أعلنت روسيا أنها ستغادر محطة الفضاء الدولية بعد عام 2024، وسوف تطلق محطتها الجديدة الخاصة بعد ذلك بوقت قصير. في خطوة اعتبرتها الصحافة الغربية نتيجة لتغير الجغرافيا السياسية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
نقلت وسائل الإعلام الروسية هذا الإعلان بعد أن ناقش الرئيس الجديد لوكالة الفضاء الروسية، يوري بوريسوف، القرار مع الرئيس فلاديمير بوتين، خلال اجتماع يوم الثلاثاء 26 تموز، بحسب موقع تحليل الأخبار الأميركي “VOX”.
وبناءً عليه، سوف يتعين على الولايات المتحدة الأميركية معرفة كيفية تشغيل هذه المحطة وحدها، خاصة وأن روسيا لم تعلن بشكل رسمي بعد موافقتها على دعم محطة الفضاء الدولية إلى ما بعد 2024، في حين خططت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لدعم المحطة حتى عام 2030 على الأقل.
محطة الفضاء لم تعد فوق خلافات الأرض السياسية
تتقاسم كل من وكالة الفضاء الروسية ونظيرتها الأميركية “ناسا” العمليات الحساسة لمحطة الفضاء الدولية، تقود روسيا مثلاً أنظمة التحكم في قوى الدفع والتي توفر تعزيزات منتظمة تحافظ على محطة الفضاء الدولية في وضع مستقيم، وتمنعها من السقوط من مدارها. ومن دون مساعدة روسيا، سوف يتم تسليم هذه التقنيات لوكالة “ناسا” أو استبدالها، ويبدو أن الوكالة لم تكن على علم بالقرار الروسي، بحسب بيان صادر عنها.
وعلى الرغم من أن أميركا تمول بالفعل العديد من أفكار محطات الفضاء التجارية، التي ينبغي أن تحل مكان محطة الفضاء الدولية بنهاية عقد العشرينيات الحالي، فإن القرار الروسي يمثل تحذيراً صارخاً من أن مستقبل الفضاء قد لا يكون “تعاونياً أو دولياً” كما كان من قبل.
كانت روسيا وأميركا بدأتا بناء هذه المحطة لأول مرة في أواخر تسعينيات القرن الماضي، واعتبرت هذه الشراكة إنجازاً كبيراً للتعاون الدولي، خاصةً أنها جاءت في أعقاب الحرب الباردة وسباق الفضاء الذي دام عقوداً. تشمل شراكة المحطة الآن 15 دولة، وتضم رواد فضاء من أرجاء العالم، يتشاركون في وضع أبحاث قد تساعد في نهاية المطاف على نقل البشر إلى الفضاء الخارجي.
تميزت محطة الفضاء الدولية بكونها فوق كل ما يحدث على كوكب الأرض، بما في ذلك السياسة، لكن يبدو أن الأمور لم تعد تجري بهذا الشكل.
تاريخ من الابتزاز السياسي في الفضاء
عام 2014 بدأت وكالة الفضاء الدولية تتحول إلى ورقة مساومة في العلاقات بين أميركا وروسيا، حين اقترح برنامج الفضاء الروسي نقل تدريبات رواد الفضاء إلى شبه جزيرة القرم، التي احتلتها القوات الروسية قبل ذلك بأشهر فقط، في محاولة لدفع واشنطن للاعتراف بضم هذه المنطقة لروسيا.
دفع هذا الابتزاز واشنطن للاعتماد على شركة “سبيس إكس” التي أسسها الملياردير الشهير إيلون ماسك، من أجل نقل رواد الفضاء إلى المحطة الدولية اعتباراً من 2020، بعد أن كانت تعتمد على صاروخ “سايوز” الروسي لنقل الرواد إلى الفضاء. ردت روسيا على ذلك أنها لن تكون ملتزمة بمستقبل محطة الفضاء الدولية على المدى الطويل.
لكن أسوأ ما فعلته روسيا جاء في تشرين الثاني عام 2021، حين فجرت قمراً صناعياً قديماً تابعاً لها باستخدام صاروخ، مخلفةً آلاف القطع من الحطام الفضائي، يخشى بعض المسؤولين أن تلحق الضرر بمحطة الفضاء الدولية. أخبرت روسيا العالم بهذه التجربة، أنها قادرة على إسقاط قمر صناعي بضربة صاروخية من الأرض، وأنها على استعداد لتعريض رواد الفضاء للخطر، بمن فيهم الروس.
وبعد أربعة أيام فقط من بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، هددت روسيا بترك محطة الفضاء الدولية تخرج عن مدارها لتتحطم فوق أميركا أو أوروبا، بعدها بشهر أوقفت موسكو العمل مع ألمانيا في التجارب العلمية على المحطة، وأوقفت بيع محركات الصواريخ لأميركا، والتي كانت تعتمد عليها “ناسا” تاريخياً.
تقاسم الفضاء.. لم يعد حلماً إنسانياً مشتركاً
حذر الباحث في سياسة الفضاء نامراتا جوسوامي، منذ أواخر شباط الماضي، من احتمال انسحاب روسيا من محطة الفضاء الدولية قبل عام 2025، بسبب التأثيرات السياسية للحرب في أوكرانيا، وأنه سيكون من الصعب في هذه الحالة تعويض الدور الروسي في محطة الفضاء بسرعة.
تطوعت شركتان لبناء نظام دفع يحل مكان التقنيات الروسية، إحدى هذه الشركتين “سبيس إكس” نفسها، باقتراح من إيلون ماسك على موقع تويتر.
ومع ذلك، أعلنت “ناسا” أنها ستخلي محطة الفضاء الدولية وتدمرها فوق المحيط الهادي بحلول عام 2031، لتحل محلها محطات أخرى، بما في ذلك محطة الفضاء الصينية “تيانجونج” التي ستكتمل في نهاية 2022، على الرغم من الحظر الأميركي للتعاون مع وكالة الفضاء الصينية بموجب قانون صادر عام 2011.
وبالإضافة إلى روسيا التي تسعى لإكمال محطتها الخاصة في عام 2025، تخطط الهند لإطلاق محطة فضاء وطنية خاصة بها أيضاً في العقد المقبل، فضلاً عن استثمار أميركا في تطوير محطات فضاء تجارية. من المرجح ألا يكون الفضاء بعد الآن “عاماً” و”تشاركياً”.
تحالفات وكواكب وطنية
يلفت موقع “VOX” إلى عدم وجود خطر مباشر يهدد محطة الفضاء الدولية في الوقت الراهن، لكن الصراع السياسي يستمر بالانعكاس على الفضاء، فبعد اعتراف وكالة الفضاء الأوروبية التي تمثل 22 دولة بالعقوبات المفروضة على روسيا، أجلت موسكو مشروعاً أوروبياً يعتمد عليها لإطلاق أقمار صناعية.
وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا بدأت دول عدة حول العالم، الدخول في ما يشبه التحالفات لاستكشاف الفضاء، بانضمام البحرين وسنغافورة ورومانيا إلى اتفاقية “أرتميس”، وهو مشروع بقيادة أميركا لإعادة البشر إلى القمر وتوسيع الاستكشاف الفضائي، بالإضافة إلى توقيع 15 دولة أخرى على مبادئ تتعلق باستكشاف الفضاء تقودها “ناسا”.
لا يعرف الخبراء كيف سيؤثر الغزو الروسي لأوكرانيا، على تعاون روسيا والصين الفضائي، إذ طور البلدان مشاريع مشتركة في السنوات الماضية، تشمل محاولة بناء قاعدة على القمر. وكان رئيس وكالة الفضاء الروسية السابق، ديمتري روجوزين، قد أعلن أن موسكو ستمنع واشنطن من إرسال بعثة إلى كوكب الزهرة، بعد أن اقترح في وقت سابق أن كوكب الزهرة “كوكب روسي”.