منذ يوم أمس، يسود الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي حول مسجد الزهراء، الذي شُيّد حديثاً بلون أسود غير مألوف في منطقة الدانا بريف إدلب الشمالي.
وبعد الإعلان عن إقامة صلاة الجمعة في المسجد لأول مرة، بدأت بعض الأطراف على وسائل التواصل الاجتماعي بالتعبير عن استيائها من اختيار اللون والاسم، مشيرين إلى ما يرونه خروجاً عن الطابع المعماري السني التقليدي.
وبحسب مصادر محلية، فقد تبرعت عائلة مهجرة من معرة النعمان وتقيم خارج سوريا لبناء المسجد، إذ قدمت الحاجة زهراء، إحدى أفراد العائلة، نحو أربعة كيلوغرامات من الذهب، واستكمل أبناؤها البناء بأموالهم الخاصة كصدقة جارية، ليحمل المسجد اسم والدتهم تكريماً لها.
ومع ذلك، لم تمر هذه المبادرة الخيرية بسلام، فقد أصبحت معرضاً للاتهامات والانتقادات، بسبب ما وصف بأبعاد طائفية وراء اختيار اللون والاسم.
على الجانب الآخر، أثار بيان وزارة الأوقاف في حكومة الإنقاذ مزيداً من الجدل بعدما أعلنت عزمها مراجعة اسم ولون المسجد، إذ رأى بعضهم أن هذه الخطوة تعكس خضوع الوزارة لضغوط وسائل التواصل الاجتماعي وتلبية لرغبات المنتقدين، بدلاً من اتخاذ قرارات قائمة على أسس شرعية ومعايير موضوعية.
وتنقسم الآراء بين من يرى ما يجري تعبيراً عن حرية الرأي وحق الانتقاد، وآخرون يرونه تدخلاً في مبادرة خيرية بحتة.
ويرى منتقدون لبناء مسجد الزهراء في إدلب أن اختيار اللون الأسود والاسم “يثير حساسيات طائفية في مجتمع سني”، إذ اعتبروا اللون الأسود وتسمية “الزهراء” من رموز المذهب الشيعي.
ويعتقد هؤلاء أن التصميم خروج عن الهوية السائدة في بناء المساجد في المنطقة.
ويشير بعضهم إلى أن اختيار هذا اللون وتلك التسمية قد يكون غير مقصود، إلا أنهم يؤكدون أن هذه الاختيارات، حتى وإن كانت حسنة النية، تتعارض مع النمط السائد.
ويرى المنتقدون أن موقف وزارة الأوقاف بمراجعة اسم المسجد ولونه خطوة مبررة، إذ يعتبرون أنها ضرورية للحفاظ على “الطابع الديني السني في المنطقة وتجنب محاولات ما وصفوه بـ التشبه بالشيعية”.
كما يعترض المنتقدون أيضاً على التصميم المعماري للمسجد، معتبرين أنه يفتقر إلى الجمال البسيط ويبتعد عن الهوية المعمارية الإسلامية التقليدية في سوريا، ويرون أن الإفراط في التجميل والتجهيز وكثرة الزخارف تضفي طابعاً غير مألوف على المسجد، إذ يجعله يبدو أقرب إلى قاعات الاحتفالات منه إلى مكان للعبادة.
ويشيرون إلى أن التزيين المفرط والزخارف الكثيفة لا تتماشى مع الطابع الروحي للمساجد، الذي يجب أن يُحافظ على بساطته ليكون أكثر تعبيراً عن قيم الإسلام وتواضعه، كما يخشى هؤلاء أن تكون هذه التصاميم المبهرة والزينة الفاخرة في غير محلها، خصوصاً في منطقة تمر بأوضاع اقتصادية صعبة، ويرون أنه من الأولى أن تصرف هذه الأموال لمساعدة الفقراء والمحتاجين.
ومن جهة أخرى، أكدت شريحة أخرى من السكان أن الانتقادات الموجهة لتصميم المسجد والاختيارات المعمارية ليست سوى محاولة للتشكيك في مشروع خيري بحت.
وترى هذه الشريحة أن بعض المنتقدين يستغلون قضية المسجد لتحقيق أجندات سياسية وتسجيل نقاط ضد هيئة تحرير الشام التي تسيطر على المنطقة، علماً أن المسجد لا يرتبط بها مباشرة.
ويرى المدافعون عن المسجد أن الطابع الديني المحايد للصرح لا يجب أن يُستغل لمهاجمة الهيئة، مؤكدين أن المسجد بُني بجهود عائلة مهجرة من دون تدخل من السلطات المحلية.
ويشير هؤلاء إلى أن التركيز على اللون والاسم يأتي في إطار إثارة الجدل، وليس بهدف النقاش المعماري البنّاء، مستدلين بأن لون الكعبة المشرفة أسود.
ويشدد بعضهم على أن الانتقادات التي توجه إلى المسجد تجاوزت البعد الديني المعماري إلى البعد السياسي، مؤكدين على ضرورة ألا تصبح هذه المشاريع الخيرية موضوعاً للمنازعات، كما يعتبرون أن بعض الشخصيات تحاول استخدام هذه القضية لتقوية موقفها في وجه السلطات المحلية بناءً على تراكمات وخلافات سابقة، من خلال التركيز على تفاصيل خارجية لا تؤثر على جوهر المسجد ووظيفته.
وقال الشيخ أحمد العلوان، المنحدر من مدينة معرة النعمان، إنّ “مسجد الزهراء في البردقلي بناه إخوة من بلدي معرة النعمان وأسموه باسم والدتهم براً بها وإكراماً لها، فجزاهم الله خيراً وتقبل منهم”.
وأضاف أن “ما يردده البعض من مقولة (لقمة في بطن جائع خير من بناء جامع) فهي كلام لا يصح ديناً ولا عقلاً، وليس هذا بحديث، والأماكن الفقيرة بالمساجد يُقدّم فيها بناء المسجد على غيره، فأول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة هو بناء المسجد، والإخوة نعرفهم سباقون للخيرات لم يقصروا مع الفقراء ولا طلبة العلم ولا أصحاب الاحتياجات الخاصة، بذلوا الكثير أيام الزلزال وأيام النزوح وهذا يعرفه أهل بلدهم، أما ما يشيعه البعض أنه مشروع شيعي فهذا خيال مريض، أصلح الله الحال”.
من جهته، قال الكاتب المقرب من “حكومة الإنقاذ” أحمد زيدان، إنّ “الاهتمام الذي أبداه أهل السنة والجماعة في الداخل السوري وخارجه بخصوص مسجد الزهراء في الشمال المحرر، يعكس مدى حرصهم على ثورتهم ومحررهم وهويته، ولذا يتابع القائمون على المحرر تعديلات بشأن المسجد على أن يتم تغيير اسمه”.
واعتبر أن هذه “الإيحاءات الشيعية الطائفية التي قتلتنا في العراق وسوريا واليمن، لا يمكن أن يتسامح معها ورثة الدم، لكن لا بد من التمييز بين من هو حريص، ومن وجدها فرصة لينفث حقده الدفين وسُمه بالمحرر وأهله… هذا المحرر مجبول بدماء شهداء أهل السنة، ولن يقبل هوية أخرى بديلة عنه”، حسب وصفه.
وفي رده على زيدان، قال الكاتب بسام أبو عدنان: “سؤالي لأحمد زيدان: ما الذي يهدد هويتنا عندما نسمي مسجداً في مناطقنا باسم الزهراء؟ ثم ما علاقة لون المسجد بتهديد الهوية؟ لعلمك دكتور أحمد، العمارة علم وفن متطور عبر التاريخ يرتبط بالثقافة لكنه تطوره لا يهدد الهوية، والمهتم بالعمارة يجد اختلافاً في فنونها وأنماطها بين الدول الإسلامية المختلفة من الأمويين وصولاً للعثمانيين”، مضيفاً أن “النمط المعماري للمسجد لا يمت من قريبٍ أو بعيد للنمط المعماري المعتمد في الحسينيات”.