ما تداعيات النزوح اللبناني على الاقتصاد السوري؟

“هي حكومة الواقع، لا حكومة الأحلام”، بهذه الكلمات وصف رئيس النظام السوري بشار الأسد الحكومة الجديدة التي أوكل رئاستها إلى محمد غازي الجلالي، في رسالة واضحة باستمرار الوضع الاقتصادي على حاله دون أي بوادر لتحسن ملموس، وعدم وجود توقعات بتحولات اقتصادية جذرية في المستقبل القريب.

على الرغم من قناعة المواطن السوري بأن دور الحكومة ضعيف ولا تملك أي استراتيجية أو اتخاذ خطوات فاعلة لتحسين الوضع الاقتصادي خارج سياق ما يملي عليها الأسد وسلطته، ساد تفاؤل بالحكومة الجديدة بسبب الخبرة التي يمتلكها رئيسها الجديد، لكن طلب الأسد بعدم “رفع سقف التوقعات فوق الممكن، وعدم تقديم وعود غير قابلة للتنفيذ” أكد على استمرار النهج الحالي دون أي آمال كبيرة في التغيير.

وفي ظل ما يعانيه الاقتصاد السوري والمواطن، جاءت أزمة النزوح اللبناني لتضيف أعباء إضافية، حيث تجاوزت أعداد النازحين من لبنان حاجز الـ 120 ألف شخص، مع توقعات بزيادة هذه الأعداد في ظل استمرار التصعيد الإسرائيلي، ما يشكل ضغطاً متزايداً على البنية التحتية والخدمات العامة، بالإضافة إلى تفاقم أزمة الإيجارات في وقت يشهد الاقتصاد السوري تضخماً جامحاً وارتفاعاً حاداً في الأسعار، حسب محللين لموقع تلفزيون سوريا.

هذا الواقع الاقتصادي الأقرب إلى المنهار لا يدخل ضمن حسابات بشار الأسد السياسية، حيث تقصّد إغراق المنظمات الدولية والمحلية بأعداد كبيرة من الوافدين، لاستثمار الحالة الإنسانية سياسياً والمطالبة برفع العقوبات وضخ أموال التعافي المبكر أو ربما إعادة الإعمار، وكذلك دفع دول غربية للتطبيع معه.

 

ما قدرة حكومة النظام السوري؟

مع بدء الحكومة مهامها بدأت التساؤلات عما إذا كانت تمتلك أي خطط اقتصادية حقيقية لتحسين الأوضاع، أم أنها مجرد حكومة تسيير أعمال تسعى فقط للحفاظ على استمرارية نهج الحكومة السابقة دون السعي لإحداث تغييرات جوهرية في بنية الاقتصاد.

وفي ظل هذه التساؤلات وبعد أيام من استلام الحكومة زمام الأمور وفي أولى قرارات جلستها الأولى، قررت رفع سعر ليتر المازوت المدعوم للتدفئة 150في المئة من ألفي ليرة سورية إلى خمسة آلاف ليرة، ما أثار استياء في الشارع، وأعطى انطباعاً بأن الحكومة تمضي على نفس النهج السابق دون تقديم حلول ملموسة للتخفيف من أعباء الحياة اليومية.

وقالت الأكاديمية والباحثة الاقتصادية وأستاذة بكلية الاقتصاد الثالثة في جامعة القنيطرة، رشا سيروب: “الحكومة قبل أن تتم يومها العاشر بدأت برفع الأسعار عن أهم سلعة حياتية للمواطن، وجعلتنا نعرف نواياها، مزيد من الإفقار وتسريع بتدهور القدرة الشرائية للمواطن”.

واعتبرت سيروب، عبر حسابها في فيسبوك أن رفع سعر المازوت لا يعني رفع سعر وسائل التدفئة، بل رفع جميع أسعار السلع والخدمات، وتساءلت عن وجود دراسة لدى الحكومة بشأن “آثار وجدوى رفع الأسعار؟ أم أن هذا الخلل من ذاك السلف؟”.

شهدت أسواق المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة النظام في سوريا، ارتفاعاً ملحوظاً في أسعار عموم المواد الغذائية خلال الأيام القليلة الماضي، مسجلة زيادات تراوحت بين 15 و30 بالمئة، بعد فترة من الاستقرار النسبي.

صحيفة تشرين الناطقة باسم النظام، عزت هذا الارتفاع إلى عوامل متعددة، من أبرزها “ارتفاع تكاليف النقل بسبب تأثر الطرق بالعدوان الإسرائيلي على لبنان، إلى جانب النقص الحاد في مادة المازوت”، من دون أن تشير إلى عامل نزوح مئات الآلاف من لبنان، واستغلال هذا العامل لرفع الأسعار.

وبحسب الصحيفة، فقد ارتفع سعر كيلوغرام السكر من 11 ألف ليرة سورية إلى 14 ألفاً، في حين ارتفع سعر الأرز القصير من 12 ألف ليرة إلى 15 ألفاً، ووصل الأرز الطويل إلى 36 ألف ليرة. كذلك، ارتفع سعر الزيت النباتي من 22 ألفاً إلى 27 ألف ليرة للتر الواحد.

أما أول اختبار للحكومة الجديدة كان مشروع الموازنة العامة لعام 2025، والتي وافق عليها المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي وبلغت 52600 مليار ليرة سورية، واللافت في الموازنة الجديدة هو زيادة سعر الصرف من 11500 ليرة سورية لموازنة العام الماضي إلى 13500 ليرة سورية بزيادة قدرها 17 بالمئة.

وفي تعليق لها، قالت وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي: “الموازنة العامة للدولة لعام 2025 تتشابه مع الموازنات السابقة من حيث إنها تفتقر لتحديد المستهدفات والمؤشرات الاقتصادية، فمثلاً لم يتم تحديد معدل النمو الاقتصادي الحقيقي والتضخم المستهدف وكيفية محاربته أو تخفيضه، وكذلك نسبة البطالة وعدد فرص العمل التي ستوفرها الموازنة العامة للدولة بشكل مباشر أو غير مباشر، وكذلك المنهجية التي يمكن اتباعها لتحسين المستوى المعيشي لغالبية المواطنين”.

وبشأن ماذا يمكن للحكومة الجديدة أن تقدم، يرى مدير البرنامج السوري في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” كرم شعار، أن دور الحكومة في سوريا محدود للغاية، حيث تبقى القرارات الأساسية بيد بشار الأسد الذي يتحكم بمسار عمل الحكومة ويوجه سياساتها، فرؤساء الوزراء يُستبدلون بشكل دوري، وغالباً ما يحمّلون مسؤولية أخطاء الحكومات السابقة دون أن يتمكنوا من إحداث تغيير حقيقي في الأداء الحكومي.

ويقول الشعار لموقع تلفزيون سوريا: “دور الوزراء ليس صفرياً بشكل كامل، لكن تأثيرهم في تحديد توجهات الدولة ومسار مؤسساتها يبقى ضعيفاً، فالكلمة الفصل والتوجيه بيد الأسد”.

من جانبه اعتبر المستشار الاقتصادي أسامة القاضي أن الحكومة الجديدة لن تأتي بأي تغييرات جذرية، فالواقع الاقتصادي يزداد سوءاً بدلاً من التحسن، كون الموارد المتاحة في مناطق سيطرة النظام تتناقص، ولا يوجد أي حافز اقتصادي يدعم نمواً حقيقياً.

وقال القاضي لموقع تلفزيون سوريا إن الوضع الاقتصادي المتدهور سيُرافق الحكومة الجديدة مع استمرار ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم، وسيجعلها تحت الضغوط الاقتصادية الشديدة التي ستعاني منها كما عانت الحكومات السابقة.

وأثارت تصريحات بشار الأسد، التي تعكس رسالة واضحة بعدم التوقع من الحكومة الجديدة أي تحسينات جوهرية، ردود فعل من جانب المحللين الذين اعتبروا أن طلب الأسد بعدم توقع أحلام كبيرة يتعلق بشق سياسي.

المستشار الاقتصادي أسامة القاضي اعتبر أن “تصريحات الأسد لا تعدو أن تكون جزءاً من خطاب إعلامي لا يثمن ولا يغني من جوع، ولا يوجد فيه أي سياسات عملية لدفع عجلة التنمية والنمو الاقتصادي السوري، ولا يوجد فيه أي خطة حقيقية لإنقاذ سوريا”.

واعتبر القاضي أن التصريحات أكدت على “هناك إصرار على بقاء الوضع على ما هو عليه، دون أي تغير في المعطيات ودون أي مساهمة في تحريك هذا الجمود الاقتصادي والسياسي داخل سوريا، واصفاً إياها بأنها “جرعة مخدر منتهي الصلاحية، لا يؤثر في الشعب ولا حتى الوزراء، ولا حتى رئيس مجلس الوزراء نفسه الذي يعلم أن كل ما تحدث به عبارة عن خطاب لن يغير في واقع الحال شيئاً”.

من جانبه اعتبر الشعار أن الأسد يحاول من خلال كلامه “خفض سقف التوقعات لدى الجميع”، بهدف تفادي أي ضغوط داخلية قد تطالبه بالتحرك نحو تسوية سياسية من شأنها تقليص سلطته، في إيصال رسالة واضحة مفادها “لا تتفاءلوا، الوضع سيبقى على ما هو عليه ولن يتحسن بشكل جذري”.

وقال الشعار إن تصريحات الأسد تعكس واقعاً سياسياً يتسم برفضه تقديم أي تنازلات من شأنها إحداث تغييرات سياسية جوهرية، وبالتالي من الصعب توقع أي تحسن ملحوظ في الأوضاع الاقتصادية.

وتوقع الشعار استقرار الوضع الاقتصادي على ما هو عليه أو التحسن بشكل طفيف، لأن العوامل التي أثرت على الاقتصاد السوري منذ أزمة المصارف في لبنان وجائحة كورونا والعقوبات الاقتصادية الأميركية (قيصر)، تم امتصاص تأثيرها والتأقلم معها.

ويرى الشعار أن الشعور السائد في الوقت الحالي بأن النظام باق في المدى المنظور، سيؤدي إلى خلق حالة لدى رجال الأعمال والمستثمرين لاستئناف أنشطتهم الاقتصادية في سوريا.

وفي ظل الواقع الاقتصادي المتردي، يأتي النزوح اللبناني ليضيف أعباءاً جديدة، ما يزيد من الضغط على الموارد المحدودة في مناطق سيطرة النظام، خاصة في وقت تغيب فيه أي سياسات واضحة أو خطط منظمة لاستقبال النازحين.

وكان الأسد وجه إلى الحكومة باستقبال اللبنانيين وفتح الأبواب أمامهم بشكل مفاجئ، ما قد يؤدي إلى ضغط كبير على البنية التحتية والخدمات العامة مثل الصحة والتعليم، إلى جانب تفاقم أزمة الإيجارات وارتفاع أسعار السلع الأساسية.

وحول تأثير النزوح اللبناني اعتبر الخبير الاقتصادي فراس شعبو أنه سيفاقم الأزمة الاقتصادية المتردية التي تعاني منها البلاد، خاصة في ظل ضعف العرض في الأسواق وقلة الموارد الإنتاجية.

وقال شعبو لموقع تلفزيون سوريا إنه مع زيادة عدد النازحين، سيزداد الطلب على السلع والخدمات، ما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل ملحوظ، نظراً لعدم وجود بنية تحتية كافية أو مؤسسات إنتاجية تلبي هذا الطلب المتزايد.

وسيكون ضخ العملة الأجنبية في السوق السوري عامل ضغط على الاقتصاد وإحدى التحديات الكبرى، حسب شعبو، لأن النازحين اللبنانيين سيدفعون بالدولار ما سيؤدي إلى اعتماد بعض التجار الجشعين على تسعير المواد بالعملات الأجنبية لعدم وجود قيود وضوابط، ما يخلق نوعاً من الابتزاز الاقتصادي ويزيد الضغط على المواطن السوري.

وتوقع شعبو ارتفاع أسعار العقارات بشكل كبير، سواء على مستوى البيع أو الإيجار، إلى جانب زيادة تكلفة الخدمات الأساسية، وزيادة الطلب على الوقود، وبسبب عدم امتلاك النازحين لبطاقات للحصول على البنزين، ما سيدفعهم لشرائه بأسعار السوق الحرة، ما قد يؤدي إلى حالة من الفوضى في الأسعار.

وكانت إذاعة “شام إف إم” المحلية نقلت عن صاحب أحد المكاتب العقارية بدمشق قوله إن “أسعار إيجار العقارات في دمشق ارتفعت بنحو 50 – 60% خلال الفترة الأخيرة”، فقد وصل كلفة إيجار المنزل في كفرسوسة إلى 200 مليون ليرة سنوياً، أي ما يقارب 16 مليون ليرة شهرياً، وفي المزة ضمن المناطق الشعبية وصلت تكلفة الآجار سنوياً إلى 50 مليون ليرة سنوياً.

وفي سؤال حول المستفيد الأكبر من النزوح؟ أكد شعبو أن الميليشيات الاقتصادية المرتبطة بالنظام ستكون أكبر المستفيدين، كونها ستسعى إلى التحكم بالمنتجات الأساسية المطلوبة من قبل النازحين، إضافة إلى التوقع باستغلال المساعدات الأممية، حيث ستباع في الأسواق بدلًا من وصولها إلى مستحقيها من السوريين أو اللبنانيين المحتاجين.

أما كرم الشعار اعتبر أن الأسد سيستفيد من النزوح اللبناني سياسياً عبر إظهار أن الأوضاع الأمنية في مناطق سيطرته مستقرة، إضافة إلى استغلال الوضع لممارسة ضغط على الدول المانحة، للمطالبة بزيادة التبرعات والمساعدات بحجة أن الوضع الإنساني في البلاد يتدهور بشكل متسارع.

Read Previous

يواصلون التظاهر في إدلب وريف حلب ضد سياسات “الجولاني”

Read Next

“الإدارة الذاتية” تعرض على ألمانيا استقبال السوريين المرحلين

Leave a Reply

Most Popular