يوسف حمدان
يُعتبر الفيلم الأمريكي “علاء الدين” المعروض في عام 2019 عبارة عن إعادة إنتاج لفيلم الإنيميشن لقصّة علاء الدين، ومن المعروف أن علاء الدين والمصباح السحري هي قصة شعبية من التراث العربي وهي حكاية مقتبسة من ليالي ألف ليلة وليلة عام 1992.
والسؤال البدهيّ في مثل هذه الإعادة، هل من جديد يضيفه الفيلم بنسخة 2019 الدراميّة الخياليّة إلى تلك الحكاية العربية؟ وهل نجحت هوليوود في تقديم القصة العربية بموضوعية وبطريقة أكثر إثارة جاعلة منها حكاية عالمية؟
في حقيقة الأمر إن قام أحد بمشاهدة الفيلم فإنه لن يجد الكثير من الإضافات والتغييرات، سوى بعض المظاهر الشكليّة التي تتوافق واحتياجات الشاشة الكبيرة، إضافة إلى ظهور ممثلين من دول وثقافات مختلفة، في مقدمتهم الممثل الكنديّ من أصل مصريّ مينا مسعود الذي مثّل شخصيّة علاء الدين، والممثل الأمريكي الشهير ويل سميث في دور جنيّ المصباح، والإنجليزيّة من أمّ هنديّة نعومي سكوت في شخصيّة ياسمين، والهولنديّ من أصل تونسيّ مروان كنزاري في شخصيّة جعفر، بالإضافة إلى آخرين.
وإذا كان اختيار الممثلين من أصول متعددة يهدف إلى تخليص النسخة الأصليّة للفيلم مما وُجّه لها من انتقادات، لا سيّما الموقف من الشرق وتبني الصورة النمطيّة عن الثقافات الأخرى، فإنّ الفيلم بقي بعيدا عن القدرة على التجاوز عن هذه النمطيّة، صحيح أنه قدّم العالم العربيّ على وجه الخصوص بأنه عالم السحر الباهر والألوان الزاهية والغرابة اللامحدودة، والصراع الجذّاب، إلا أنه بقي يحوم حول الصورة المطبوعة في أذهان الغرب، وظلّ متمسّكا بالسرد الأصلي للحكاية دون أي إضافات تُذكر، ربما من باب الحفاظ على التراث، أو ربما عدم القدرة على الخروج عن السياق الحكائي، والتركيز على المظاهر المبهرة.
فجعفر وزير السلطان ما زال يسعى عبر القوى السحريّة للسيطرة على السلطنة ليصبح السلطان، ويعمل في الوقت نفسه على إجبار ياسمين ووالدها السلطان للزواج منها، مركّزا جهده للحصول على المصباح السحري من كهف العجائب، وليس من خلال تهذيب نفسه وأخلاقه لتقتنع به ياسمين.
وضمن جهود جعفر لتحقيق أهدافه، يلتقي بعلاء الدين ذي القلب الطيّب الذي يمكن له الحصول على المصباح من الكهف، فيدلّه على ما يجب فعله للحصول عليه، ولكنّه بعد ذلك يغدر به وينقض عهده معه محاولا رميه في منحدر قاتل، كلنّه ينجو بسبب بساط الريح الذي حصل عليه من المغارة.
يستمر الصراع بين جعفر وعلاء الدين للسيطرة على المصباح، وبالتالي الوصول إلى القوّة والهيمنة على الحكم بالنسبة لجعفر، وتحقيق الوصال مع ياسمين بعد وقوع كل من جعفر وعلاء في حبها.
وعلى الرغم من نجاح عمل المخرج الإنجليزيّ غاي ريتشي في جعل الألوان والأغاني ذات معنى مركزيّ في الفيلم، إلا أنّ ذلك لا يضيف الكثير على النسخة الأولى للفيلم ولا على الحكاية الأصلية، ولكنه يؤكد على إظهار الصورة النمطيّة عن سحر الشرق ولا منطقيّته أو لا عقلانيّته، بل وبربريّته، وهو ما يظهر منذ الأغنية الافتتاحيّة التي تذكر أرضا بعيدة، حيث قوافل الجمال تجول وتحوم، والامتداد والضخامة والصحراء والحرارة العالية، وأيضا البربريّة، وإن كان الفيلم في نسخته الجديدة يحذف كلمة “بربريّة”، إلا أنّ تلك الأرض ما زالت أرض السحر والقوى السحرية التي تتجاوز حد المعقول، والألوان البارزة والرغائب العاصفة، والصراعات الطاحنة.
ويحضر وول سميث في بداية النسخة الجديدة من الفيلم مجسّدا دور الجنيّ بعد حصوله على حريّته كما سيظهر في النهاية، بعد أن جعل علاء الدين طلبه الأخير منه أن يُحرر نفسه، في إشارة، موجودة في نسخة الإنيميشن، إلى مركزيّة الحريّة في الحياة ومحوريّتها، وبأنها رغبة وحاجة داخلية لدى الجميع، كما يظهر سميث مع ابنه وابنته وزوجته في سفينة وهم يجوبون العالم، فيخبرهم عن قصّة علاء الدين والمصباح السحريّ، وهذه البداية غير موجود في النسخة الأصليّة، لكنّها ليست أكثر من محفّز سرديّ للدخول إلى الحكاية من أوّلها، ولا تضيف الكثير على مستوى الإخراج الكليّ للفيلم أو على مستوى وجهة النظر، ولا تغيّر أيّا من المفاهيم فيه.
وفي تكرار ذي دلالة سلبيّة كبيرة، المدينة التي يحدث فيها كلّ هذا الصراع في قصّة علاء الدين الأصليّة هي بغداد، ولكنّ بغداد غير مذكورة في النسخة الأصلية والجديدة من الفيلم. تاريخ ظهور نسخة الإنيميشن عام 1992 يتضمّن تفسيرا تاريخيّا وسياسيّا واضحا لجعل الأحداث في مدينة خياليّة اسمها “أغرابا”، وتلك الأحداث هي الغزو الأمريكيّ للعراق وأحداث الخيلج الأولى، لذلك لم يذكر الفيلم بغداد ولم يظهر اسمها ولا حتى مجرّد الإشارة إليها.
ومع أنّ هذا السياق التاريخيّ أصبح بعيدا وغير ذي حضور وتأثير على المستوى الإعلاميّ والفنيّ على الأقلّ، إلا أنّ بغداد لم تظهر في النسخة الجديدة، وإنّما بقيت الأحداث في مدينة “أغرابا”، في إشارة واضحة إلى أمرين: الأوّل التكرار المملّ وغير الهادف، والثاني بقاء الموقف من الشرق كما هو دون أيّ إضافة أو تغيير.
ولا بد من الإشارة إلى الطول الواضح في النسخة الجديدة من الفيلم، فهو يتجاوز الساعتين بعدّة دقائق، وهذا ناتج عن بعض الحوارات المسهبة والتفاصيل، لا سيّما على مستوى الحركات البهلوانيّة المبالغة فيها، والتي لا تضيف قيمة حقيقيّة لمجريات الفيلم.
ولعلّ الزيادة الوحيدة ذات القيمة الفكريّة في الفيلم هي شخصيّة ياسمين، التي تظهر شخصيّة قويّة ترفض الرضوخ وتنتفض أمام جبروت جعفر في لحظات انتصاره، وتعبّر عن قوّتها الممثلّة لصورة المرأة عموما، خاصّة في الأغنيّة الأخيرة التي تؤكّد فيها أنّها لن تبقى صامتة ولن تكون مطيعة أو عديمة القوّة أمام الظلم الواقع عليها وعلى والدها.
تتحقق نبوءة القوة والتحدي النابعة من هذه الأغنية من خلال الفكرة الذكيّة التي خدع فيها علاء الدين جعفر عندما قال له ما زلت في المرتبة الثانية كما كنت من قبل الرجل الثاني في السلطنة بعد السلطان، ذلك أنّ الجنيّ هو الأقوى وأنت في المرتبة الثانية بعده، فطلب جعفر من الجنيّ أن يجعله الكائن الأقوى في العالم، فتحوّل إلى جنيّ في مصباح سحريّ يحتاج إلى من يحفّه بيده ليخرج ويمارس تلك القوّة في طاعة من أخرجه.
المشهد الأخير ليس جديدا، فتكون الإضافة محصورة بالأغنية المعبّرة عن قوّة ياسمين وإرادتها، وهذه الإضافة ناجحة بشكل مميّز، ليس فقط لأهميّة التركيز على كسر الصورة النمطيّة عن أنّ المرأة خاضعة وسلبيّة بالضرورة، ولكن أيضا لأنّها مناسبة تماما للخديعة التي أودت بجعفر في المشهد الأخير، فتكون أغنية ياسمين قد أوحت بالتحدي والانتصار النهائيّ.