“سلوى” معلمة سورية تحمل الشهادة الثانوية وحاصلة على شهادة (تومر) في اللغة التركية، تُعلّم في تركيا منذ عام 2016، وتعمل حالياً كمترجمة في مديرية التربية التركية بولاية كوجالي؛ تم تبليغها عن طريق مديرها المباشر بقرار الاستغناء عنها كونها لا تحمل شهادة جامعية، بحسب حديثها لموقع تلفزيون سوريا.
بينما قالت “رؤى الحسن” لموقع تلفزيون سوريا، إنها خريجة معهد “علوم فيزيائية” وتم تبليغها بالفصل أيضاً عن طريق مدير مدرستها بعد تلقيه رسالة (واتسآب) عن طريق المنسّق التركي الذي أبلغه فيها قرار فصلها.
وأضافت الحسن أنها اتصلت بعد أسبوع بالمنسق فأخبرها أن تتابع حاليًا الدوام حتى يخرج قرار رسمي من وزارة التربية.
وتشير إلى أنها عملت لمدة “4 شهور في ولاية ماردين في المدراس السورية المؤقتة قبل أن يتم فرزنا إلى المدارس التركية، وبقيت أعمل بها بصفة (مساعد معلّم) ومرشدة ومترجمة، لمدة 4 سنوات ثم انتقلت إلى ولاية كوجالي وتابعت في إحدى مدارسها، كمساعدة معلم والتدريس (أون لاين) للمراحل الثانوية بعد كورونا”.
أما المعلمة “هناء درويش”، خريجة معهد متوسط (إعداد معلمين) وتعمل حالياً في مدرسة تركية بولاية غازي عنتاب، بصفة “معلم احتياط” ومترجمة أيضاً بالإضافة إلى تنفيذ أعمال مكتبية ومناوبات داخل المدرسة.
أفادت درويش لموقع تلفزيون سوريا أنها لم تُبلّغ بقرار الاستغناء عنها وإنما تم إبلاغ بقية زملائها من خريجي المعاهد وحملة الشهادة الثانوية بالاستغناء عنهم، في ولايات: أنقرة وأورفا وأضنة وأنطاكيا وكوجالي وماردين وأديامان وبعض الولايات الأخرى.
وتعتبر درويش أن القرار “مجحف بحق المعلمين خريجي المعاهد التربوية كونه سيؤدي إلى خسارتهم مصدر رزق أُسرهم الوحيد”، مضيفة أن الأمر سينعكس أيضاً على أطفالهم حيث سيؤدي قرار الفصل إلى ترك كثير من الأطفال مدارسهم لعدم قدرة الأهل على تحمل نفقات العيش في تركيا، وإرسال أبنائهم للعمل في الورش والمعامل وغير ذلك.
ولدى مراجعة بعض المعلمين لمديريات التربية الفرعية في الولايات، تقول درويش: “لم يحصلوا على جواب كاف، فالتربية التركية تلقي باللوم على منظمة اليونيسيف واليونيسيف تلقي باللوم على التربية التركية” على حد قولها.
وتتساءل: “لماذا قبلت التربية التركية بشهاداتنا (المعهد التربوي والمعاهد المتوسطة) ولم تعترض على عملنا خلال كل سنوات عملنا على هذه الشهادات؟ ولماذا خضعنا لثلاث دورات تدريبية تأهيلية وقدمنا في نهايتها امتحانات بإشراف التربية التركية، ونلنا شهادات رسمية في نهايتها؟”.
وتلفت درويش أيضاً إلى قضية “الشهادات المزورة” فتقول: “لماذا لم تعمل التربية التركية على إيجاد آلية لكشف الشهادات المزورة وسمحت للمزورين العمل في المدارس رغم تحذيرنا من هذا الأمر” مشيرة إلى أن “صاحب الشهادة المزورة لن يدفع 100 دولار مقابل شهادة معهد، بل مقابل شهادة جامعية، وبالتالي فإن النسبة العظمى من المزورين هم من أصحاب شهادة الليسانس” على حد قولها.
وبعد إتمام خطة دمج الطلاب السوريين في المدارس التركية وإغلاق المراكز السورية المؤقتة، تم نقل المعلمين إلى المدارس التركية، ولم يسمح لفئة كبيرة منهم العمل بالتدريس وإنما اقتصر عملهم على المناوبة والترجمة والأعمال المكتبية، بصفة “معلم احتياط”.
مشروع “دمج اللاجئين الأطفال السوريين/ PICTES”
في عام 2016، أطلقت وزارة التربية والتعليم التركية، بالتعاون مع مفوضية الاتحاد الأوروبي، مشروع “دمج اللاجئين الأطفال السوريين/ PICTES” أو (PIKTES باللفظ التركي) في نظامها التعليمي، ويتم تغطية كامل ميزانية المشروع من قبل الاتحاد الأوروبي في إطار “برنامج الدعم المالي لأجل اللاجئين في تركيا” عبر نظام الهبة المباشرة.
ويغطي المشروع 26 ولاية تركية، تمثل الولايات التي ينتشر فيها القسم الأكبر من اللاجئين السوريين. وسيبقى المشروع مستمراً حتى كانون الأول من عام 2021، بحسب تأكيد الموقع الرسمي للمشروع.
قبل ذلك، كان المعلمون السوريون يشرفون على تعليم الطلاب السوريين المنهاج التعليمي السوري المعدّل، في “المراكز السورية المؤقتة” التي كانت تنتشر داخل المخيمات منذ نهاية العام 2011 ثم راحت تتبع لبعض منظمات “الإغاثة” والجمعيات الأهلية داخل بعض المدن والولايات التركية منذ عام 2012.
وفي لقاء سابق لمدير دائرة “تعليم مدى الحياة” السابق، علي رضا ألتونال، مع معدّ التقرير، عام 2017؛ أوضح ألتونال أن الحكومة التركية سمحت خلال الأعوام الثلاثة الأولى من اللجوء، تعليم السوريين بالطريقة التي كانت تناسبهم، سواء في المخيمات أو داخل المدن التركية، دون أي تدخّل منها على اعتبار أن المسألة مؤقتة وأن اللاجئين سيعودون إلى بلادهم بمجرد انتهاء الحرب آنذاك.
لكن، ومع زيادة تعقيد الملف السوري والتدخلات الدولية، منذ العام 2014 وما تلاه، وعدم وضوح أي أفق قريب للحل في سوريا، راحت الحكومة التركية تفكّر بعملية دمج الطلاب السوريين ضمن منهاجها الوطني، وهذا ما باشرت به منذ بداية عام 2016.
المعلم السوري من نصيب “اليونيسيف”
بعد الانتهاء من خطة دمج الطلاب السوريين في المدارس التركية، خلال الأعوام ما بين 2016- 2020، بالتزامن مع ذلك، جرى توزيع المعلمين السوريين تباعاً على المدارس التركية أيضاً.
وبلغ عدد المعلمين السوريين الموزعين على المدارس التركية بعد إغلاق المراكز المؤقتة وإتمام الدمج 12 ألفاً و352 معلماً. ما يقرب من ثلثهم تم توزيعهم على مدارس “إمام وخطيب” لتدريس مبادئ اللغة العربية للطلبة الأتراك مع الطلبة السوريين الذين تم دمجهم. أما بقية المدرسين تم توزيعهم على مختلف المدارس التركية الأخرى بصفة “مشرفين وموجهين ومترجمين ومكتبيين ومناوبين”، نظراً لعدم وجود شواغر تدريسية يعملون بها داخل المدارس.
خطوة توزيع المعلمين جاءت بالاتفاق بين وزارة التربية التركية ومنظمة اليونيسيف التي تكفّلت بدفع مرتبات شهرية (بدل تطوّع) للمعلمين السوريين منذ البدء بخطة دمج الطلبة السوريين، في بداية العام 2017. حيث تم توزيع عقود (تطوّع مع اليونيسيف) على المعلمين، يتم تجديدها سنوياً، وهي عبارة عن عقود تتضمن الواجبات التي يجب على المعلمين الالتزام بها خلال عملهم داخل المدارس التركية.
وبلغ بدل التطوّع في السنة الأولى 900 ليرة تركية (نحو 300 دولار أميركي آنذاك)، وارتفع تدريجياً بصورة سنوية ليبلغ اليوم 2020 ليرة تركية (نحو 300 دولار أيضاً) يتم تحويلها من مكتب المنظمة في تركيا لحساب المعلمين عبر مؤسسة (ptt).
ومع تعرّض المعلمين للفصل مؤخراً، يكونون قد فقدوا موردهم الوحيد الذي يمكنهم من دفع أجور منازلهم على أقل تقدير.
تفاصيل قرار الفصل
الناشط التربوي “بهاء حمزة” أكّد لموقع تلفزيون سوريا أن اتفاق الاستغناء عن حملة شهادات المعاهد المتوسطة والبكالوريا، كذلك لمن تجاوز سن الـ65 عاماً، من المعلمين قد تم اتخاذه خلال اجتماع بين ممثل من وزارة التربية ومكتب منظمة اليونيسيف في تركيا، بتاريخ 20 آب 2020.
وأوضح حمزة، وهو معلم سوري- تركي، يحمل شهادة ماجستير في الفيزياء ويعمل ضمن مديرية تربية إسطنبول، أن الطرفين توصلا إلى “عدم إمكانية تجديد التعاقد مع كل المعلمين، والاكتفاء فقط بحملة شهادات الليسانس وما فوقها (ماجستير- دكتوراه) ممن لم يتجاوزوا سن الـ65، بشرط حيازتهم على شهادة تعلّم لغة تركية درجة (A2) وما فوقها”.
وأضاف أن عدد المعلمين المتعاقد معهم “لن يتجاوز الـ5 آلاف معلم في أقصى تقدير، وهناك احتمال وارد بمنحهم تأمين صحي (سيكورتا) للمعلمين السوريين المجنسين، وإذن عمل لغير المجنسين”.
ومنذ نحو شهر تقريباً، بدأت ترد القرارات تباعاً إلى مديريات التربية الفرعية، ابتداءً من ولاية أضنة، حيث تم تعميم قائمتين، “واحدة للمتعاقَد معهم من المعلمين وأخرى لمن سيتم الاستغناء عنهم”.
وكشف حمزة عن لقاء جمع معلمين سوريين بمندوبي تربية ولاية “عثمانية”، الذين أبلغوهم أن “خريجي الجامعات سيستمرون بالعمل معنا مع زيادة بالراتب لاحقاً و(سيكورتا) للمجنسين، أما المعاهد والبكالوريا فسيستمرون معنا لشهر أو اثنين آخرين ثم سنعتذر منكم”.
وتابع حمزة أن مندوبي التربية أجروا لقاء آخر أكدوا فيه قرار الاستغناء عن الفئة المذكورة، قائلين إن “اليونيسيف خفّضت دعمها، وليس بمقدورنا عمل شيء حيال الأمر”، مشيراً إلى أن المندوبين أبلغوهم أيضاً أن “حملة الشهادة الجامعية معرضون أيضاً للفصل في حال ثبوت عدم إتقانهم اللغة التركية ولو كانوا حاصلين على شهادتها”.
وحصل موقع تلفزيون سوريا على صورة للعقد الجديد الذي سيتم التوقيع عليه من قبل المعلمين الجامعيين (بصفة إداري) مع التربية التركية والمفوضية الأوروبية ضمن برنامج (PIKTES)، وهو مختلف تماماً عن العقد القديم مع منظمة اليونيسيف.
صور العقد الجديد: