تيم الحاج
مرّر المبعوث الأميركي السابق إلى مناطق شمالي وشرقي سوريا السفير، ويليام روباك بعض الرسائل إلى قيادة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وذراعها المدنية (مجلس سوريا الديمقراطية/مسد) بشأن طموحاتها المستقبلية في سوريا، في الوقت الذي تنتظر فيه هذه القيادة ما ستؤول إليه علاقتها بالإدارة الأميركية الجديدة، في ظل ازدياد التوترات في محافظة الحسكة بين “قسد” ونظام الأسد المدعوم روسياً.
وقال روباك أمس الأحد، لصحيفة “الشرق الأوسط”، إن بلاده لا تدعم قيام “دولة كردية” في سوريا، مقارناً بين الوضع بينها وبين إقليم كردستان العراق، ومعدداً في الوقت ذاته أولويات واشنطن في سوريا، وهي هزيمة تنظيم “الدولة” ومنع عودته، ودعم مسار الأمم المتحدة لتنفيذ القرار الدولي 2254، وإخراج إيران من سوريا، ومنع نظام بشار الأسد من استعمال أسلحة الدمار الشامل والتخلص من السلاح الكيمياوي، والاستجابة للأزمة الإنسانية ورفع المعاناة عن الشعب السوري داخل البلاد وخارجها.
رسالة روباك تمثّل القرار الأميركي
يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المُطلع على السياسة الأميركية، إيلي يوسف، في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن روباك الذي مثّل إدارة الرئيس الجمهوري السابق لأميركا دونالد ترامب، جاءت مباشرة وغير مبطنة لـ “قسد”، ويعتقد يوسف أن إدارة الرئيس الديمقراطي جو بايدن تحمل نفس القرار بشأن “الدولة الكردية”، مؤكداً أن هذا قرار محسوم بالنسبة لواشنطن.
لكن هناك تغييراً سيحدث في العلاقة بين إدارة بايدن مع أكراد سوريا، وفق يوسف، الذي يشير إلى أن تعيين بريت ماكغورك في ملف الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا على أنه يمثل دليلاً على هذا التغيير، لما يحمله ماكغورك الذي كان مبعوثاً للتحالف الدولي سابقاً من ود لـ “قسد” يجعله “يُحدث فارقاً أساسياً من شأنه أن يضمن بعض الحقوق لها كي تواجه نظام الأسد وتركيا”.
وماكغورك دبلوماسي ومحام أميركي، تنقل بين المناصب في عدد من الإدارات الأميركية التي تعاقبت على البيت الأبيض خلال السنوات السابقة، بدءاً من إدارة جورج دبليو بوش، وليس انتهاءً بإدارة الرئيس جو بايدن.
وبدأ ماكغروك عمله السياسي عام 2004، كمستشار قانوني لسفير الولايات المتحدة في بغداد، ضمن إدارة جورج دبليو بوش، ليُعين في العام التالي مديراً لشؤون العراق في مجلس الأمن القومي الأميركي، وبعدها مستشاراً خاصاً للرئيس الأميركي ومدير شؤون العراق وأفغانستان، حين كان أحد الداعمين لزيادة عدد القوات الأميركية في العراق، والذي حصل بالفعل في كانون الثاني 2007.
وحظي ماكغورك، مع سياسيين اثنين آخرين، بفرصة الانتقال من إدارة بوش إلى إدارة باراك أوباما عام 2009، حين تولى منصب مستشار الرئيس الأميركي، ومستشار سفير الولايات المتحدة في العراق.
وفي 13 أيلول 2014، عيّنه وزير الخارجية الأميركي، حينئذ، جون كيري، سفيراً ونائباً للمبعوث الرئاسي الخاص للتحالف الدولي لمكافحة تنظيم “الدولة”، ليُعاد تعيينه في تشرين الأول عام 2015، مبعوثاً رئاسياً خاصاً للتحالف، خلفاً للجنرال جون ألين، بعدما كان نائبه لأكثر من عام.
واحتفظ ماكغورك بمنصبه هذا حتى كانون الأول 2018، حين أعلن استقالته احتجاجاً على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا.
ويرجح يوسف أن إدارة بايدن تضم عدداً أكبر من الداعمين للأكراد بالمقارنة مع إدارة ترامب، لكن هذا الدعم وفق تقديره لن يصل إلى المساعدة في إقامة “دولة كردية” بسوريا، لأن الأميركيين يتذكرون تجربة الاستفتاء شمالي العراق، في إشارة إلى استفتاء 25 أيلول 2017، الذي عقد في الإقليم وأظهرت النتائج التمهيدية له إدلاء الغالبية العظمى من الأصوات بنسبة 92%، لصالح الاستقلال ونسبة مشاركة بلغت 72%. وصرحت حكومة إقليم كردستان بأن الاستفتاء سيكون ملزما، لكن حكومة بغداد رفضته وتطور الأمر إلى خلاف سياسي حاد تدخلت به دول إقليمية وأخرى أوروبية وغربية وانتهى إلى إلغائه من قبل الحكومة الاتحادية العراقية وتجميده من قبل سلطات الإقليم.
وفي العلاقة بين أميركا وأكراد سوريا يرى يوسف أن الأميركيين يحاولون فقط إعطاء الأكراد بعض الحقوق السياسية ضمن الدولة السورية المقبلة.
الملف السوري ليس على طاولة بايدن
يعتبر المحلل السياسي إيلي يوسف أن الملف السوري ليس على أجندة الرئيس بايدن، وأنه خارج أولوياته، وينقل يوسف بعض المخاوف من أن يكون الملف السوري قد وضع على الرف لوقت مديد، بانتظار استكمال وترتيب بقية الملفات التي هي أكثر أهمية لبايدن وخاصة الملف النووي الإيراني، وفق قوله.
ويضيف أن هناك مخاوف أيضاً من أن يصبح الملف السوري جزءا من الملفات الإقليمية الأخرى وهذه المخاوف موجودة بالفعل لدى قيادات سورية وأميركية، وفق تعبيره.
ويعني ذلك وفق يوسف، توقف أي أمر إيجابي متعلق بالملف السوري في المرحلة المقبلة، مع احتمال ضعيف أن يحدث تواصل بين واشنطن ودمشق، وهذا التواصل الذي قلل يوسف من احتمالية حصوله يراه متعلقاً بتخفيف بعض العقوبات الأميركية على نظام الأسد، وتحديداً تلك المتعلقة بالمساعدات الإنسانية والمرتبطة بمواجهة كورونا، مشيراً إلى أن هناك ضغوطاً أممية بشأن تخفيف تلك العقوبات، واستبعد أن يؤدي مسار المساعدات الإنسانية إلى رفع كامل العقوبات عن النظام، وربط يوسف بين رفع العقوبات عن النظام وبين إعادة تدوير عجلة ملف المباحثات الأميركية- الإيرانية بشأن برنامج الأخيرة النووية.
أما بشأن ملف قانون “قيصر” وعقوباته فلن يتم المساس به، بحسب ما يعتقده يوسف، مستنداً إلى تأكيدات أميركية عديدة في هذا السياق.
قيادة “قسد” و”مسد” تنتظران التفاهمات مع إدارة بايدن
قبل عدة أيام تحدث قائد “قسد” مظلوم عبدي، في لقاء تلفزيوني عن علاقتهم بكل من أميركا وروسيا في منطقة شمال شرقي سوريا، مبدياً استعجاله لمعرفة شكل التفاهمات التي ستنطوي عليها العلاقة مع إدارة بايدن، ودعا في تصريحات صحفية متزامنة، إدارة بايدن، لتبني “استراتيجية جديدة” لتفعيل دور أميركا و”وضع نهاية للمحرقة السورية”، مشيراً إلى لقاءاته مع مسؤولين من التحالف الدولي لقتال تنظيم “الدولة” بقيادة أميركا وكشفت وجود توجه لتوسيع عملياته ضد “الإرهاب”.
ويعتقد عبدي أن الوجود الأميركي ضمن منظور الحرب ضد الإرهاب، يساهم في إعادة الاستقرار لسوريا بشكل عام. ويرى أن الولايات المتحدة دولة عظمى ولها دور كبير وأساسي في حل “الأزمة السورية”، ولا يمكن تهميش دورها، معتبراً أن الوجود الأميركي في سوريا مرهون بعاملين: الأول، القضاء على الإرهاب وعودة الأمن والاستقرار إلى مناطق شمال وشرقي سوريا. والثاني، مرتبط بحل “الأزمة السورية” وفق قرارات الأمم المتحدة، ومن ثم المشاركة في إعادة إعمار سوريا.
ويتفق الرئيس المشارك لـ”مسد” رياض درار مع عبدي لجهة ضرورة الوجود الأميركي، ويضيف في تصريحات تلفزيونية، أن وجود أميركا هو الضامن من أجل الاستقرار في المنطقة، ويسهم بالتوصل إلى تفاهمات في الحل السياسي، لأنه من دون التفاهم الأميركي- الروسي لا نصل إلى حل سياسي وإذا بقي التنافس بينهما سوف يبقى هذا الصراع والتوتر، وفق تعبيره.
ويضيف درار أن وجود أميركا هو لمصالحها “ولم تأتِ من أجل الاحتلال وهي لا تستفيد من المناطق كما تستفيد روسيا التي أخذت قسماً كبيراً من الأراضي السورية باسم تعاقدات مع النظام، ولذلك وجود اميركا ضروري فهي تحارب الإرهاب”.
ويقرأ المحلل السياسي، إيلي يوسف في تصريحات عبدي، محاولة منه لدفع إدارة بايدن إلى عدم التخلي عن “قسد” والتمسك بالدور الذي تقوم به شمال شرقي سوريا، وتساءل يوسف إذا ما قررت واشنطن أن تصل إلى تسوية سياسية ما مع القوى الإقليمية ومع روسيا في سوريا، حينها ماذا سيكون مصير المناطق التي هي تحت سيطرة “قسد”؟ مرجحاً أن ينزاح عنها الغطاء الأمني الذي تقيمه الولايات المتحدة، لأنه إذا انسحبت أميركا لن تعود هناك قوة تحمي “قسد” ما لم تكن هناك تسوية سياسية شاملة.
واعتبر أن هناك جهوداً تبذل الآن الجهود من أجل تقريب وجهات النظر بين العديد من اللاعبين الإقليميين انطلاقا من مدخل العقوبات الاقتصادية، وقال إن هذا الأمر ينسحب على جميع الملفات التي ستعالجها إدارة بايدن بما فيها الملف النووي الإيراني.