في محاولة لحفظ الذاكرة الجماعية وإنصاف آلاف العائلات السورية، أطلقت جمعية سنابل العطاء بالتعاون مع مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في محافظة درعا، مبادرة إنسانية لتوثيق أسماء المغيبين قسريًا، شهداء الحرب، والمعتقلين منذ اندلاع الثورة السورية وحتى اليوم.
تسعى المبادرة إلى جمع معلومات دقيقة وشاملة حول مصير هؤلاء الضحايا، من خلال العمل الميداني والتواصل المباشر مع ذويهم، بهدف إنشاء قاعدة بيانات موثوقة يمكن أن تكون مرجعًا في مسارات العدالة الانتقالية مستقبلًا، أو في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأسر المتضررة.
وفي تصريح خاص لوكالة «سيريا مونيتور»، قالت ديانا المفعلاني، مديرة الشؤون الاجتماعية والعمل في درعا:
أهمية توثيق أسماء الشهداء والمغيبين قسريًا تكمن في الحصول على بيانات دقيقة عن هذه الأسر التي قدمت الكثير خلال الثورة السورية، وذلك من أجل دعمهم ماديًا في حال ورود أي مساعدات من الجهات الداعمة، إضافة إلى تقديم الدعم النفسي والاجتماعي عبر الجمعيات الأهلية مستقبلًا.”
وأوضحت المفعلاني أن التعاون يتم بين المديرية ومجالس البلدات والبلديات والجمعيات الأهلية في مجال إحصاء الأرامل والأيتام والشهداء والمرضى والأسر الأشد فقرًا، لضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها عند توفرها.
وحول أبرز التحديات، قالت: “نواجه تحفظ بعض الأهالي وعدم إقبالهم على التسجيل، إضافة إلى قلة الكوادر العاملة مقارنة بحجم العمل الكبير. نحاول تجاوز هذه العقبات بالاستعانة بمتطوعين.”
وأكدت أنه “حاليًا لا يتم تسجيل أي حالة بدون وثائق رسمية، وستتم عملية تحديث البيانات بشكل دوري لضمان تسجيل جميع الحالات مستقبلًا. أما في توثيق الشهداء فنستعين بالمجتمع المحلي وعلى مسؤولية البلدية واللجان المحلية والجمعيات.”
وأضافت: “هذه الأسر تعاني ماديًا ومعنويًا، وبعض الحالات سيئة جدًا وتحتاج إلى معالجة سريعة. للأسف، لا توجد برامج حالية بسبب ضعف إمكانيات الجمعيات الأهلية، إضافة إلى أن حضور المنظمات الدولية في درعا محدود جدًا وشبه معدوم. نعمل حاليًا على وضع برامج دعم لهذه الأسر مستقبلًا للتخفيف من معاناتهم بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية.”
وأشارت المفعلاني إلى أنه “لا يوجد لدى المديرية دعم مادي مباشر مخصص لذوي الشهداء والمغيبين، ولكن يتم توجيه الجمعيات الأهلية والمؤسسات للعمل على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهذه الأسر، إضافة إلى دعم الحالات الخاصة جدًا حسب إمكانيات كل جمعية.”
وعن جدوى هذه الجهود قالت: “أرى أن توثيق هذه الحالات مهم جدًا كي يحظوا بالدعم والاهتمام من جهات أخرى، خاصة بعد تشكيل هيئة مختصة بشؤون المعتقلين وبعض المنظمات غير الحكومية. وحتى الآن، لم يتم التواصل رسميًا مع منظمات حقوقية خارج المحافظة.”
وختمت المفعلاني رسالتها إلى أهالي المعتقلين والمغيبين قائلة: “كل الاحترام والتقدير لكم على صبركم وما قدمتموه خلال الثورة. أعدكم أننا لن نترككم دون دعم ومساندة، وسنسعى لإيصال رسالتكم إلى الجهات المعنية. كما أطلب من المجتمع المحلي والمنظمات غير الحكومية التعاون معنا لتقديم كل ما يمكن لدعم هذه الفئة.”
من جهته قال ميسر القراعزة، رئيس مجلس إدارة جمعية سنابل العطاء بتصريح خاص لــ سيريا مونيتور :
الدافع الأساسي وراء إطلاق مبادرة توثيق أسماء الشهداء والمعتقلين والمغيبين قسريًا هو الحاجة الماسة لتوثيق معاناة أهالي درعا وخاصة مدينة نوى بشكل موثق وإنساني، والحفاظ على الذاكرة الجمعية للضحايا. نشأت فكرة المشروع نتيجة لتزايد الطلبات من الأهالي على توثيق مصير ذويهم، وشعرنا بمسؤوليتنا الأخلاقية كجمعية مجتمع مدني بأن نبدأ بهذا العمل الإنساني الهام.”
وأضاف: “نسعى أولًا لتكريم ذكرى الشهداء والمغيبين، وتوثيق معاناة ذويهم. كما نهدف لبناء قاعدة بيانات دقيقة يمكن أن تُستخدم لاحقًا في جهود المحاسبة والعدالة الانتقالية، وتعزيز الوعي المجتمعي حول حجم المعاناة التي مرت بها المحافظة.”
وعن طبيعة التعاون مع المديرية، أوضح القراعزة: “تم التنسيق عبر تقديم خطط عمل واضحة للجمعية، وحصلنا على الموافقة والدعم من المديرية لتسهيل عملنا ميدانيًا. التعاون يشمل دعم جهود التوعية، وضمان قانونية الإجراءات التي نتبعها.”
وأشار إلى المنهجية المتبعة قائلاً: “نقوم بجمع المعلومات من مصادر أولية موثوقة، كاللقاءات المباشرة مع ذوي الشهداء والمعتقلين، ونستخدم استمارات موحدة مدققة. نُخضع البيانات لعملية تحقق مزدوج من قبل فريق مختص، ونرفض أي معلومة لا تستند إلى دليل مباشر أو شهادة موثوقة.”
وحول أبرز التحديات، قال: “في البداية واجهنا صعوبة في التواصل مع أهالي الشهداء ولكن مع مرور الوقت وبناء الثقة، بدأنا نرى تجاوبًا أكبر.”
وعن الدعم النفسي، أكد القراعزة: “نولي هذا الجانب اهتمامًا كبيرًا. لدينا مختصون في الدعم النفسي والاجتماعي يتواصلون مع الأهالي بشكل فردي، ونوفر جلسات دعم جماعي أيضًا. الهدف هو مساعدتهم على التعبير عن معاناتهم وتجاوز الصدمة تدريجيًا.”
وبخصوص الدعم المادي والمعنوي أوضح: “نعمل على إنشاء صندوق دعم خاص بذوي الضحايا لتقديم مساعدات طارئة، كما نحاول التنسيق مع منظمات حقوقية لتقديم استشارات قانونية مجانية، إلى جانب الدعم المعنوي والنفسي المستمر.”
وعن الإحصائيات، أشار القراعزة: “حتى الآن، تمكنا من توثيق أكثر من (…….) حالة تتنوع بين شهداء ومغيبين ومعتقلين، مع استمرار عملية التحديث اليومي للبيانات. الأرقام قابلة للزيادة مع استمرار التعاون المجتمعي.”
وختم رسالته قائلاً: “نقول للأهالي في درعا الذين ما زالوا مترددين في الإدلاء بالمعلومات: إن تعاونكم هو حجر الأساس لهذا العمل الإنساني، وبدونه لن نستطيع إيصال صوت الضحايا. نؤكد أن جميع المعلومات محفوظة بسرية تامة، ولا يتم مشاركتها دون موافقة أصحابها. ونعمل بأقصى درجات المهنية والمسؤولية، خاصة بعد سقوط نظام الطاغية وأصبح الوضع أكثر أمانًا، ولا يوجد خطر عليهم عند تقديم معلومات عن أبنائهم الشهداء.”
عمل ميداني رغم التحديات
يواصل فريق جمعية سنابل العطاء العمل الميداني رغم التحديات الكبيرة، أبرزها الخوف لدى الأهالي من الإفصاح عن المعلومات بسبب الأوضاع الأمنية، وغياب الوثائق الرسمية في كثير من الحالات، ما يجعل مهمة التوثيق شاقة ومعقدة.
خطوات قادمة
تخطط الجمعية لإصدار تقرير إحصائي مبدئي خلال الأشهر القادمة يتضمن بيانات أولية بالأسماء والأرقام، مع الحرص على حماية خصوصية المعلومات. كما تسعى بالتعاون مع المديرية والجمعيات الأهلية إلى وضع برامج دعم نفسي واجتماعي وقانوني لهذه الأسر، مع نية توسيع نطاق المبادرة مستقبلًا لتشمل محافظات سورية أخرى