن السورية -بما في ذلك فرع الأمن في الرقة- حملات اعتقال واستجواب وتعذيب واسعة.

وعندما بدأ الوضع العسكري في الشمال يتغير مع تقدم فصائل المعارضة عام 2013، سارع الحلبي إلى الهروب، وعبر إلى تركيا ثم الأردن، قبل أن يصل إلى باريس حيث اعتُبر آنذاك منشقاً يمكنه المساعدة في توثيق جرائم النظام.

الهروب من جديد

ولكن الأدلة التي جمعها محققو “لجنة العدالة والمساءلة الدولية” غيّرت الصورة، إذ بدؤوا يشكون في أن العميد السابق نفسه أشرف على تعذيب السوريين في فرعه الأمني بالرقة، ما جعله يتحول من شاهد إلى متهم رئيسي، وفق التقرير.

وبحسب المدعين، اختفى الحلبي فجأة من باريس في 2015. وكشفت التحقيقات لاحقاً أنه هُرّب عبر أوروبا بسيارات يقودها ضباط من المخابرات الإسرائيلية “الموساد” ونظراؤهم من المخابرات النمساوية، حتى وصل إلى فيينا.

وفي فيينا، حصل على اللجوء بمساعدة مسؤولين في جهاز المخابرات الداخلي النمساوي، وأُسكن في شقة موّلتها الموساد.

في كانون الثاني 2016، يضيف التقرير، قدم محققو “لجنة العدالة والمساءلة الدولية” ملف الحلبي إلى وزارة العدل النمساوية، وبدأ المسؤولون النمساويون البحث عنه، إلا أنهم شكوا في أن جهاز الاستخبارات النمساوي كان يحميه.

وفي 2023، حوكم 5 مسؤولين نمساويين، بينهم ضباط من جهاز الاستخبارات الداخلي، بتهمة إساءة استخدام مناصبهم لتسهيل لجوء الحلبي عبر اتفاق مع الموساد. وأُفرج عن 4 منهم في حين لم يحضر الخامس المحاكمة، وفق ما نقله معدّا التقرير.

خلال المحاكمة في النمسا، كشف الادعاء أن رئيس الجهاز النمساوي نفسه سافر إلى إسرائيل عام 2015 وأبرم اتفاقاً يقضي بتأمين إقامة العميد السوري في فيينا، مقابل معلومات استخباراتية عن الوضع في سوريا.

لم تُجب الحكومة الإسرائيلية ولا الموساد على أسئلة حول علاقتهما بالحلبي. وأعلنت وزارتا الداخلية والعدل النمساويتان عدم التعليق على قضايا فردية حفاظاً على الخصوصية، بحسب الصحيفة.

ورغم تبرئة بعض الضباط لعدم كفاية الأدلة، فإن المحاكمة منحت ضحايا الحلبي أول فرصة لرؤيته وجها لوجه، وكانت تلك اللحظة صادمة بالنسبة لهم، إذ تبين لهم أن الجلاد الذي عذّبهم كان حرا بعد كل تلك السنوات.

 

ضحايا الحلبي

تقرير الصحيفة كشف أن ضحايا العميد السوري السابق، قرروا التعاون مع منظمات دولية مثل “مبادرة العدالة المفتوحة” لتجميع الأدلة وتقديم شهاداتهم.

وقال عبد الله الشام، أحد النشطاء من الرقة، إن اسم الحلبي كان يثير الرعب بين الناس خلال الثورة. وأضاف: “تخيّل أن ترى الرجل الذي عذّب أصدقاءك، جالسا في قفص الاتهام أمامك؟ إنها لحظة قلبت الموازين”.

وأفاد بيان المدعي العام بأنه تم التعرف على هوية واحد وعشرين ضحية. وقدم العديد منهم روايات عن تعرضهم للضرب المبرح والصعق الكهربائي داخل فرع الأمن 335.

شمل ذلك، على حد قول أحدهم، جلسة تعذيب استمرت طوال الليل داخل المكتب الشخصي للحلبي.

وقال عدد من الناجين في مقابلات مع صحيفة نيويورك تايمز إنهم التقوا بالحلبي في مكتبه قبل احتجازهم وتعذيبهم هناك. لذا، حتى وهم معصوبو الأعين أو تحت الإكراه، كانوا قادرين على التعرّف على محيطهم.

كان من بين أولئك الناجين عبادة الحمادة (39 عاماً)، وهو طبيب قال إنه ساعد في تنظيم الاحتجاجات وأدار عيادة طبية تحت الأرض لعلاج المتظاهرين المصابين.

قال الحمادة إنه احتُجز تحت تهديد السلاح في شباط 2012. وأضاف أنه لم يرَ الحلبي في أثناء احتجازه، لكنه رأى لوحة اسمه على المكتب، وكان قد استُدعي إلى المكتب سابقاً. كما قال إنه رأى أبو ركبة، الذي كان يشغل منصب رئيس قسم التحقيقات الجنائية في فرع الأمن الجنائي بالرقة.

“كان خطأه هو إزالة العصابة عن عيني”، قال الحمادة عن أبو ركبة.

في إحدى الليالي، تعرّض الدكتور الحمادة للضرب في مكتب الحلبي، عارياً تماماً باستثناء ملابسه الداخلية، على حد قوله. قال إنه انكمش على الأرض، يحمي رأسه بذراعيه، بينما كان أبو ركبة يضربه بهراوة أو خرطوم، مطالباً إياه بأسماء النشطاء المشاركين في الاحتجاجات.

وأوضح أنه تعرض للاستجواب مراراً وتكراراً على مدى 28 يوماً، وعُرضت عليه صفقة إذا أبلغ عن آخرين.

أخبر الحمادة المدعين النمساويين أنه مستعد للشهادة ضد رئيس المخابرات. وقال: “الحلبي يدّعي أنه لا علاقة له بهذا الأمر. لكن كيف دخلنا غرفته؟”.

أما المحامي أسعد الموسى (46 عاماً)، فقال إنه تعرض للاعتقال مرتين من قبل مجموعة الحلبي في عام 2011، ثم تعرض لتعذيب شديد في منشأة تابعة للمخابرات العسكرية في عام 2012.

في صيف عام ٢٠١١، شكّل لجنةً من المحامين في الرقة للدفاع عن متظاهري الثورة المعتقلين. ونظّم إضراباً لأكثر من ١٠٠ محامٍ احتجاجاً على استخدام الحكومة للأسلحة الفتاكة ضدهم.

وأضاف أنه في تلك اللحظة تم إخراجه من قصر العدل، وتم وضعه في سيارة تعرف عليها على أنها تابعة لفرع أمن الدولة، وتم سجنه لمدة 12 يوماً.

هرب الموسى من سوريا ووصل إلى أوروبا في عام 2015، ليجد نفسه وجهاً لوجه مع الرجل الذي يقول إنه عذبه، أبو ركبة، في مخيم للاجئين في النمسا. منعه أصدقاؤه من الانقضاض عليه، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى ترحيله.

وقال الموسى: “إنك تشعر بالألم عندما ترى الضحايا، ولكنك تشعر بألم أكبر عندما ترى هؤلاء المجرمين يهربون من العدالة”.

أبلغ سلطات المخيم بوجود مجرم حرب بين اللاجئين. وأفاد محامي الضحايا بأنه تم إبعاد أبو ركبة من المخيم، لكنه ظل يعيش بحرية في النمسا.

Read Previous

بين الأمن البحري والنمو الاقتصادي: ملامح الشراكة البريطانية الخليجية

Most Popular