سيريا مونيتور
بسياسته المعتادة يعود النظام السوري إلى ممارسة الابتزاز السياسي حتى مع حلفائه الإقليميين، وهذه المرة في لحظة إقليمية فارقة، حيث عمدت وزارة خارجية النظام لتقديم مذكرة مستعجلة لوزارة الخارجية اللبنانية تعتبر بها الأبراج البريطانية التي جرى اإشاؤها على الحدود اللبنانية – السورية تهديداً “للأمن القومي السوري”.
وبحسب المعلومات فإن وفداً سورياً سيزور لبنان في المرحلة المقبلة يضم قيادات عسكرية وأمنية، سيجري اجتماعات مع مسؤولين لبنانيين حيال موضوع الأبراج البريطانية، فيما ترفض الحكومة اللبنانية والخارجية التعليق على المذكرة، باعتبار أنها ليست المرة الأولى التي يجري فيها الاعتراض على وجود الأبراج.
قصة الأبراج
وتعود قصة إقامة هذه الأبراج إلى العام 2007 بعد صدور القرار الدولي 1701 الذي نص على منع تهريب الأسلحة إلى لبنان واشتركت آنذاك القوى الأمنية اللبنانية المشتركة وقوات اليونيفيل بموجب هذا القرار في تنفيذه كل ضمن مناطق معينة واستناداً إلى برنامج تم وضعه على فترات حتى العامين 2008 و2009 وتوسع ليشمل منع تهريب الممنوعات كافة إلى لبنان لا سيما السلاح والمخدرات والفارين من عدد من الدول العربية.
وشمل المشروع أيضاً إقامة منشآت على الحدود البرية مع سوريا شرقاً وشمالاً لضبط المعابر الحدودية وتنظيمها وتطويرها بمساعدة مالية وتقنية من دول أوروبية لا سيما ألمانيا وهولندا، وفي عهد حكومة فؤاد السنيورة جرى تشكيل لجنة وزارية تهتم بالحدود والمعابر، قبل أن يجمد عملها نتيجة التوازنات السياسية والضغط الذي مارسه بشار الأسد حينها.
ومع اندلاع شرارة الثورة السورية والمعارك التي جرت في مناطق محاذية لبنان، أعيد إحياء المشروع، لكن سعت حكومة نجيب ميقاتي حينها على العمل ببطء نتيجة التحديات الجغرافية والضغوطات الداخلية الجارية، وبعد حالة الفوضى التي أنتجها دخول تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، سعت حكومة تمام سلام حينها بدعم دولي من مقررات مؤتمر الدول الداعمة للبنان، الذي انعقد منتصف حزيران من العام 2014 في إيطاليا، لتأمين أكبر دعم دولي للجيش اللبناني وتعزيز استقرار لبنان.
وشكل حينها المؤتمر مناسبة إضافية للبحث في الإمكانات المتاحة لضبط الحدود إذ أعلنت بريطانيا عن تقديم مساعدات للجيش لاستكمال إقامة أبراج مراقبة عند الحدود بهدف ضبط المعابر غير الشرعية ومراقبة حركة دخول المواطنين السوريين إلى الأراضي اللبنانية، في ظل المخاوف من تسلل عناصر داعش إلى لبنان.
وبحسب الخطة التي وضعها الجيش البريطاني حينها بالتعاون مع الجيش اللبناني بعد دراسة دقيقة لطول الحدود اللبنانية – السورية واستناداً إلى عمليات المسح الجوي تم اختيار المواقع التي ستقام عليها الأبراج ومنشآتها والتي ستعطي فوج الحدود البرية، الأول والثاني، فرصة السيطرة على الحدود واسترداد سيادة الدولة على مساحة من الأرض اللبنانية.
لماذا الاعتراض الآن؟
وكانت وزارة الخارجية اللبنانية تلقت رسالة نظيرتها التابعة للنظام وتشير إلى أن هناك اعتراضات سورية على الأبراج البريطانية انطلاقاً من عدة أسباب جرى تفنيدها وهي أن المعدات الاستخبارية التي تحويها منظومات الأبراج، تغطي مسافات عميقة داخل الأراضي السورية وتقوم بجمع المعلومات عن الداخل السوري، وبحسب الرسالة السورية، فإن الجزء الرئيسي من هذه المعلومات يسلمه البريطانيون إلى الجانب الإسرائيلي الذي يستفيد من هذه المعطيات الواردة لاستهداف مواقع عسكرية وتنفيذ ضربات في العمق السوري، وادعت الرسالة السورية أن هناك حضورا لبعض الضباط البريطانيين إلى الأبراج، ولندن وفقاً للرسالة هي مشاركة في “الحرب الكونية على دمشق”.
من هذا المنطلق يشير مصدر حكومي لبناني لـ”تلفزيون سوريا” إلى أن الاعتراض السوري في هذا التوقيت “ليس بريئاً”، وأنه يتزامن مع عدة معطيات أساسية لا يمكن القفز فوقها ولا تجاهلها نهائياً:
- هذه الرسالة تأتي في ظل قيام الجيش اللبناني منذ أشهر بعملية ضبط واسعة وكبيرة لحركة تهريب الأفراد المنظمة والتي يشارك بها ضباط رفيعي المستوى في الفرقة الرابعة والتي تمول جزءا من نشاطها عبر شبكات تهريب السوريين واللبنانيين في البحر باتجاه أوروبا ما يوقف كل الحركة المالية الجارية والتي يعتمد عليها النظام السوري في تمويل الفرق والمجموعات بطرق غير شرعية.
- حقق وجود الأبراج قدرة مهمة على منع التهريب بقدر عالي من الدقة، إن كان تهريب المواد الغذائية والوقود وأمور حياتية أخرى بسبب العقوبات الجارية على النظام وذلك من الجهة اللبنانية، في حين من الجهة السورية منعت حصول تهريب أكبر للمخدرات والسلاح والعناصر المشبوهة وهو موضوع مهم في البنية الاقتصادية للنظام السوري وخاصة أن الكونجرس الأميركي يقوم بين الفترة والأخرى بإغلاق كل الثغرات المتعلقة بالهروب من العقوبات على النظام.
- ويعتقد المصدر أن مذكرة النظام أتت بعد أسبوعين على زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إلى بيروت وطرحه لفكرة إنشاء أبراج مشابهة لضبط الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة في إطار المساعي الدولية والإقليمية لوقف الحرب بين حزب الله وإسرائيل والحديث عن التجربة الناجحة لدعم بريطانيا لإنشاء أبراج مراقبة، والذي رفضه حزب الله بالمطلق على اعتبار أنه سيعيق حركته العسكرية بكل الاتجاهات، لذا فإن التوقيت المتعلق بهذا الأمر قد يكون منسقا بين النظام وحزب الله.
- والأهم من كل ذلك وفقاً للمصدر فإن هذا الموقف السوري الأخير ينطوي على حالة التوجس الموجودة لدى النظام وحلفائه من أداء قائد الجيش اللبناني جوزيف عون وهو مرشح طبيعي لرئاسة الجمهورية، وحظي بدعم للجيش من دول عديدة أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا وقطر وتركيا ودول عربية أخرى، وفي ظل المؤتمرات المرتقبة لدعم قدرات الجيش على كل الصعد التقنية والعسكرية على اعتبار أن أي تطبيق للقرار 1701 يستلزم ضبط للحدود السورية – اللبنانية وانتشارا فعليا في مناطق الجنوب ووقف عمليات التهريب.
وعليه فإن موقف النظام هدفه الرئيسي الواضح المساهمة المستمرة في إحكام إخضاع لبنان والعبث بأمنه واستقراره لأهداف إما مالية للنظام تخدم أجندة الفرق العسكرية والتي تحولت لعصابات قتل وتجارة بشر وتهريب مخدرات، أو لتنفيذ أجندات تخدم حلفاء النظام في أطر مختلفة ووفقاً لمصالح حزب الله وإيران.