“نرى تاريخنا بعيون الفلسطينيين”، لم تكن هذه الكلمات لرئيس وزراء أيرلندا السابق ليو فاراكدار أمام الرئيس الأمريكي جو بايدن (ذو الأصول الأيرلندية) في مارس/آذار 2024 بالبيت الأبيض٬ مجرد تعبير عن موقف تضامني عابر مع الفلسطينيين، بل هي امتداد لسياسة طويلة الأمد تعكس التزاماً أيرلندياً مميزاً تجاه دعم القضية الفلسطينية ومناهضة الاحتلال الإسرائيلي وتحديه في جميع المحافل الدولية.
ومنذ عقود طويلة، تميزت العلاقة بين أيرلندا وفلسطين بطابعها الخاص إنسانياً وسياسياً٬ تمثل بالتضامن والنضال المشترك ضد الاستعمار والاحتلال. وفي ظل موجة الدعم المتزايدة للقضية الفلسطينية، برزت أيرلندا كواحدة من أكثر الدول الأوروبية التي تتخذ مواقف قوية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، منددة بالاحتلال الإسرائيلي وممارساته على الدوام.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، دخلت العلاقات الأيرلندية مع “إسرائيل” مرحلة جديدة من التوتر الطويل، نتيجة تصاعد المواقف الشعبية والرسمية الأيرلندية الداعمة للقضية الفلسطينية. وتجلت هذه المواقف في تصريحات قوية من المسؤولين الأيرلنديين تبعها تحركات سياسية ودبلوماسية لمحاصرة “إسرائيل”٬ وكانت هذه الحراكات معدية لدول أخرى على المستوى الأوروبي. وقد وصلت ذروة التوتر بين الطرفين على ضوء الحرب في غزة٬ بعد إعلان دولة الاحتلال إغلاق سفارتها في دبلن بشكل رسمي في ديسمبر 2024.
الجذور التاريخية للتضامن الأيرلندي مع فلسطين
- بدأت العلاقة بين أيرلندا وفلسطين في القرن العشرين، حيث وجد الشعب الأيرلندي، الذي عانى طويلاً من الاستعمار البريطاني، نفسه يتماهى مع كفاح الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. هذا التماهي نشأ من تجارب مشتركة في مواجهة الاستعمار والاستبداد.
- ففي العقد الأول من القرن العشرين، حينما فرضت بريطانيا سيطرتها على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى، كانت أيرلندا تعيش في أوج كفاحها من أجل الاستقلال عن بريطانيا العظمى. ورأى الأيرلنديون في انتفاضات الفلسطينيين ضد الانتداب البريطاني أصداءً لنضالاتهم، وهو ما خلق شعوراً بالتعاطف العميق تجاه الفلسطينيين.
- عاشت أيرلندا أهوال الاحتلال والاستعمار البريطاني قبل أن تتحرر في حرب الاستقلال الأيرلندية٬ حيث بدأ الزحف الإنجليزي إلى أيرلندا منذ أيام الملك هنري الثاني بين عامي 1154 و1189. تم فيها الاستيلاء على الأراضي بحجج دينية في البداية٬ وتم الاعتماد على أيرلندا مصدراً للأموال والثروات، وثار الأيرلنديون أكثر من مرة إلا أن الإنجليز قمعوا الشعب الأيرلندي بوحشية وتم قتل وتهجير ملايين السكان.
- عقب الحرب الأهلية الأيرلندية (1922-1923)، شعر الشعب الأيرلندي بمعاناة الفلسطينيين الذين واجهوا التهجير القسري في نكبة 1948. استُخدمت النكبة كمرآة تعكس مأساة الاحتلال الاستعماري وتداعياته على الشعوب.
- مع صعود الحركات المناهضة للاستعمار في منتصف القرن العشرين، وجدت الحركات الوطنية في أيرلندا وفلسطين أرضية مشتركة. في الستينيات والسبعينيات، دعمت منظمات أيرلندية القضية الفلسطينية علناً، مستفيدة من نجاح الثورة الأيرلندية لإبراز المعاناة الفلسطينية.
- ومن أبرز محطات التضامن الأيرلندي، إضراب السجناء الأيرلنديين في السبعينيات والثمانينيات احتجاجاً على السياسات البريطانية. واستوحى هؤلاء السجناء، مثل بوبي ساندرز، نضالهم من المقاومة الفلسطينية، حيث أشاروا إلى الكفاح المشترك ضد الظلم.
- تعتبر العاصمة الأيرلندية دبلن أول مدينة أوروبية تعتمد مقاطعة بضائع مستوطنات الضفة الغربية، وقد تبعت السياسات الأيرلندية عدد من الدول الأوروبية.
- تطوعت أيرلندا لتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني، إذ تتبرع بـ10 ملايين يورو سنويا لفلسطين، يذهب ثلث التبرعات لمؤسسة غوث اللاجئين “الأونروا”، كذلك سيرت أيرلندا سفينتين في عامي 2010، و2011 لفك الحصار عن مدينة غزة وتم اعتراض السفينتين من قبل دولة الاحتلال.